فلسطين: وإن غدا لناظره قريب – الدكتور شهاب غانم

يعدّ الشاعر الدكتور شهاب غانم أحد أبرز الشعراء الإماراتيين الذين لهم باع طويل في مجال الفكر والأدب، كما في تأسيس الحركة الثقافية والشعرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهو يسعى دائما إلى إبراز وجه الإمارات الثقافي من خلال ما ينشره في بعض الصحف والمجلات العربية، أو ما يترجمه من أشعار إماراتية إلى لغات أخرى، وخصوصا الإنجليزية، مؤكدا أهمية التفاعل الثقافي بين الحضارات والشعوب، الذي من شأنه أن يعزز العلاقات على كافة المستويات، وبالتالي هذا التفاعل – من وجهة نظره – يحد كثيرا من آفة الصراعات والحروب العالمية المدمرة. وهو أول عربي حاز علي جائزة طاغور للسلام وهو أيضا مترجم قدير ذو الكوامن البارعة والمقدرات النابغة في هذه العجالة، لدي غانم أكثر من خمسين مؤلفا كما لديه نحو عشر مخطوطات بعضها في مراحلها الأخيرة وبعضها في بداياته ,كان لنا مع الدكتور شهاب غانم وتحدثنا إليه حول تجربته الأدبية الطويلة وتجاذب أطراف الحديث نحو قضية فلسطين الساخنة، على أجنحة تجاربه الثرية يطل الدكتور شهاب غانم على عوالم مختلفة يختلط فيها الشعر بالفن بالصحافة والترجمة إلى جانب الدراسة الأكاديمية وتخصصه في الهندسة الميكانيكية والكهربائية ثم الإدارة الصناعية وحصوله على ماجستير في تطوير موارد المياه، وهو أيضا حاصل على الدكتوراة في مجال الصناعة وتنمية الموارد البشرية، وهو شاعر مع الشعراء وأكاديمي مع المتخصصين وفنان مع مبدعي الألحان والكلمات،وينتمي إلى أسرة ذات اهتمام بالتعليم والثقافة والفن، فوالده الدكتور محمد عبده غانم شاعر صاحب دواوين وهو كذلك أول خريج جامعي على مستوى الجزيرة العربية وأحد أبرز مؤسسي الغناء العدني.

لمحة إلى مراحل دراسته وتربيته الأكاديمبة:

تأخرت دراستي الابتدائية سنة، فقد كان والدي مديراً للمعارف واعتمد شفويا على مدير مدرسة «السيلية» أن يجلني فنسي، وذهبت إلى المدرسة وأنا فرح، لكنني وجدت أن اسمي غير مسجل فاسقط في يد المدير الذي اقترح على والدي أن يسجلني ولو بمخالفة القانون، لكن والدي رفض وراح يعلمني في البيت بنفسه، وهذه الواقعة جعلتني فيما بعد أحرص على الاتفاق، وفي العام التالي اختبروني ووجدوا مستواي متميزاً فألحقوني بالصف الثاني مباشرة.وبعد انتهاء دراستي الثانوية ذهبت إلى بريطانيا حيث درست الهندسة الميكانيكية ثم حصلت أيضاً على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية، وقد ترك البروفسور «الن» عميد الكلية والذي كان يعلمنا الهيدروليكا أثرا قوياً على نفسي، وكان يذكرني بوالدي من ناحية اهتمامه بالاتقان، وبعد عام هناك عدت إلى عدن وعملت في وزارة الأشغال وكان الأحوال في البلد مضطربة بالقلاقل السياسية، وجاءت نكسة 1967 لتلقي بظلال رهيبة من الكآبة، وقتها فكرت في الهجرة لكن والدي طلب مني البقاء إلى جانبه وأن أخدم وطني فبقيت على مضض، عملت مسؤولاً على الشؤون الميكانيكية والكهربائية في هيئة المياه ثم وزارة الاشغال حيث كنت نائباً للمدير ثم نائباً لوكيل الوزارة للاشغال والمواصلات ومديراً للتخطيط، وكنت أعمل لساعات طويلة مما أثر كثيراً على صحتي

في تلك الفترة سافرت للدراسة في جامعة «روركي» في الهند، وكانت أشهر جامعة في مجال الهندسة وحصلت فيها على ماجستير من الدرجة الأولى في تطوير موارد المياه، وزرت أثناء دراستي الهند من أقصاها إلى أقصاها مع زوجتي، بعد ذلك هاجرت وعملت في البداية في لبنان كبيراً للمهندسين في شركة سويسرية ـ لبنانية، وكانت فترة بداية الاضطرابات في لبنان قبيل الحرب الأهلي. بعدها انتقلت إلى دبي حيث عملت مديراً لمصنع «الاترنيت» وبعد ذلك حصلت على الجنسية الإماراتية في عام 1976 وعملت في مصنع دوبال عشر سنوات ثم استقلت لأتمكن من نيل الدكتوراة في جامعة «كارديف» بويلز في بريطانيا، وتخرجت في جامعة الاقتصاد في مجال الصناعة وتنمية الموارد البشرية، وألفت كتاباً بالإنجليزية بعنوان الصناعة في دولة الإمارات وإلى ذلك ساهمت في تخطيط منطقة جبل علي في الخطة الأولى عام 1990، وفي الخطة الثانية عام 1997، وفي إنشاء دائرة البيئة التي كانت تحت إدارتي، وبعد 12 عاماً عُيِّنت مستشاراً لرئيس موانئ دبي والمنطقة الحرة، ومسؤولاً عن البحوث والتطوير.

وكان ذلك منطلقاً لإنشاء مدينة التقنية لتركز على شؤون تحلية المياه وتطوير التكنولوجيا الخاصة بالبترول والغاز، وعينت أول مدير لها وأشرفت على إنجاز خطة العمل فيها مع استشاريين متخصصين، بعدها تقاعدت وتفرغت للاستشارات الفنية من خلال شركة خاصة تجمع بين الهندسة والتكنولوجيا، وخصصت جزءاً كبيراً من وقتي لترجمة الشعر والتأليف في الأدب وسيرة الأدباء الإماراتيين واليمنيين وغيرهم، وفي عام 1983 اقترحت إنشاء مجلة ثقافية فجاءت مجلة «المنتدى» وكانت لجنتها تضم الشاعر محمد بن حلفر والشاعر سلطان خليفة وأنا وآخرين، وفي عام 1996 رأست تحرير مجلة «عالم الهندسة» حتى عام 1999، كما كنت عضواً استشارياً لمجلة «شؤون أدبية» التي تصدر عن اتحاد الكتاب والأدباء بالإمارات، أما الشعر فقد طغى على كل الهوايات، وكانت محاولاتي الجادة في أواخر المرحلة الثانوية، وساعدني والدي على تطوير موهبتي، سافرت إلى أكثر من 50 دولة، منها ما هو للعمل ومنها ما هو للدراسة أو السياحة أو حضور فعاليات، فقد شاركت في نحو 130 مؤتمراً علمياً وأدبياً وثقافياً مثل مؤتمرات الجنادرية والبابطين.

مارأيكم عن قضية فلسطين المحتلة وتاريخ نكباتها المشوهة؟

يأخذ غانم جوابه حاكيا بعض سطوره من شعره الطويل “أسطول الحرية”:

يسأل أستاذ في احدى الدول العربية

ما أكبر سجن في تاريخ البشرية

يرفع تلميذ أصبعه ويقول

سجن الباستيل

في ثورة باريس الدموية

من أجل مساواة واخاء

من أجل الحرية

فيقول الأستاذ

كم كان بذاك الحين عدد النزلاء

لا يرفع احد اصبعه

فيقول الأستاذ: كانوا سبعة

هل فيكم من يعرف سجنا يحوي ما يقرب من مليونين

لأكثر من سنين

تحرسه الصهيونية

وبدعم الفيتووات الأمريكية

وبتأييد الدول الغربية

وبصمت الدول العربية

فيجيب الطلاب بصوت واحد

غزة………أرض العزة

القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم. بل هي قضية العرب والمسلمين وكل الأحرار وإذا كان الفلسطينيون هم في الصف الأول للمواجهة ولذلك كتب شعراءهم وأبدعوا كثيرا من قصائد المقاومة فان الشعراء العرب كتبوا بكثير من الحماسة حول هذه القضية التي أقضت مضاجعهم أكثر من ستة عقود من الزمن. بل لقد كتب عن هذه المأساة شعراء من غيرالعرب بلغاتهم بعاطفة دينية أو بدافع إنساني، على أي حال حَقَّ للموهوبين من الشعراء والأدباء، أن يشحذوا أقلامهم بعد كارثة الدمار والفَقْد الموجع، التي عاشتها غزة في رمضان المنصرم، لا سيما وأن أية تهدئة، لن تحمل سوى ثقة وأمل زائفيْن!
لأشكال التعبير الفني الفلسطيني وجمالياتها؛ علاقة تاريخية وثقى، بإدراك فاجع للذات، يضطرم في ثناياه، القلق والشك العميق والاضطراب العام. ولتجدن مفردات هذا الإدارك، جاهزة عند المبدعين، يقابلون بها كل نائبة شبيهة بسابقاتها. فكلما أتيح لشاعر أو أديب إسماع الناس وصفاً للحظات الإنسان في خضم الحرب، فيما هو يتلقى الحمم المتفجرة بجسدة الطري؛ يتدفق بعبارات يحفظها عن ظهر قلب، لأنها ذَوْبَ روحه المحملّة بالأمل. فلا بد أن يُولدَ شىء من رحم العذاب، ولا بد لإرادة الحياة من انبثاق جديد، كلما أوقع الموت دورة جديدة في حقلنا الإنساني هكذا كنا بعد كل نائبة ألمت علينا وكارثة أطلت علينا ولذا ليشحذ الموهوبون أقلامهم وليشهرالفنانون أريشهم وليكتبوا وليرسموا وليقرض الشعراء القصائد، ولا شك سيطلق الفلسطينيون من قيودهم المحيطة بهم وليس ببعيد ويقطع أنذاك دابر اليهود المغضوب عليهم.

لو سامحتم بالتعليق حول العلاقات الثقافيةالهندية العربية المعاصرة؟

لا شك أن العلاقات العربية الهندية دون المستوي المطلوب لأن العرب تأثروا واتجهوا في مجال العلم والثقافة نحوالغرب بشكل أكبرلاسباب تاريخية أهمها الاستعمارالغربي وسيطرة اللغة الانجليزية كلغة ثانية في العالم العربي، ولكن نلاحظ ان كثيراولكن نلاحظ ان كثيرا من أبناء الجيلين السابقين في الإمارت والخليج كانوا يتاجرون في الهند في اللؤلؤ وغيرذلك ويجلبون البضائع الهندية بما في ذلك التوابل التي كان يجلبها أجدادهم منذ آلاف السنين. وكثير من أبناء الامارات وخصوصا من كبار يتحدث الهندية.

واذكر على سبيل المثال ان جدي محمد علي لقمان الذي درس القانون في الهند كان صديقا للمهاتما غاندي الذي كان يسميه “صديقي لقمان” ومن الشخصيات الهامة التي زارت المنطقة العربية علاوة علي المهاتما غاندي الشاعر الشهير رابندرانات طاغور وقد ترجم بعض قصائد وقصص طاغورأكثر من أديب عربي. ويكاد طاغور يكون الاسم الوحيد المعروف للقارئ العربي من شبه القارة الهندية بالاضافة إلى الشاعر العلامة محمد إقبال الذي ترجم بعض أشعاره إلى العربية عبد الوهاب عزام ومحمد محمود الزبيري والعلامة الأعظمي الذي حول الصاوي شعلان ترجمته لقصيدته شكوي وجواب شكوي إلى نظم فاشتهرت الترجمة المنظومة بعد أن غنتها أم كلثوم ومطلعها “حديث الروح للأرواح يسري فتدركه القلوب بلاعناء” وكان يكتب الشعر بالفارسية. فأما كتابي قصائد من الهند خير شاهد علي ذلك التلاقح الثقافي بين الهند والعرب.

من فضلكم تكلموا حول علاقتك الودية مع كيرلا وشعراءهم وتجربتكم في ترجمة أشعارهم؟

ولا أزال خلال أكثر من عشر سنوات متواليات أترجم الشعر المتميز المكتوب بالمليالم والذي يكون مترجما إلى الانجليزية لمشاهير الشعر الحديث في كيرلا وبعض المقيمين في الإمارات وأتصل بهم وانشرما أترجمه في الخليج العربي والصدي ودبي الثقافية وشؤون أدبية والرافد الخ ثم جمعت تلك القصائد في كتاب بعنوان قصائد من كيرلا نشرته الدائرة الثقافية في الشارقة عام 2005 فكان بذلك أول كتاب بالعربية يقدم شعر المليالم الحديث مترجما إلى لغتنا ويحوي الكتاب نحو خمسين قصيدة لسبعة وعشرين شاعرا وشاعرة منهم ساتشيداناندان وراماكرشنان كدمانتا وآتور روي فارما وسانكرا بلاي وأيابا بانكر وكاكاد وفينيا شاندران وبالاشاندران شوليكاد وأيابان وغيرهم وبات اليوم شعر المليالم الحديث يهتم بقضايا العصر مثل اضطهاد مرأة واضطهاد الريفيين الفقراء وتلوث البيئة والرفق بالحيوان وتمجيد الطبيعة ومنهم رفيق أحمد وراماشاندران ورامان وجوبي كريشنان وفيران كوتي ومن نحانحوهم….وفي هذا المضمار لا أنسي اسم الشاعرة الكبيرة كملا ثريا وهي مرشحة لجائزة نوبيل للآداب منذ عام 1984 وكانت تكتب الشعر بالإنجليزية وهي أيضا قاصة شهيرة في المعترك الأدبي المليباري.