الأسرة المخدومية: دراسة نقدية حول تسميتها وتراثها

بقلم: ك. في. شفنة ونكود

إن ولايتنا كيرالا تمتاز من سائر الولايات الهندية بطبيعتها الجغرافية الحسنة وثقافتها المكرمة، فالناس فيها يعيشون في مودة ومحبة ويرفعون رسالة الأخوة العطرة، رغم أنهم أتباع أديان مختلفة ينتمون إلى منظومات متنوعة ورايات متلونة، وقد انتشر فيها الإسلام وازدهرت ثقافته وكثر أتباعه ورسخت فيهم جذوره عريقة وقيمه سميكة وسميقة منذ زمن طويل، وكان ذلك لعوامل عدة وأسباب مختلفة، فأولا،إن الإسلام وصل إليها بأيدي الصحابة الكرام الذين ضحوا نفوسهم ونفيسهم لإشاعة الرسالة الربانية وقطعوا مسافات بعيدة حاملين على أكتافهم أعباء الدعوة الإسلامية، وثانيا،إنه وصل إليها علماء عباقر من المتصوفين والمتورعينمن البلاد العربية التي بها نشأت الثقافة الإسلامية، وقد استمدّوا لبابها ومغزها وحاولوا كل المحاولة لبثها ونشرها في داخل الهند وخارجها،ركزوا المساجدفي شتى البلاد وقاموا بالتدريس والتعليم، فاجتمع حولهم آلاف من التلامذة من بلاد مختلفة، حتى انتشرت العلوم الدينية بما فيها من فنون متنوعة وعمليات مفيدة، وثالثا، إن العلماء الذين قاموا بالقيادة الروحية والعلمية والدعوية كانوا متمسكين بالتعاليم القرآنية ومتشبثين بالسنن النبوية، فأثرت معاشرتهم الحسنة ومصاحبتهم الجميلة تأثيرا بالغا في قلوب الناس وأقبلوا على الإسلام من كل حوب وصوب، ورابعا،إنه كان في كفار الهند طبقات مختلفة متفاوتة كما صرح به الشيخ أحمد زين الدين المخدوم الصغير في كتابه «تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين»، وكانت السفلة منهم يرزحون تحت نير  الطبقات العالية باضطهادات وحشية شنيعة، فرحبهم الإسلام ترحيبا حارا من دون تفاوت بينهم ولا تنويع، وأقبلوا على الإسلام زرافات ووحدانا. (الشيخ أحمد زين الدين المخدوم الصغير1985)

الأسرة المخدومية:

إن الأسرة المخدومية أسرة كبيرة ذاع صيتها في الآفاق، وقد تبوأت هذه الأسرة ببلدة «فناني» منذ القرن الخامس عشر الميلادي (القرن التاسع الهجري)، ويرجع فضل أنشطة هذه البلدة كله إلى هذه الأسرة المكرمة وأعضاءها، فجعلوها كعبة العلوم ومكة مليبار، وهم قاموا على قدمهم وساقهم بالدعوة الإسلامية متمركزين بالمساجد الجامعة الكبيرة، فعلت وتطورت هذه البلدة الصغيرة إلى أحد المراكز الإسلامية بجهودهم المتواصلة حتى اشتهرت بمكة مليبار أو بالمكة الصغيرة، وقد اتفق الباحثون والمؤرخون على أن هذه الأسرة مشهورة لتراثها العريق وفحولها المنجبين الكرام من العلماء والفقهاء الذين ضحوا نفوسهم ونفيسهم لإعلاء كلمة الله بما حثهم على الإقبال على التدريس والتأليف والإصلاح والدعوة في مختلف بقاع العالم، وقد سار في الآفاق ذكرهم وعلا في العالم محلهم وقدرهم واشتهروا بعدة أسماء «المعبريون» و«أسرة زين الدين» و«المخدوميون».

نسبة المعبري:

تنتمي نسبة أعضاء هذه الأسرة إلى «معبر»،وهو بلدة بجنوب الهند في ولاية «تاملنادو»، وقد اختلفت آراء الباحثين في سببها، حيث قال بعض الباحثين إن أصل هذه الأسرة يرجع إلى «المعبر» في اليمن وكانوا مستوطنين بها،فأما بعض الباحثين ينكرون هذا الرأي وقالوا إنهم ينسبون إلى «المعبر» في ولاية «تاملنادو» حيث يقرون أنهم وصلوا أولا إلى بلدة «المعبر» في جنوب الهند ثم انتقلواإلى «كوشن» ثم إلى بلدة «فناني» وانتشروا في جنوب الهند مثل «كيلكرى» و«كايل باتنام» وأن البقعة التى استوطنوها كانت تعرف باسم «المعبر» عند العرب والعجم، وكان مليبار أيضا يعد من «المعبر».

ويقول المؤرخ ك. وي. عبد الرحمن:إن آباء المخاديم جاءوا من بلاد العرب إلى شاطئ البحر الهندي ب«سرنديب» وسكنوا بها وسميت هذه البقعة باسم «المعبر» ولذلك ينسبون إليها، فكلمة «المعبر» تحتوي على «كايل باتنام» و«كيلكرى» وبقاع أخرى في الهند.

كتب الدكتور محمد أن آباء زين الدين بن علي جاءوا من بلاد العرب وسكنوا بشاطئ شرق البحر العربي في مليبار ويقال هذا المكان ب«المعبر»، أما قول سي.أن. أحمد المولوي وك. ك. محمد عبد الكريم المولوي بأنهم جاؤا من «المعبر» في اليمن ليس له حجة قاطعة، بل اتفق المؤرخون على أنه «المعبر» في الهند نفسها، وقد سافروا إلى سائر البلاد في الهند وقاموا بالدعوة الإسلامية، ولما جاء «ابن بطوطة»إلى الهند لاقى ب«بدرالدينالمعبري» في مانكلور (Mangalore) وكان قاضيا هناك، ويدل هذا على أنهم بدءوا العمليات الدعوية منذ القرن الرابع عشر الميلادي في مختلف بقاع الهند.

وقد اتفق المؤرخون على أن جنوب شرق الهند يعرف باسم «المعبر» وكتب كثير منهم حدوده، وهو ساحل بشرق جنوب الهند بين «كولم» و»نيلور»، وفي القرن الأول الهجري كانت العرب واليهود يسكنون في بلاد كيرالا خاصة في محلة «المعبر»، وللمعبر علاقة تجارية بكثير من البلاد الخارجية منذ زمن طويل، ووصلت السفن التجارية من الصين وماجينية والسند إلى هنا، وكان التجار ينقلون البضائع إلى العراق والخراسان والروم وأوربا وغيرها.

نسبة المخدوم:

وإذا أمعنا النظر إلى أوراق الكتب التاريخية نجد ونتحقق أن الباحثين والمؤرخين قد اختلفوا في تراث الأسرة المخدومية ومنبعها حتى صدرت منهم آراء مختلفة وأقوال متعددة حول منشأ هذه الأسرة وعروقها، ويقول الدكتور أحمد كوتي في أطروحته «مخاديم فناني ومساهمتهم» إن أصل هذه الأسرةيرجع إلى اليمن، ومنها هاجروا إلى الأماكن المختلفة في جنوب الهند مثل «المعبر» و»كيلكرى» و»كايل باتنام»، ومنهاإلى «فناني» وسموّا أولادهم وأحفادهم بالمعبريين، وقد عين أعضاء هذه الأسرة قضاة في مدينة «فناني»، وعين الشيخ زين الدين علي بن أحمد المعبري قاضيا فيمسجدها وتولى بعد وفاته واحد منهم وهذا القاضي كان يعرف باسم المخدوم وتجري هذه العادة على منوالها، وقد كان الناس يرسلون التحف والهدايا إلى هؤلاء العلماء الكرام وقد لعبوا دورا مهما في نشر الإسلام والعلوم الشرعية في بلاد جنوب الهند مثل «مدورا» و«تنجاوور» و«ترشرفلىي» و«ناغور» وما إليها.

ويقول الدكتور حسين الصمداني المليباري في كتابه «المخدوم والفناني»إن أصل هذه الأسرة المرموقة ينتمي إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه على طريق ابنه عبد الله رضي الله عنه، وقد سكن أحد آباء زين الدين المخدوم الكبير في «المعبر» وآخر منهم في «كايل باتنام» بعد ما هاجر من اليمن الجنوبيإلى بلاد الهند، ومما يبدوأنهم أقبلواعلى الهند في القرن السادس الهجري،وقد سكن جد زين الدين المخدوم الأول الشيخ أحمد المعبري في «كوشن» وقام بأعباء الدعوة الإسلامية ونشر العلوم الشرعية خالصا لله فابنه الشيخ علي المعبري والد الشيخ زين الدين المخدوم الكبير.

والمخدوم هو لقب لهم جمعه مخاديم وفي الاصطلاح تستخدم للقضاة الذين كانوا يعملون في الجامع الكبير بفناني في القرن الخامس عشر، ويقول الدكتور حسين الصمداني إن كلمة المخدوم مشتق من خدم وأما ما يقول بعض الناس إن العلماء من هذه الأسرة الذين كانوا ينصبون قاضيا بفناني كانوا يكرمون بالتحف والهدايا من الناس ولذا سموا بالمخاديم غير مقبول بالتمام والصحة، لأنها كانت مستعملة في اسم كثير من الآباء الكرام للشيخ محمد إياس الدين الكركري الذي هو جد الشيخ زين الدين المخدوم الكبير، فهذه الحقيقة الغضة تسلط الضوء إلى أن استعمال كلمة «المخدوم» مع أعضاء هذه الأسرة موجود منذ زمن طويل.

ويلخص الدكتورحسين أنه أقبل الشيخ زين الدين المخدوم الكبير في مجال الدعوة ونشر العلوم الشرعية وقام بأعمال النهضة بفناني فمن نصبوا في منصبه بعده جعل يعرف باسم»المخدوم».

ومن اللافتة للأنظار أن هذه الآراء والأقوال مع أنها توضح وتقرر أن أصل هذه الأسرة المرموقة يرجع إلى اليمن لم تفد لنا أصلا مرضيا لاستعمال نسبة المخدوم مع أسماءهم، ولم تسلط الضوء إلى أسباب اشتقاق هذه الكلمة واضحا، ومع هذه الحقيقة إن أصحاب هذه الآراء لم يؤقتوا لنا وقتا معينا أو سنة معينة لهجرة هذه الأسرة من اليمن إلى بلاد الهند، فهذه الحقائق تعلن وتظهر أن هذه الأقوال والآراء ضعيفة يتنازع فيها الباحثون.

أما الدكتور عبد اللطيفيقول في كتابه «التاريخ الموجز لكايل باتنام» إنه قد وقعت هجرتان من بلاد مصر إلى «كايل باتنام» في عهدين مختلفين لأسباب خاصة، فكانت الهجرة الأولى في سنة 227هـ من قرية «قرافة الكبرى» التي كانت في ظل «جبل المخدم» قريبة بالقاهرة عاصمة مصر، فخرج منها الرجال والنساء والأطفال الذين كانوا ينتمون إلى الخليفة الأولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه على سفينة مختلقة بالخشب تحت رعاية الشيخ محمد الخلجي حتى وصلوا إلى ساحل البحر ب«كايل باتنام» في تاملنادو بجنوب الهند.

والظاهر من هذا البيان أن «المخدوم» كلمة تنسب إلى أعضاء هذه الأسرة نسبة إلى «جبل مخدم» حيث كانوا يسكنون في قرية «قرافة الكبرى» وهي قريبة بهذا الجبل المشهور بعد أن هاجروا إلى بلاد الهند، سيما بعد وصول أحفادهم إلى «فناني» نصبوا في مناصب التدريس والقضاء والإفتاء وعرفوا بالمخاديم حسب تراثهم العريق.

فأما الباعث والسبب لهجرة هذه الأسرة أول مرتها من مصر إلى الهند هو الفوضى والمشقة التي صدرت من امتيال السلطان المعتصم بالله وبعده  السلطان الواثق إلى مذهب الاعتزال، حيث إنهم أقبلوا باعتناق آراء المعتزلة وشنوا الإغارة والاضطهادات ضد أهل السنة والجماعة حتى انتهت إلى مقتل كثير منهم والأسر المتشد، فهذه الاضطهادات والاضطرابات أدت إلى هجرة أعضاء الأسرة المخدومية من ظل«جبل المخدم» بالقاهرة إلى كايل باتنام، فهؤلاء المهاجرون كانوا يؤدون صلواتهم وعباداتهم في مسجد «كاتل كرى» في بقعة «كاروفوتيار» في «كايل باتنام»، وكانت هذه البقعة تعرف باسم «كايل»إلى أن وصل إليها الشيخ محمد الخلجي وبعد وصوله جعل البقعة الجنوبية بكايل تعرف باسم «قاهربتنم» نسبة إلى وطن الشيخ محمد الخلجي وكانت بقعة «كايل باتنام» تحت حكومة السلطان «الفاندي أبراما راجا أو راجا جاي جنون راجوكر، وكان السلطان رحيما بالمؤمنين حتى أعطاهم ما احتاجوا من الأرض وسهل لهم تسهيلات التجارة حتى رحبهم ترحيبا حارا.

وقد وقعت الهجرة الثانية من مصر إلى هذه البقعة في سنة 683ه، وفي هذه الدورة خرجت خمس سفن شاحنة بالرجال والنساء والأطفال إلى مختلف أرجاء العالم حتى وصلت واحدة منها إلى ساحل البحر العربى ب«كايل باتنام» تحت رعاية السيد جمال الدين بن محمد تبي، وهو من أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم، أما باعث الهجرة الثانية كان عهد السلطان المملوكي محمد قلايون زمان الداهية والاضطهادات، وكانت هذه البقعة تحت حكومة السلطان الفاندي، فقبلهم بقبول حسن وسهل لهم أسباب التجارة، ويقال إن الملك الفاندي بعث السيد جمال الدين رسولا له إلى محكمة كبلا خان، وبعد عوده إلى الملك كان يعطي الخيول للسلطان حتى صار أمير الجيش، وبعد وفاة السلطان سندرا فاندي في سنة 1214م تولى زمام القيادة في تلك البقعة.

خاتمة:

ومغزى الكلام أن الأسرة المخدومية لعبت دورا مهما في نشر الملة البيضاء في جنوب الهند سيما في بقاع كيرالا، ولها يد طولى في نشر العلوم الدينية وإشاعة الثقافة الإسلامية منذ أمد بعيد، فتصانيفهم القيمة تلمع كالنجوم الزاهرة حيث يسد برقها الآفاق وما زالت ولا تزال تبقى بعزتها وفضلها مصادر علمية راقية عند العامة والخاصة، وقد اتفق المؤرخون على فخرها ومجدها وكثرة تبرعاتها في المجالات العلمية والثقافية والتأليفية، ولكن المؤرخين والباحثين قد اختلفوا فى تسمية علماءها وتعيين مصدرها حيث انطلقوا إلى آراء شتى وأقوال مختلفة حول نسبة «المخدوم » وما يدور بها من علاقتهم إلى البلاد اليمنية أو المصرية، فالذى يقنعني من هذه الأقوال هو ما صرح به الدكتور عبد اللطيف لقوة أدلته ووضوح بيانه.

المصادر والمراجع:-

  1. الشيخ أحمد زين الدين المخدوم الصغير، (1985)، تحفة المجاهدين فى بعض أخبار البرتغاليين. مؤسسة الوفاء – بيروت.
  2. محمد الفيضي بن البخاري المليباري، (1995)، تاريخ لجنة أنوار الطلبة، معيناباد.
  3. الدكتور أحمد كوتي، مخاديم فناني ومساهمتهم، صفحة 27.
  4. شمس الله القادري (1930، ملبهر، مطبعة على جرة.
  5. الدكتور حسين الصمداني، (1998)، المخدوم وفناني، مليالم.

6. الأستاذ عبد الرحمن، (1998)، تاريخ أسرة المخاديم،مليالم.