الأدب والمعاجم

بقلم: شفيق الدين س

المعجم ديوان مفردات اللغة، مرتب على حروف المعجم، جمعه معجمات ومعاجم (١) المعاجم هي المعجمة اللغوية، وكل لغة من لغات العالم وكل أمة من أمم الكون مفتقرة إلى هذه الدواوين والدفاتير والسجلات اللغوية، لحفظ كلامها من الضياع، ولصيانتها من الخمول والنسيان.
وأما الأمة العربية وصلتها بآدابها وافتخارها بلغتها فليس بشيئ يستغرب، فما لبثت أن زعمت أنها أمة أدب وشعر، وأمة لغة فيها الحيوية، وفيها صلاحية التعبير عن كل سلوك وحاجة وعمل، والزاعمون يزعمون أن العربية ليست لها طفولة ولا شيخوخة، وأنا أقول إنما هي ولدت شابة ناضجة مكتملة، ذات قوة فعالة فيها العاطفة والمنطقية، وفيها زينة يلتذ من نطقها اللسان، وتستعذب من سماعها الآذان، وإنها من أغنى لغات البشر بثروة لفظه، وتستكمل حاجات الأمة الحسية والمعنوية.
وبعد ما بعث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم شاهدت الجزيرة العربية والعالم كله نورا جديدا للأدب، فقد ولد هذا الأدب ألفاظا من نوع جديد لم يعرفها العرب من قبل عبر التاريخ، وقد تمحور هذا الأدب حول القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف والخطب الإسلامية الدينية الخلقية، وأما أغراض الشعر فظلت باقية كما هي، ولكن قد تغيرت النيات وتغيرت المضامين، القرآن مع تفاسيره المتعددة إلى الجوانب، والحديث مع صحاح الستة إلى الصحاح التسعة، والشعر الإسلامي مع كل الأغراض التي فيها، ثم الخطابة مع كل المستويات، كل فى حد ذاته بحر للكلمات، ومحيط الألفاظ والتعابير والأمثال، زاد على ذلك ما تركه كل من اعتنق الإسلام من تعريب البوادي والأجيال والقبائل.
وأما الذين دخلوا الإسلام من غير العرب، فإنهم أينما جاؤوا بتعابير وألفاظ لغاتهم خلطوها بالعربية. وحمل الأدب فى اللغة العربية خيرات كثيرة من امتداده الطويل، فتنوعت جوانبه وتعددت أغواره الدقيقة، فاحتجنا للاطلاع على أحوال الأمة العربية الأدبية فى مجالها النفسي في مختلف عصورها، إلى الاستفادة من مؤلفات أقطاب آدابها، لكون آثار هؤلاء الأقطاب هدى ونبراسا لمعرفة الفوائد السلوكية والشعورية معرفة صادقة أمينة (۲)
ولم ينقطع مسير هذا الركب اللغوي هنا، بل ما انفك متواصلا، حتى شاهدت الأرض شعراء النقيض، والشعر الأباحي الخليع، والعزل العذري العفيف، وشعر الجنون. ثم ظهرت شعراء البلاط والاكتساب والتوسل، الذين أثروا المكتبة العربية بأنواع متنوعة للكلمات والتعابير بشعرهم، لهم مديح ولهم عزل ولهم هجو ولهم حماسة. ثم ظهرت الكتابة والخطابة وأنواع من الرسائل. ثم برزت أصحاب المقامات والحوليات، علاوة على البلغاء والنقاد، ولكل منهم أساليب واتجاهات ووجهات نظر.
ثم ارتبط البلدان بعضها ببعض في المجالات السياسية والتجارية والدبلوماسية والدفاعية والحربية مما تولدت العربية مصطلحات وألفاظ، وتعابير جديدة ممزوجة من الإنجليزية والفرنسية والألمانية والهندية.
إن المعاجم نتاج مختلف الصنوف الأدبية، وثمرة متنوعة المسائل الحضارية، وحصاد ألوان من القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية والعلمية والمعرفية .
لقد خرجت مدى القرون منذ مطلع فجر الإسلام أنواع من المعاجم، من غريب القرآن وغريب الحديث، وشرح المصطلحات الفقهية التشريعية ومعاجم المعاني ومعاجم المباني ومعاجم الألفاظ.
وأول ما يرجع إليه فضل التأليف المعجمي هو ترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ويتكون أول كتاب فى ذلك مما أجابه ابن عباس لما سأله نافع بن الأزرق عن بعض الألفاظ الغريبة الواردة فى القرآن، وهو كتاب مسائل نافع بن الأزرق في غريب القرآن، منسوب إلى ابن عباس رضي الله عنه، ثم تولى التأليف فيه ولا يزال يستمر حتى في عصرنا الحاضر، وقد ظهرت في أنحاء المعمورة مئات المعاجم اللغوية فى غريب القرآن ومفرداته، انطلاقا من القرن الأول الهجري ومرورا بالعصر العباسي والعثماني حتى العصر الحديث، ومن أوائل من خاض فيه: أبو سعيد أبان بن تغلب الجريري (ت ١٤١ هـ) ومالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) و أبو الحسن النضر بن شميل (ت ١٤١هـ ) وأبو عبيدة معمر بن مثنى التيمي (ت ۲١٠ هـ ) وأبو محمد يحيى بن مبارك بن المغيرة ( ت ۲٠۲ هـ ) ومحمد بن سلام الجمحي (ت ۲۳١ هـ) ومحمد بن عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري (ت ۲٧۲ هـ ) ومفضل بن سلمة بن عاصم الكوفي (ت ۲٩٠هـ) وأبوالحسن علي بن سليمان بن مفضل الملقب بالأخفش الصغير (ت ۳١٥ هـ) وأبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت ۳۳١ هـ) وأبو بكر محمد السجسناني (ت ۳۳٠ هـ) وأبو علي أحمد بن محمد بن حسن المرزوقي (ت ٤۲١ هـ ) وأبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت ٥٠۲ هـ)(۳) ثم ظهرت مجموعة لغوية أخرى متمحورة حول القرآن الكريم، وهى مجموعة كتب الوجوه والنظائر، ومن أوائل المؤلفات فى هذاالنوع «الوجوه والنظائر « لأبي الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي الخراساني (ت ١٥٠ هـ ) وأبو الفضل عباس بن فضل الأنصاري الواقفي (ت ١٨٦ هـ) ، وتحصيل «نظائر القرآن « لأبي عبد الله محمد بن علي المعروف بالحكيم الترمذي (ت۳۲٠ هـ ) و»كتاب الفراد» لابن فارس الرازي (ت ۳٩٥ هـ )
وأثناء ذلك أخرج اللغويون كتابا لغويا في شرح «غريب الحديث»، ومن أشهر من ساهموا في التأليف اللغوي عنه: أبو الحسن النصر بن شميل المازني ، أبو عدنان عبد الرحمن بن عبد الأعلى من القرن الثانى الهجري وأبو علي محمد بن المستنير المعروف بقطرب (ت ۲٠٦هـ)
هذه طليعة التأليف اللغوي العجمي، والحجر الأساسي لصناعة المعجم والنواة الأولى للشرح اللغوي، يرجع الفضل كله إلى القرآن الكريم أولا، ثم إلى الحديث الشريف ثانيا، وكان من عادة المفسرين لمعاني القرآن عند عبد الله بن عباس أن يستشهد بالشعر العربي القديم، من شعراء القبائل المختلفة، وقد تحدث عبد الواحد الوافي فى كتابه «فقه اللغة» عن هذه القبائل بالتفصيل، فذكر ما هي القبائل التى لغتها قابلة للاستدلال؟ وما هي القبائل التى لا يقبل الاستدلال بلغتها أو بلهجتها؟ وما هو السبب؟ (٤)
وتلته المعاجم اللغوية من نوع المعاجم المعرب ومعاجم التصوين اللغوي ومعاجم الموضوعات التى تنقسم إلى كتب من كتاب الوحوش وكتاب الحشرات وكتاب الخيل وكتاب اللهجات ومعاجم النوادر، ومعاجم الصفات ومعاجم الأبنية ومعاجم النبات ومعاجم الأنواع والفلق، ومعاجم الأمكنة ومعجم الأدوات الحربية، ومن أهم هذه المعاجم التى ظهرت على الوجود : «كتاب العالم فى اللغة» لأبي القاسم أحمد بن أبان الإشبيلي، و«فقه اللغة وسر العربية» لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي، و«المخصص» لابن السيدة المرسي، و«كفاية المتحفظ ونهاية المتفلظ» لأبي إسحاق إبراهيم الطرابلسي المعروف بابن الأجدابي من أواخر القرن السادس الهجري و«الغريب المصنف» لابن سلام الهروي، و«ألفاظ الكتابة» لعبد الرحمن الهمذاني (ت ۳۲٠ هـ ) و«متخير الألفاظ» لابن فارس ( ت ۳٩٥ هـ ).(٥)
وقد ظهر منذ منتصف القرن الثاني الهجري نوع جديد للمعجم اللغوي وهو معاجم الألفاظ، والحروف تألفت على أساس حروف المعجم، وحروف الهجاء على الترتيب الصوتي، والترتيب الألفبائي وقد تأسست على الأنماط التصنيفية المختلفة، لهذه المعاجم فكرة المدارس المعجمية عند المحققين اللغويين المعاصرين من أمثال حسين نصار وأحمد عبد الغفور عطار، والوافي وغيرهم.
و أما المدارس التى تأسست على المنمجية التأليفية المختلفة فهي «مدرسة الترتيب الصوتية «على كتاب»العين» للخليل و»مدرسة الترتيب التقليبي الألفبائي «على» جمهرة اللغة « لأبي بكر بن دريد (۲۲۲ – ۳۲١هـ ) و «مدرسة التقفية» على « تاج اللغة وصحاح العربية « لإسماعيل بن حماد الجوهري ( ۳۳۲ – ٤٠٠ هـ ) وقد ألف أبو عيى القإلي،(۲٨٠ -۳٥٦) مجمعه «البارع» أبو منصور الأزهري (۲٨٦/۳٧٠ ) « تهذيب اللغة « والصاحب بن العباد، ( ۳۲٤ – ۳٨٥ ) كتابه «المحيط»، وظهر معجم «مقاييس اللغة» لأحمد بن فارس ( ۳٩٥ هـ ) و»محمل اللغة» لابن فارس نفسه على أساس مدرسة الجمهرة لابن دريد.
«العباب الزاخر واللباب الفاخر» للصغاني (٥٧٧ – ٦٥٠هـ) و«لسان العرب» لابن المنظور (٦۳٠ – ٧١١هـ) و«القاموس المحيط» للفيروزابادي (٧۲٩ – ٨١٦ /٨١٧ هـ) و«تاج العروس من جواهر القاموس» لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي (١١٤٥ – ١۲٠٥ هـ ) و«معيار اللغة» لميرزا محمد علي محمد صادق الشيرازي هذه المعاجم التى ألفت على أساس المدرسة الثقفية للجوهري.
وصدر « مختار الصحاح » لمحمد بن أبي بكر الرازي (٦٦٦ هـ) و «المصباح المنير» لأحمد بن محمد المقرئ الفيومي (٧٧٠ هـ) و«محيط المحيط» لبطرس بستاني ( ١٨٨۳هـ ) و«المنجد» للأب لويس معلوف ( ١٩٠٨هـ ) ومتن اللغة «لأحمد رضى العاملي ( ١٩٥۳هـ) و«المعجم الوسيط» و«المعجم الكبير» في أربعة مجلدات لمجمع اللغة العربية القاهرة و«المعجم اللغوي التاريخي» للمستشرق الألماني فيش، على نمط مدرسة الترتيب الألفبائي الجذري لأساس البلاغة للزمخشري.
وقد ألف بعض اللغويين الهنود معاجمهم الثنائية اللغة على هذا النمط، من أمثال عبد الحفيظ البلياوي، ألف «مصباح اللغات» (العربي والأردي ) ووحيد الزمان الكيرانوي صاحب «القاموس الوحيد» (في المجلدين)، وقد أتبع هانس قير في تأليف المعجم الثنائي (العربي –الإنجليزي ) هذه المدرسة المعجمية، وأما القاموس (العربي والإنجليزي) المفصل الضخم «مد القاموس Arabic English Lwxicon (فى ٨/ مجلدات ) لأيدورد وليم Ew Lane ) فهو أيضا خرج على الترتيب الألفبائي الجذري. وهناك قائمة طويلة للمعاجم العربية الموحدة والمزدوجة والمثلثة التي ألفت على الترتيب الألفبائي المنطوقي، ومن أهم ما ألف عليه «التوقيف على مهمات التعارف» لمحمد عبد الرؤوف المناوي، «والقاموس الجديد» لجنة من اللغويين ف نونس، و»الرائد» لجبران مسعود، و»المنجد الإعدادي» ، و»نجعة اللائد وشرعة الوارد فى المترادف المتوارد» لإبراهيم يازجي.
وما فتأت مسيرة التأليف المعجمي على قدم وساق في كل فروع وحقول منذ القرن المنصرم، حتى ظهرت هناك معاجم متخصصة معاصرة، من أمثال «المعجم القانوني» لسليمان حارث الفاروقي، و«معجم الدبلوماسية والشؤون الدولية « لسموحي، و«قاموس مصطلحات العلاقات والمؤتمرات الدولية» لحسين عبد الله و«معجم المصطلحات المالي والمصرفية» للسيوطي، و«معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية» لأحمد شفيق الخطيب.
ومن أضخم معاجم العربية التى صدرت على يد عالم هندي معترب فى القرن الثامن عشر الميلادي «تاج العروس من جواهر القاموس» لصاحبه محمد مرتضى الحسيني البلغرامي الشهير بالزبيدي، لقد تميز هذا المعجم فيما بين المعاجم العربية.
المصادر
١. المعجم الوسيط – كتب خانة حسينية ديوبند أتاربرديش.
۲. السيد محمد الرابع الحسني الندوي فى مقدمة الكتاب «مصادر الأدب العربي» لواضح رشيد الندوي، دار الرشيد، لكنو، الهند .
۳. انظر:أحمد شرقاوي إقبال، معجم المعاجم، بيروت، لبنان. ط/۲–١٩٩٣م :ص/٤
٤. عبد الواحد الوافي : فقه اللغة ، مصر ، ط/ ٦ – ص/١٦٥ .
٥ . معجم المعاجم : للشرقاوي : ص/١٤۲ –١٤٥