فليبك جميعكم معنا حزنا على أبينا !

عندما يرحل العظماء تنقص الأرض من أطرافها، وتنطفئ المنارات الكبرى التي ترسل إشعاعات خيرها ونورها في ربوع

العالمين، عندما تأفل النجوم العلماء تنفطر لذهابهم القلوب، لكونهم حماة الأمة وركنها الركين، وصمام أمن قيمها ومبادئها

التي ترتفع بها إلى مصاف الأمم الخالدة ذات الإسهامات الكبرى في حياة البشرية، لا نرثي في هذا العدد الخاص رجلا عاديا أو

شخصا عابرا أو أي واحد آخر من رموز الأمة المترامية من المحيط إلى المحيط …

بل، نقف – أسرة التحرير لمجلة النهضة برمّتها – في هذه العجالة بمشاعر عميقة تشتعل فيها الحسرة والألم في موقع

رثاء رجل بأمة….. رجل أحيا شعبه الذي أصابته تلاوين من المشاكل الشائكة والآلام النفسية والنفسانية، وكان فضيلته

المجداف الروحي في حقبة كداسة النقود الزائفة، وعمل ليل نهار لخدمة قضايا أمته التي تآمر عليها القريب والبعيد، في

زمن اضمحلال المبادئ الناصعة والمعاني الجميلة. شيخنا بافوتي المسليار واحد من العلماء الصوفيين الذين أنجبتهم قرية

فاتافارمببمقاطعة مالابورم من ولاية كيرلا الهندية في القرن العشرين، ووهبتهم شمائل وحبتهم بقدرات وطاقات متميزة

ارتقت بهم إلى قمة المجد وذرى العمل والتضحية والعطاء.

شيخنا بافوتي المسليار رجل ليس ككل الرجال، ورمز ليس ككل الرموز، فما تركه هذا الرجل الفذّ بين دفتي كتاب حياته

الذي تتقاطر من صفحاته المضيئة كل صور العطاء والإنعام ، يوضع – حتما ودون جدال – في المرتبة العليا التي لا يجاوره

فيها إلا نفر قليل من علماء وشخصيات الديار المليبارية ، بالغي التفرد والتميز فيالعصر الحديث.

ربما لا يعرف الكثيرون سيرة حياة المغفورله الذي شكل نموذجا للإصرار والمواجهة والتحدي في كل الميادين وفي مختلف

الأوقات، أو يدركون بعضا من العناوين العريضة التي بزغت في مرحلة ما من مراحل حياته، والذي تختزن في صحائف

أعماله مدونات كتبت بمداد الذهب والمجد والفخار. لا تنبع أهمية ودور ومكانة المرحوم فقط من مواقعه الهامة التي

تقلدها في كيرلا كمؤسس كليتنا الغراء سبيل الهداية ، ومن ثم رئيسا لها، بل إن أستاذنا المبجل اكتسب أهميته ومكانته

أكثر ما يكون كقائد ويد مساندة للمعوزين البؤساء الذين يلتفون حوله من كل أرجاء البلاد ، ويملك رؤى وحلولا لائقة لما

يساورهم من القلق وأنواع القنوط والإحباط، ومن الصعب رثاء قامة كبرى كقامة بافوتي المسليار، والذي أفنى حياته في

سبيل نصرة دينه ودعوته وإعلاء شأن شعبه وأمته، وأعطى العلوم الدينية وطالبيه الكثير والكثير.

عاشت كلية سبيل الهداية الإسلامية ومجلة النهضة الصادرة من هذا الحرم نفسه في روحه وعقله ووجدانه، فكان لها

سندا وداعما وظهيرا ونصيرا أينما حل أو ارتحل، حتى غدت صنو المنابر العلمية والصروح الدعوية والفكرية ، ولحنا شديّا

تعزف حروفه وتطرب لأنغامه كافة قطاعات وشرائح الشعب الكيرلاوي، حيث كان لديه عمدة مخصخصة في هذه المجلة

الغراء تحت عنوان «المشكاة »

وكم كانت الفرحة والحبور والاستبشار يغزو فؤاده مع كل تقدم أو إحراز تحوزه وتظفر به أفلاذ كبد معهده المرموق، لقد

خرّج فقيدنا الجليل أجيالا من الشباب النجباء والمثقفين الفضلاء الذين رفعوا راية العزة والكرامة والدعوة عالية، وحملوا

على أكتافهم مهمة إعادة بناء أمم الحكمة والإبداع، رحل قدوتنا وظلنا الظليل وغاب عن مشهد الحياة بصمت، وانطوت

صفحة جسده الهرِم، لكن فكره المبثوث في المليبار وكافة أرجاء وربوع الأمة ما زال متأججا يافعا يحمل الراية ويقود المسير

إلى حيث المجد والسؤدد والانتصار.

إذا ما أردت التعرف – بحق- على إنجازات المرحوم ، فما عليك إلا تفحّص كليتنا وقريتها التي تقع فيها ومقارنة واقعها ماضيا

وحاضرا، ومعاينة الثمار اليانعة التي نضجت في بستانها العامر، ونهلت من معين تجربته الممتدة ورحيق خبرته الواسعة

الذي لا ينضب، وها هي تقود المجتمعات الجديدة بكل جدارة واقتدار. وبافوتي المسليار جسد حقيقة نجوميته وانتمائه

لدينه وشعبه وقضايا أمته ليست عبر اسمه المجرد، بل عبر مسيرة حياته العامرة وتاريخه الحافل الذي لم يعرف يوما معنى

التردد والتراجع أو الخور والانكسار.__