إن أصبح ماءكم غورا فمن يأتيكم بماء معين

يعتبر الماء العنصر الأول من عناصر النظام البيئي في القرآن الكريم ولأهمية هذا العنصر للإنسان ولسائر الكائنات قد ذكره القرآن الكريم بما يزيد على أربعين مرة، ‏‏ويشكل الماء ثلثي مساحة الكرة الأرضية، ومع ذلك هناك مناطق في هذه الكرة الأرضية غزيرة المياه بما حباها الله من أنهار وأمطار طوال العام . وهناك مناطق فقيرة ‏قليلة فيها المياه لشح هطول الأمطار وعدم وجود مصادر المياه كالبحيرات والأنهار مما يجعل  الحياة فيها صعبة، وتعتبر منطقة كيرالا من المناطق الغزيرة الأمطار الجزيلة في مصادر المياه. ومن الواضح على مدار التاريخ والعصور أن الحضارات تركزت على ضفاف الأنهار العظيمة مثل الحضارة الفرعونية على ضفاف ‏النيل وحضارة بلاد الرافدين على ضفاف دجلة والفرات. وكذا كانت حضارة وادي السند المعروفة بحضارة هاربا وموهينجو دارو، وعندما أمر الله ‏نبيه إبراهيم عليه السلام بان يذهب بزوجته هاجر وابنه إسماعيل عليهما السلام إلى مكة كانت واديا مقفرا لا حياة فيه بسبب انعدام المياه . فدعا إبراهيم ربه كما ورد في ‏الآية الكريمة “ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم ‏يشكرون”، وكانت المعجزة باستجابة المولى عز وجل لدعوة أبي الأنبياء وتفجير ماء زمزم، هو الأمر الذي جعل مكة بعد أن كانت لا حياة فيها مكانا يقصده الجميع ‏للتزويد بالمياه ويصلح للاستقرار والسكنى. فحيثما توجد وجدت أسباب الحضارة وأخضرت آثار الحياة وأينما انعدمت تنعدم الحياة.‏

مصادر المياه في الوقت الحاضر

والناظر في كتاب الله العزيز يجد أن مصادر الماء خمسة الأمطار والأنهار والبحار والعيون والآبار الجوفية. أما ماء المطر حيث يقول جل وعلا في سورة الرعد “أنزل الله من السماء ماء فسالت أودية بقدرها”. ومن ميزة ولاية كيرالا أن لديها أساسا اثنين من مواسم الأمطار. ويطلق على الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تصل في ‏شهر يونيو “إدوباتي” لأنه يأتي في منتصف شهر “إدوم” في التقويم المليالمي. ويشهد منتصف أكتوبر وصول الرياح الموسمية الشمالية الشرقية في شهر يسمى بـ “تولام” وبالتالي يعرف باسم ” تولا ورشم”، أما الأنهار فقد جاءت العبارة عنها في سورة البقرة “وإن من الحجارة لما يتفجر ‏منه الأنهار “. وفي ذلك إشارة علمية لطيفة إلى منابع الأنهار التي ينبع معظمها من الجبال والهضبات، فعلى سبيل المثال نهر النيل ينبع من هضبة فكتوريا (‏Victoria ‎Plateau‏) والفرات من هضبة أرمينية (‏Armenia Plateau‏) ودجلة من جبال طورس والآمزوم من جبال الآند (‏Andean Mountains‏) في البيرو. فولاية ‏كيرالا ثروتها أنهارها التي تبلغ عددها أربعة وأربعين.

وأما العيون فقد جاء ذكرها في سورة يس “وجعلنا فيها جنات من نخيل وفجرنا فيها من العيون”،  تشتهر ولاية كيرالا بقنوات المياه التي تربط بين البحيرات والأنهار والخلجان ‏الداخلية. وأما البحار تشير إليه الآيات السماوية في مواطن عديدة وتتحدث عن صفات البحر  وخصائصه في سورة النور “أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج” ‏. وما تزال هذه النعمة من أضخم النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على الإنسان فيسرت له أسباب الحياة والانتقال والرفاهية والكسب.

ينتشر على سطح الكرة ‏الأرضية حوالي ستين بحرا مثل البحر المتوسط (‏The Mediterranean Sea‏) والبحر الميت (‏The Dead Sea‏) والبحر الأحمر (The Red ‎Sea‏) والخليج العربي ( ‏The Arabian Gulf‏) وبحر خليج بنغال (‏The Bay of Bengal‏). أما الآبار الجوفية وما يسمى بالخزائن الجوفية جاء في سورة ‏الزمر “ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض”، وكذا وردت في القرآن لفظة البئر أيضا.‏

التحديات التي تواجهها الموارد المائية

تعاني الموارد المائية من مشاكل كثيرة من أهمها التلوث يعني التلوث المائى، وتصبح المياه ملوثة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بسبب أفعال الإنسان. فتظل مضرة ‏بالصحة العامة، وتتعرض الموارد المائية إلى ثلاثة أقسام من الملوثات في الأيام المعاصرة، وهي التلوث الإشعاعي الذي تزايد خطره بفعل النشاط النووي الذي طرأ ‏مؤخرا بفعل محولات التخلص من النفايات النووية. والتلوث الكيميائي وهو وجود مواد سامة كيميائية في الماء وهو من أهم وأخطر المشاكل التي يواجهها الإنسان ‏المعاصر. والتلوث الفيزيائى يقصد به التلوث الحراري بسبب ارتفاع درجة الحرارة وتكون ضارة بالأحياء. والتلوث البيولجي وهو ‏وجود كائنات حية دقيقة مثل البكتيرية والفيروسات والطفيلات وكائنات نباتية كالطحالب وغيرها مما تسبب الأمراض للإنسان.

والمشاكل التي تعاني منها الموارد المائية لا تقتصر على ما بحثنا بل يمتد إلى قائمة طويلة وفي مقدمتها الإسراف حيث حرمت السنة النبوية الإسراف في الماء فقد مر ‏الرسول صلى الله عليه وسلم على سعد وهو يتوضأ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “ما هذا السرف؟ لا تسرف في الماء”، فقال سعد متواضعا متعجبا “أفي ‏الوضوء سرف !؟” قال “نعم ولو كنت على نهر جار” وهذا ما علمنا الحبيب من ترك الإسراف. وكذا طرح النفايات في الموارد المائية هو ظاهرة انتشرت بين العوام غفلة ‏عن الموارد المائية. وكثرة البئر الارتوازي ونهل الرمال وتسوية الحقول وإزالة الغابات مما تؤدي إلى انتهاء هذا العالم وإلى خطر لا يمكن أن يعبر عن ضخمها ونتائجها.‏

موقف الإسلام

للإسلام منهج متميز في محافظة البيئة وفي مكافحة تلوث مصادر المياه. ولقد حرض ديننا الحنيف على الحماية البيئية عموما وعلى اعتبار مصادر المياه ‏خصوصا. ولنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم خير قدوة في هذا المجال فقد كان مثالا متميزا في الترشيد والتوسيط والإعتدال في وضوئه وغسله ‏وطهارته. ويرفض الإسلام الإسراف رفضا قاطعا في استخدام الماء فلا يجوز للإنسان أيا كان دينه إضاعة كميات ضخمة من الماء. فما بال المؤمن الذي يقتدي أسوة الرسول صلى الله عليه وسلم.