الرسول عليه الصلاة والسلام هو الأسوة الفريدة للأمة المسلمة، والتخلق بأخلاقه هو الترياق الوحيد لأمراضها المعضلة، بل هو المثل الأمثل لسائر الإنسان في كل ميدان، ومأمور باتباع سيرته الثقلان، وقد بسم النبي بسمته النيرة في كل صفحات الحياة، ونحت النقشة المضيئة في كل لوحة من ألواحها، هو نجم ساطع يهتدى به في الظلمات، وسراج منير تستضيء به الطرقات، وكتاب شامل يرجع إليه في الأزمات.
فيا ويح أمة ضلت عن هذا الطريق الواضح الذي رسمه لها النبي الأكرم، وتجانفت عن النهج القويم بعد أن أرشدها إليه هادي الأمم، وابتعدت عن الدرب السليم والصراط المستقيم، تاركة وراءها سنن الرسول الأعظم، مسرعة وراء السنن المخزية التي سنها لها الأغيار، والشرائع التي شرعها لها الأعداء، تقتفي أثر اليهود والنصارى في كل حركات وسكنات، تتبعهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، تسلك معهم جحور الضباب، فشتان ما بين محمد خير البشر وأمة تنسب إلى اسمه فتسمى بالأمة المحمدية، والرسول ليخجل من سوء استخدام لاسمه من أمة أحدثوا ما أحدثوا فاستحلوا الحرمات واستباحوا المحظورات وسنوا في الإسلام سننا سيئة وشرعوا شرائع فاضحة وأسندوها إلى الرسول بأسانيد كاذبة.
كيف يصلح اسم المحمدية لأمة يمرقون من سنن صاحب هذا الاسم كما يمرق السهم من الرمية ويتخذون نهجه وراءهم ظهريا، وكيف يصلح لأمة أكلتهم البغضاء والشحناء فتراهم يهاجمون على إخوانهم في الدين باللسان والجنان والسنان مهاجمة شنيعة يندى لها الجبين أن ينسبوا إلى نبي توشح بأحسن الأخلاق فصار خلقه القرآن وتحلى بأكرم الشيم حتى كافأ من آذاه أو عاداه بالتبسم والإحسان إليه، وكيف يصلح لأمة يشيعون الرهبة والرعبة بين الناس وينتهجون منهج الإقصاء والإبعاد أن ينتسبوا إلى رسول لم يكن فظا ولا غليظا حتى ينفضوا من حوله، بل كان رؤوفا رحيما لجأ إليه حتى ألد أعداءه واستند إليه حتى أعتى خصومه.
سيرته صلى الله عليه وسلم في التعايش مع التخالف
قضية التعايش بين أصحاب الأديان أو أصحاب الآراء المختلفة قد صارت في الحال قضية ذات اهتمام بالغ، حيث تتنغص الحياة على الكرة الأرضية لهيجانها واضطرابها بالتوترات بين أصحاب الفرق والأديان، ولا تزال نيران الاشتباكات تتفجر من براكين العنف والكراهية، فترى أتباع الدين الفلاني يهاجهمون على أتباع الدين الآخر، والفرقة الفلانية تهدر دماء إخوانهم من الفرقة الأخرى لمجرد أن كان لهم رأي يعارض رأيها أو موقف يخالف موقفها في قضية فلانية، وتراهم يتساهلون في القتل وسفك الدماء ويتلاعبون بالفتك وإزهاق الأرواح، ويسعون في الأرض الفساد، ثم تراهم يحمّلون الدين مسؤوليتها، ويرون في أنفسهم حماة الدين وحفظته، صدق عليهم قوله تعالى: “وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون”.
وفي هذا الظرف لا تنشق عيناك إلا إلى مناظر مخيفة أو مشاهد مخجلة، ولا تنفتح أذناك إلا إلى أبواق المهاترات والمعاتبات وطبول اللوم واللعان، فصارت الأجواء ملطخة بالجلبات والضوضاء والضجات والصخاب، وكل يصرخ أنه على الحق والآخر على الباطل، ويسلك كل مسلك في القضاء عليه، وهذه الحالة توقع المؤمن في حيرة ودهشة كيف يتعامل مع الوجهات المتباينة وكيف يتعايش مع الآراء المتنوعة، انطلاقا من هذا الإطار دعوني أرتع في رياض الحبيب عليه الصلاة والسلام لعلي آتيكم بشهاب قبس من مشكاته البهية، أو ألتقط لكم دررا غالية من سيرته السنية.
سيرته صلى الله عليه وسلم مع من خالفه في الدين
وفي هذه الجولة نتوقف على بعض المواقف من سيرة الرسول ندرس منها شمائله الأخلاقية ونحاول تطبيقها على ما يناظرها في حياتنا، فمثلا أنت تعيش في مجتمع يختلط فيه المسلمون مع غيرهم ممن ينتمون إلى أديان مختلفة، فإما أن تكون الجالية الإسلامية هي الأغلبية أو تكون هي الأقلية، وإما أن يكون الحكم في أيدي المسلمين أو في أيدي الآخرين أو مشتركا بين المسلمين وغيرهم، فترى بعض التنظيمات المنسوبة إلى الإسلام ينتهجون منهج الإرهاب والتطرف، يهدرون دماء جميع المشركين، يرعبون ويرهبون، ويخططون الهجوم والتفجير في ساحات المشركين من مساكنهم ومعابدهم، ولا يسمحون لهم عيشة مطمئنة ولا عبادة في أجواء آمنة، وجعلوا الحملات الانتحارية رمزهم وشعارهم، ونصبوا أنفسهم سدنة للإسلام وخدمة للمسلمين، والحق أنهم يقبّحون وجه الدين ويشوّهون سمعته، وما يزيدون للإسلام إلا النقيصة والتضايق.
فانظروا إلى سيرة السيد المختار هل خرب معبدا من معابد الكفار، أو صد أحدا من المشركين عن أن يعبدوا آلهتهم، كيف وكانت مشروعية الجهاد من أجل صيانة حرية التدين والتعبد وحماية أماكن العبادة، فيقول جل شأنه: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا”، وقد وردت من عدة طرق الحديث قصة استضافته صلى الله عليه وسلم لوفد النصارى من نجران في داخل المسجد النبوي وتمكينهم للصلاة فيه حينما حان وقتها، وهو صلى الله عليه وسلم لم يكره أحدا على الإسلام، لأنه لم يؤمر إلا بالتبليغ حيث قال تعالى: “فإن أسلموا فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما عليك البلاغ، والله بصير بالعباد”، وقد شدّد في وعيده على من يتصدى للأغيار الذين لم يرفعوا الأسلحة ضد المسلمين ولم يعكروا جوّ الأمن والاستقرار في الدولة فينتهكون حقوقهم، يقول صلى الله عليه وسلم: “ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة”.
سماحة الرسول مع غير المسلمين لم تكن مقصورة – كما يتوهمه البعض – على ضمانه حرية التعبد والتدين لهم وعدم التدخل في شؤونهم، بل تعايش معهم في كل جولات الحياة، فوصل منهم ذوي الأرحام وأكرم الجيران وعاد مرضاهم وقام لجنازتهم، بل تاجر معهم وقبل هديتهم وأجاب دعوتهم و…..و…..و…
فانظروا هذا سيد العرب والعجم يتوفى ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير، وها هو ذا يعود غلاما يهوديا كان يخدمه لما مرض فأتاه وقعد عند رأسه وعرض عليه الإسلام فقال له عليه الصلاة والسلام: “أسلم”، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: “أطع أبا القاسم”، فأسلم، وتجيء إليه أسماء بنت أبي بكر وهي تقول: “إن أمي – وكانت مشركة – قدمت وهي راغبة أفأصلها؟” قال: “نعم صلي أمك”، ويلبي دعوة امرأة يهودية في خيبر فيأكل من الشاة المشوية التي أهدتها له، ولكنها كانت هدية غدر لا مودة، فقد دست له فيها السم، فيستأذنونه في قتلها فيمنعهم، وتمر به جنازة فيقوم فيقال له إنها جنازة يهودي، فيرد بقولته الشهيرة: “أليست نفسا؟”، ويقال له حينما اشتد على المؤمنين أذى المشركين “يا رسول الله، ادع على المشركين” فيجيب: “إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة”.
هذا هو المثل الأعلى من سيرة الرسول المختار، يكرم الإنسانية والبشرية بغضّ النظر عن الانتماءات القبلية والعقدية والعرقية والدينية، مصداقا لقول الله عز وجل “ولقد كرمنا بني آدم”،
سيرته صلى الله عليه وسلم في ساعات القتال
وإنه عليه الصلاة والسلام التزم بهذه القيم الراقية حتى في ساحات الحرب، فإنه حينما أجبر على القتال وأخذ السيف لم يستهدف من المشركين إلا من أكلتهم الحرب وألقوا أيدهم إلى القتال، واستثنى من صفوفهم الضعفاء من النساء والشيوخ والأطفال ومن أكره على الخروج، فاصغوا إلى وصية الرسول للمجاهدين حيث يقول: “لا تقطعوا شجرة ولا تقتلوا بهيمة ولا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا”، ويقول: “اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا”، ويقول أيضا: “ولا تقتلوا أصحاب الصوامع”، أي الذين فرّغوا أنفسهم للعبادة، وفي بدر قال النبي لأصحابه يوم التقى الجمعان: “قد عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم أخرجوا إكراها، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنه أخرج كرها”.
وهذا نفسه كانت سيرة نبي الرحمة مع الأسارى، فلا تراه إلا رحيما بهم، أبدى مظهرا فريدا من مظاهر الرحمة، وأوصى أصحابه بالرحمة فقال: “استوصوا بالأسارى خيرا”، وهذه التوصية النبوية تحقيق لقوله تعالى: “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا”، وامتثالا بهذه الوصية ضرب الصحابة أروع الأمثلة في معاملة الأسرى، يقول أبو العاص بن الربيع وكان من أسرى بدر: “كنت في رهط من الأنصار جزاهم الله خيراً ، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليّ”، ولم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يسمح لأحد تعذيب الأسارى أو الإضرار بهم، فعندما رأى أسرى بني قريظة في حر الشمس قال لأصحابه: “لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح، قيّلوهم حتى يبردوا”، وهذه المعاملة الرفيعة اللامثيلة دفعت كثيرا من الأسارى إلى اعتناق الإسلام بعد أن أطلق سراحهم، كما ترى في قصة ثمامة بن أثال والوليد بن أبي الوليد وآخرين.
أنى لهم الانتماء إلى الإسلام؟
شتان بين هذا السلوك الراقي الذي اتخذه الرسول مع الأسارى والسلوك الوحشي الذي تتبانه تنظيمات تسمي نفسها بالدولة الإسلامية كمبدإ أساسي لها، حتى بلغت قساوتها إلى أن تعوّدت الذبح والحرق والخنق للأسارى رغم براءتهم وبما فيهم من النساء والأطفال والشيوخ، وينشرون صور هذه العمليات الوحشية ومقاطعها بلا اشمئزاز، أنى لها الانتساب إلى الإسلام؟ والإسلام مستوحى من سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة صاحب الخلق العظيم، وهو الذي أمر بحسن المعاملة حتى مع الحيوان المذبوح، فقال: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتل، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته”، وأمر أن توارى الذبيحة عن سائر البهائم، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته، فاغتاظ غيظا شديدا وقال : “أتريد أن تميتها موتات، هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها”.
لو كان هذا تعاليم الرسول في المعاملة مع البهائم العجماء فما ظنك بمعاملته مع الإنسان، وهذه الكيانات الإرهابية لا تخدم الإسلام إلا بتشويه وجهه وتشنيع مبادئه ومد الجسور لأعداءه إلى بلاده، هل يجد هؤلاء القتلة الجزارون ومن ينحو منحاهم رائحة الجنة أو يردون على الحوض أو ترجى لهم الشفاعة وصاحبها رحمة للعالمين.
وشاهدت فيما سبق السلوك المثالي للرسول صلى الله عليه وسلم مع من خالفه في الدين فكفروا به وكذبوا رسالته، ولاحظ ما ترى في حولك من اعتداء كثير من المسلمين على بني دينهم وإخوانهم في الإسلام بدافع أن لهم رأي يختلف رأيهم في بعض من المسائل الفروعية، وهذا الاعتداء باللسان والجوارح والأسلحة والأجهزة يتجاوز في أكثر الأحيان جميع حدود الفحش والبذاءة ولا يتقيد بالآداب السلوكية والإتيكيت ولا ينضبط بضوابط الاحترام المتبادل، فيستخدَم جميع الأرصفة لنشر الحقد والضغينة وإشاعة البغض والكراهية، ووسائل التواصل الاجتماعي تخص بالذكر في هذا المجال، فإنها صارت مسرحا لتبادل السباب والاستخفاف والتكفير والتضليل بين أتباع الفرق المختلفة في الإسلام، فتوزع الفحشاء فيها بغير حساب.
فارجع البصر كرتين إلى التراث النبوي في الآداب السلوكية، هل ترى حدثا واحدا استعمل فيه النبي صلى الله عليه وسلم كلاما فاحشا لتوبيخ معارضيه، أو سب واحدا من أعداءه،حتى كان يجامل مع المنافقين في صفوف المؤمنين ويعامل معاملة الأخ الكريم، وما عاملهم إلا بطلاقة الوجه ولين الكلام، كم مرة استئذن عمر في قتل المنافقين بقوله: “يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق” فردعه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه”، وقد استأذنه ابن عبد الله بن أبي بن سلول في قتل أبيه رأس المنافقين، ولكن كيف عامل النبي معه ؟ أعطى قميصه ليكفن فيه عبد الله بن أبي حين مات، وقام للصلاة عليه فأسرع إليه عمر وقال: “أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟”، هذا ما فهمه عمر رضي الله عنه من آية: “استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة لن يغفر الله لهم”، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام فهم منه التخيير – وفهم النبي أصح – فقال: “إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها”.
ما أحلى وأعذب خلق النبي صلى الله عليه وسلم حتى مع ألد أعداءه، فإن عبد الله بن أبي كان رأس المنافقين حتى انحسرت بموته حركة النفاق بشكل كبير، وكان لا يدع فرصة لمعاداة النبي والمسلمين إلا أن ينتهزها، فتراه يتمرد في يوم أحد وينسحب بنحو ثلث العسكر قائلا: “ما ندري علام نقتل أنفسنا” بحجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك رأيه وأطاع غيره في الخروج للغزوة، وقال في غزوة بني المصطلق: “والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل”، يريد به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال: “لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا”، وله مقامات أخرى يظهر فيها معاداته للنبي وأصحابه، ومع ذلك كله كان معاملة النبي عليه الصلاة والسلام معه معاملة لينة رفيقة فائقة في الحلم والعفو والعطف.
وأضف إلى هذا الواقع النير ما رواه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: “يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم”، وفي رواية: قلت “يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح”، قال: “أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟”.
فيا ليت شعري كيف يجترئ من ينتسب إلى هذا الرسول أن يقتلوا شيخا ضريرا مسنا تجاوز عمره المائة عام، الشيخ الصوفي سليمان أبو حراز السواركي الأشعري الشافعي الشاذلي، والذي يعتبره أهل سيناء علامة من علامات الزهد والورع والتقوى، والمعروف بكلامه الطيب ومنهجه الوسطي في التعاليم الدينية، واجتمعت سيناء بقبائلها على احترامه وإجلاله وقبول وعظه وتوجيهه، فلم يراع قاتلوه من خوارج العصر حق شيخوخته وفقد بصره فضلا عن علمه وورعه وتقواه، ومن المثير للضحك أن هذا التنظيم الإجرامي المناهض للإسلام وشعائره والمتصدي لله ورسوله والمعادي لأولياءه يسمي نفسه بأنصار بيت المقدس، والحق أنه أنصار الكنائس وبيت اليهود، ولا ترى لهذا التنظيم أسلافا إلا في الخوارج الذين استباحوا دماء الأصحاب رضوان الله عليهم والتابعين الكرام.
وأخيرا اصغ إلى ما تحكيه السيدة عائشة رضي الله عنها من أن بعض اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: “السام عليكم”، فقالت عائشة: “عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم”، قال: “مهلا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش”، قالت: “أولم تسمع ما قالوا؟”، قال: “أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ”، وفي رواية قال: “يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله”، قالت: “ألم تسمع ما قلت؟” قال: “قد قلت وعليكم”.
وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته مع كافة الخلق، مع أصحابه وأتباعه وأعداءه حتى مع من آذاه أو أساء إليه أو أجلاه من بيته وعقر داره أو همّ بقتله أو رماه بالأحجار فأدماه ومن جذب رداءه فأثّرت حاشية الرداء في صفحة عنقه ومن أخذ بمجامع قميصه فجره جرة عنيفة، فلا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، بل تجاوز حبه وحنانه إلى البهائم والحيوان، ولا غرو أن نال الرسول عليه الصلاة والسلام الشهادة العظمى من رب العالمين بقوله: “وإنك لعلى خلق عظيم”، ووصفه الحق جل جلاله بــ “الرؤوف الرحيم” كما وصف به نفسه، فيا أمة محمد تخلقوا بأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم لو سررتم في الانتساب إليه….
- بقلم: منير بن عبد الرحمن الهدوي (الباحث للدكتوراه في جامعة مولانا آزاد الأردية الوطنية بحيدراباد)