ألا إن رجبا شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي

بقلم: سي. أثش. كنجين الهدوي

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

قد أهلنا شهر مبارك شرفه الله تعالى من بين الشهور، وكرمه تعالى بنسبته إلى اسمه، فعلمنا على يد نبيه «رجب شهر الله»، شهر عظمه الِله تعالى واختار أن تكون فيه تلك الليلة التي أسرى الله فيها  بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بورك حوله، تشرف بالإسراء والمعراج الذي كان فاصلا أكبر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله أهمية كبيرة في تاريخ الأيام والأشهر، وكان فيه تفريض خمس صلوات وزواج فاطمة بعلي رضي الله عنهما من أهل العباء، وتوفي فيه الإمام الترمذي ومسلم بن الحجاج وإمامنا محمد بن إدريس الشافعي وغيرهم من العلماء العباقرة رضي الله عنهم أجمعين.

ورجب المرجب مشتق من الترجيب بمعنى التعظيم، ويقال فيه أيضا شهر الله الأصم أو الأصب، ويقال أيضا إنه الشهر المطهر والشهر السابق والشهر الفرد، وشهر مضر إسنادا إلى قبيلة مضر، ومنصل الأسنة إسنادا إلى تحريم القتال.

وبين أيدينا شهر كفى به فخرا أن نسبه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه إليه وقال «شعبان شهري»، شهر يفتح الله علينا فتوحات ربانية ويرشدنا إلى الخير والصواب، شهر تمتد فضائله بلا عد وحصر، ومما ورد في فضائله ما روي عن عطاء بن يسار، أنه قال: «ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من شعبان، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر الله لعباده كلهم إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم».

وشهر رمضان قد اقترب منا بالإهلال، مناديا ومقبلا بخيراته -بلغناه الله بالخير والعافية، فعلى المؤمنين أن يسارعوا إلى خيراته ويغتنمه بكمال الأرباح، وهو شهر موسم القبول والغفران، شهر يفتح الله للمؤمنين أبواب الجنان، ويغلق فيه أبواب النيران، شهر قدره الله تعالى أن تكون لأمة محمد صلى الله فيه حظوظ وفرصات عديدة لنيل رضى الله تعالى، شهر من صام نهاره وقام ليله وحرم محارمه وحفظ فرجه ولسانه ويده أدخله الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر، وعلى العكس، من أدركه ولم يغفر له دخل النار، فعلينا أن نتسارع إلى اغتنامه بوعي كامل.

وهو شهر شهد واقعة البدر الكبرى، وفيه العشر الأواخر، عشر لها في الإسلام مكانة سامية، وفي حياة الرسول مزية وخاصية ممتازة، هذه العشر هي عشر نزول القرآن، عشر ظهور الحق وزهوق الباطل، فيها دخل المسلمون مكة المكرمة، وفيها أظهر الله دين الإسلام على سائر الأديان، وفيها تطهرت الكعبة من الأصنام التي كانت في وسطها ومن جوانبها، وهي عشر ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، والتي هي أفضل الليالي على الإطلاق، وسماه الله تعالى بليلة القدر لأن لها قدرا وللعمل فيها قدرا وللعامل فيها قدرا وللثواب فيها قدرا.

فلتكن مبادرتنا اللآن إلى التوبة النصوحة قبل أن يبادرنا الموت والمنية، وليكن ميدان التنافس والتسابق هو أصعدة الأعمال الصالحة، يقول الله تعالى: «ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا»، وروي أن نبي الله موسى عليه السلام قال: إلهي، ما الذي يخلصني من عقابك ويبلغني رضوانك وينجيني من سخطك؟،فقال: الاستغفار باللسان والندم بالقلب والترك بالجوارح.

فالندم هو شعار التوبة الصادقة، قال الإمام عون رضي الله عنه: «اهتمام العبد بذنبه داع إلى تركه، وندمه عليه مفتاح لتوبته».

وهذه الشهور يتدفق فيها الإيمان في صدور المؤمنين، ونورهم يسعى بينهم وبأيمانهم، تترنح أعطافهم وتخفق قلوبهم مما يتلى عليهم من القرآن، فلا مساغ لنا أن نخلد إلى الراحة، بل لابد لنا أن نعمل فيها بجد فارغ وجهد كامل لنيل رضى الله تعالى، وشد البنيان المرصوص الذي لا يزال ينهدم على عدة وسائل من جهود متوفرة لشرخ البنيان وخرق الصفوف من الغربيين والآلات المستوردة من الغرب، فنحن المسلمين في هذه الآونة محاطون بالأعداء كاللسان في الأسنان.

وعلينا أن نودع هذه الأيام وشهر الصيام والقيام بخير ختام، فإنما الأعمال بخواتيمها، فمن كان محسنا في شهره فعليه الإتمام، ومن كان مسيئا فعليه الرجوع بالتوبة والعمل الصالح فيما بقي من الأيام، فربما لا تعود إليه هذه الشهور بعد هذا العام، فمن كان منا منع نفسه من الحرام، فليمنعها فيما بعده من الشهور والأعوام، فإن رب الشهور واحد، وهو على الأزمان مطلع وشاهد، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.

فقد خسر غاية الخسران من صام نهارها وقام ليلها، وبكى مع القراءة بالتدبر في معانيها، ثم يذهب ويضيع الأجور، فالعين التي كانت تدمع ناظرة إلى الحرام من أفلام متبرجة ومختلطة من نساء الدنيا وغيرها، والأذن التي تأثرت من المواعظ والحكم في ساحات المساجد والمدارس مستمعة إلى الغناء والملاهي والحرام، واللسان الذي قرأ به القرآن واستعمل في ذكر الله والدعاء إليه منطلق في الغيبة والنميمة والكذب والسخرية والقيل والقال والسباب والشتائم إلى غير ذلك من المكروهات، والقلب الذي خشي وسكن هو نفسه حامل الحقد والغل والكراهية للمسلمين، فلا يصح منا هذا أبدا، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟؟؟.

وورد في الحديث «لأعلمن أقواما من أمتي يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا، أما أنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها».(صحيح الجامع).

بارك الله لنا في رجب وشعبان، وبلغنا شهر رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام ولتلاوة القرآن، وأدخلنا برحمته الجنان مع الأبرار، آمين يا تواب يا رحمن.