في الأيام الماضية القريبة، أحسسنا أننا نصاد بالأخبار المستنفرة والأنباء المستنكرة. فكأنما العالم كله ضد الأقليات خاصة بالإسلام والمسلمين، ومن جانب آخر، تقوم جبابرة الممالكة العظيمة يدققون الأنظار إلى اطلاق القنابل على أناس ضعفاء. عندما اختتم الانتخاب البرلماني لأمريكا التي هي كبرى الممالك قوة، توجه العالم كله إليها.. فإن لها حصة ممتازة في تدبير جل من الأمور العالمية. فالوسائل الإجتماعية وصحائف الأخبار أنبأتنا عن الواقعات التي تقع بها. فبعد الشورى الطويلة أعلن “الحزب الجمهوري” “دونالد ترمب”، و”الحزب الديمقراطية” “هيلاري كلنتون” رئيسا من جانبيهما. لـأنّهما الحزبان القويّان بها. هيلاري التى لها تجربة في السياسة لكونها وزيرة الخارجية للولايات المتحدة في عصر “باراك أوباما”، و “دونالد ترمب” لم تكن له أية تجربة سابقة في هذه السياسة وما يتعلق بها إلاّ أنه قد تجرب التجارة وبنى شركته مع كثيرة نقابة الحذافة والدهاء. فقد ظهر منه أخلاقه التجارية أثناء الحملة الإنتخابية. فقد إبتاع من خطاب منافسته هيلاري
أثناء الحملة، كلمات باعها لسامعيه في ساحة خطابه.
فمن الأمتعة التى إبتاعها منها، تيقّنها بالفوز عندما سمعت أماديح مؤيّد يها من الحزب الديمقراطي. فانتهز الفرصة فلم يضيّعها بل خرج منه كلمات حادّة افتراها على منافسته، وأظهر زلتها وتفريطها عندما كانت وزيرة الخارجية للولايات المتّحدة. وأعلن بأنه لو أنتخب إلى البيت الأبيض سيأسرها و يحبسها في السجن علي جريمتها.
وحقّا قد أحضر استماع الأمريكيّين إلى كلماته واستحضر عقولهم وأذهانهم إلى ما يعنيه بخطابه. وقد علم أنّه إذا قدر على إلقاء الوطنية الخالصة في أدمغتهم سيكون خيرا له و سببا عظيما في فوزه. فخاطب مواطني أمريكا الأصليين، ووعد لهم بأنه سيبنى جدارا عظيما بين “أمريكا” و “مكسيكو” ليسدّ باب قدومهم إلى أمريكا لتأهيل جديد. وأنه سيمنع كل المسلمين المهاجرين وإن كان قد زاد إلى هذا التعبير قوله “من الدول المشكوكة في الإرهاب” بعدما واجه التعارض الكثير. وقال أيضا إنه سيخرج من بلده كل من يعيش بدون بطاقات الهوية. فبذر بتعابيره هذه في قلوب الأمريكيين حبوب الأنانية. فودوا أن يكون لهم مملكتهم خالصة من دون غيرهم من سكانها. فسولت لهم أنفسهم أن يدعموا دونالد ترامب وينتخبوه.
ولكن السؤال المشكل المشكك يعلو ههنا. إن دونالد ترامب قد كان ضحية لاتهامات كثيرة مثل القذف وغيره فادعى عليه نساء أمريكا حتى الممثلة المسرحية. فكيف المتهم بكل هذا ينتخب بالجمهورية العظمى؟ والجواب مشهور معلوم. فإن مسامعنا سمعت خطابه الذي قذف فيه زوج منافسته “بيل كلينتون” الذي كان رئيسا لأمريكا في الماضي، وادعى أن الشهوة من طبيعة الإنسان، فلا يلام أحد بسبب شهوته. فرد جريمته وأثبت برائته على هيئة هادئة كأن ما وقع منه ليس بجريمة البتة، وأنه لم يفعل ما هو مستكره أو مشمأز. فكونه ضحية لهذا القذف لم يؤثر في نتيجة الإنتخاب. ولم يكن له أي مانع من الفوز.
وأعلن دونالد ترامب مخاطبا الأمريكيين أنه سيؤسس دولته بأسلوب يليق بها خلاف ما لقيت في السنوات الثمانية الماضية تحت رئاسة باراك أوباما من التلف العظيم والقرض الكبير. وكان قد اتهم على باراك أوباما أثناء الحملة أن أوبالما ينفق جل وقته الحملة الإنتخابية منافسته هيلاري كلينتون ولا يلتفت إلى ما بقي من أمور البيت الأبيض. لأن أوباما وإن كان قد امتاز بلطفه ورقته من باقي الرئساء السابقين وجمع المدح بقلة الحروب تحت رئاسته، قد قاد الدولة إلى قرض كبير. وكان مبلغه في بداية رئاسته أربعمأة ألف دينار فأوصله إلى اثني عشر دولارا.
فانتهز ترامب الفرصة هنا أيضا. فنبههم على فقدان أساسهم وبداية هلاكهم وفوات سيطرة دولتهم. فوعوا إلى كلماته والتفتوا إلى ما يلقي من الخطاب ومالوا إليه راغبين في تشديد دولتهم واسترداد ثروتهم ووفرتهم التي كادوا يفقدونها في السنوات الماضية القريبة.
فالآن قد تعرف العالم أن دونالد ترامب ليس محض رجل أعمال الذي يتجر بكل شيئ، من بيع الحلوات الرخيصة إلى معاملة العقار، لكنه تاجر ماهر في السياسة أيضا. فلما ابتاع ترامب كل هذه السلع من منافسته وحزبها وباعها لسكان أمريكا، فابتاعوها منه بأصواتهم له ودعمهم إياه. ففاز الإنتخاب بالجمهورية العظمى التي لم يحصلها أوباما قبله، فستكون له السلطة على “مجلس الشيوخ” أيضا. فيدبر كل أمر لامريكا. فعسى أن يكدر الدولة.
والأمر العجيب أن دونالد ترامب يحفظ علاقته وشركته مع شريكه في المعاملة ونظيره من الروسيا “فلاديمير بوتين” التي هي العدو الشديد لأمريكا. وكان قد عوتب بشركائه من حزبه الجمهوري في معاملاته المثيرة للإشمئزاز. وقد اشتد التعارض والملام عليه لما أعلن فلاديمير بوتين بتن رئيس روسيا مخاطبا لسادة أمريكا أنه مستعد لإرسال المراقبين الروسيين لمراقبة الإنتخاب الأمريكي. فإن هذا التعبير من عند رئيس دولة هي مكروهة إليهم، قد أغضب الرئيس الماضي لأمريكا باراك أوباما وغيره من حزب الديمقراطية ومن حزبه أيضا. فالسؤال المريب المشكل يرفع قرنيه مرة أخرى- فلم انتقل إليه أصوات الجمهور من أمريكا وكيف نمكن التصديق بفوزه بالجمهورية الكبرى؟. والجواب هو الذي قد بين قبل. أنه نظر إلى أمور السياسة وهذا الإنتخاب بعينه التجارية. فقد بين وأظهر بفوزه أنه هو التاجر الماهر في المعاملة المتاعية والمعاملة السياسية. وقد استطاع أن يحجب كل الجرائم التي قابلها أثناء الحملة الإنتخابية. وقد فاز في مسحها ونسخها من أذهان الأمريكيين. فلذا قد ادعى على “بيل كلينتون” وزوجته التي هي منافسته هيلاري، ونظيره لأمريكا الماضي باراك أوباما وغيرهم من حزب منافسته بالجرائم. واجتهد على قدر طاقته واستطاعته على توبيخهم طول خطابه. فبمهارته وحيله قد انتخب رئيسا لأمريكا. واقترع من الحزب الجمهوري رئيسا للولايات المتحدة واختير مع حظ عظيم للجلوس على عرش الدولة القوية في مستوى العالم.
فهنا يتبين بواطن الجمهورية وغوامضها التي لا تلوح أمام المنظر العام، مع أن أمريكا تفتخر بعزتها الشامخة وتراثها التليد وصفائها في الدستور والقوانين.
فقد اتهم كثيرون من الكتاب وغيرهم أن الأمريكيين هم المسؤلون في فوز ملك طاغية بأمريكا. لكن كيف التوفيق والسبيل إلى توبيخ الأمريكيين واتهماهم وإدخالهم في حبس المسؤولية. لأن الخطأ ليس معهم. فإنهم انتخبوا بأصواتهم من وعدهم التنمية العظيمة لدولتهم، فكل واحد تكون تنمية دولته أحب إليه ويكون حريصا فيها. ووعدهم بالتمكين لهم بأرضهم دون غيرهم. فكل الشعب يريد الخير والعافية لنفسهم فلا ملام لهم بحذافيره وإن عوتبوا في الإجمال.
فالآن ذروا أفكاركم تتفكر عما سيقع في أمريكا دونالد ترامب. كيف سيسودها ويقودها؟. وكيف سيعامل الدول الأخرى؟. وماذا سيكون سياسته وحكمته في الأمور الخارجية؟. وهل سيفي بمواعيده التي وعدها في إشاعة انتخابه؟. وكان قد أعلن تعابير كثيرة أثناء خطابه في الحملة الإنتخابية. نفهم منها غاياته وآرائه في السياسة، وما يريد أن يفعل بسلطته.
إن دونالد ترامب رجل يحب الحروب. ولن ننس أنه هو الذي عبر في أحد خطباته “إني لأحب الحروب حبا شديدا”. فإن كان الحرب محببا إليه لننتظر انفجار الحروب بين أمريكا وأعدائها في الأيام الآتية خلاف ما كان في عصر الرئيس الماضي باراك أوباما. فقد فاز في تقليل الحروب والملاحظة على ترك الحروب المهلكة. فعسى أن يكدر ترامب الدولة كيفما استطاع. نلتفت معه إلى تعبيره السام الخطر ضد المسلمين باتهامهم بالإرهاب والنسب إليهم الإرعاب. فقد فتح فاه لإلقاء بعض خطابه، فخرج منه السم القاتل للوقت: إن السعودية هي البقرة الحلوب لنا نحلب من ضرعها نفطها، ولنعقرنها بعد استخدامها. كيف اجترأ على تهديد دولة يتناول نفطها ويمد يده إليها ليدير دولاب سيارته. وقد تعرف العالم من كل كلماته وتعابيره في خطباته أنه سيكون هزبر الوغى الجوعان يفترس الضحايا المسلمين.
وكان قد أعلن أنه سيخرج من أمريكا كل المسلمين، ويسد باب مجيئهم ووصولهم إليها. وكذا أهل “مكسيكو” وغيرها الذين هم يعملون في شركته. وسيكون هذا ندامة له في الأيام القادمة. ولكن لما اشتد التعارض على تعابيره لين كلامه وخاطبهم بأنه إنما يمنع مجيئ المسلمين من الدول المشكوكة في الإرهاب والإرعاب. فإن دونالد ترامب يريد استبعاد المسلمين من بلدته. فقد قاء على وجه العالم قيئ العصبية المنتنة.
ولما خاطب الهنديين في أمريكا بعدما انتخب إلى منصب الرئاسة قال وقد تغير لونه: إني محب الهنود حبا شديدا وكذا أنا محب الهند أيضا. إنما رأت عيناه الشعب الجمهور في الهند دون الأقليات الذين هم مدمرون تحت الأقدام. كما كان يراهم نظيره الماضي باراك أوباما. وعسى أن يكون هذا الحب منتجا من سروره في معاملة نظيره الهندي “ناريندرا مودي” مع الأقليات من المسلمين و”دليت” وغيرهم بتأسيس اعتقاده بأرضها ومؤاخذة من أكل لحم البقر لأنها معبوده، وتكبيت من أظهر رأيه ضد اعتقاداته. فيوشك هذا الحب على وجود نظيره في الخلق في مملكة ديموقراطية.
فالآن قد انتخب دونالد ترامب بالجمهورية الكبرى إلى رئاسة أمريكا القوية التي تدبر حركات العالم ومما يهبنا أدنى الرجاء أنه لما ألقى خطابه بعد الفوز العظيم أعرض عن أسلوب خطابه الذي استعمله في خطباته أثناء إشاعة الإنتخاب. وبدلها بأقوال وتعابير نفيسة، فنبه الأمريكيين على الإتحاد بشدة وأن لا يتفرقوا، وودهم بتنمية دولتهم كثيرا مما كانت قبل. فهذا التعبير منه كان غير منتظر. لكن تعبيره بذلك يعطينا الرجاء اليسير في تبديل ظن السوء به.
- بقلم محمد مصطفى