بقلم: محمد جلال الهدوي
إن قلة الماء مشكلة حقيقية وأزمة مهمة فى العصر الحديث، فهذه القضية تبقى عقدة لا تنحل وكربة لا تنفرج بل تتزايد وتتفاقم بلا انتهاء، وإذا أمعنا أنظارنا فى السنوات الأخيرة وجدنا الأخطار الجسيمة وتغير المناخ وهلك الحرث وارتفاع الحرارة والجفاف. كما ينذر المؤرخون بأن الحرب العالمية التالية قد تكون لأجل الماء. وهذا إنما يدل على أهمية الماء والحاجة الملحة إليه، ولا يخفى على ذي لب وعقل مكانة الماء فى الحياة اليومية والحاجة إليه لأنه مادة الحياة سيد الشراب وأحد أركان العالم بل ركنه الأصلي لأن السماوات والأرض خلقت من بخاره والأرض من زبده، وقد جعل الله من الماء كل شيء حي كما قال تبارك وتعالى في القرآن المجيد ﴿وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون﴾(الأنبياء 30)
نعم إن الماء نعمة من نعم الله الذى أنعم بها على العباد كله، ليسقي زروعهم وثمارهم على قدر حاجة الناس إليه وبحسب انتفاعهم به حيث قال الله تعالى ﴿وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون﴾(المؤمنون 18)يذكر الله تعالى نعمه على عبيده التى لا تعد ولا تحصى من إنزاله القطرة من السماء بقدر أي بحسب الحاجة لا كثيرا فيفسد الأرض والعمران ولا قليلا فلا يكفى للزروع والثمار بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به حتى إن الأراضي التى تحتاج ماء كثيرا لزرعها ولا تحتمل دمنتها إنزال المطر عليها يسوق إليها الماء من بلاد أخرى كما فى أرض مصر ويقال لها “الأرض الجرز” يسوق الله إليها ماء النيل معه طين أحمر يجترفه من بلاد الحبشة فى زمان أمطارها فيأتى الماء يحمل طينا أحمر فيسقى أرض مصر ويقر الطين على أرضه ليزرعوا فيه لأن أرضهم سياح يغلب عليها الرمال فسبحان اللطيف الخبير الرحيم الغفور( تفسير ابن كثير).
في الماضي حكمت التكنولوجييا أنه لا علاقة بين المياه الجوفية والمياه السطحية، وقرر القرآن قبل ألف وأربع مائة عام علاقة المياه الجوفية والمياه السطحية، وبين العلماء والمفسرون دورة المياه وتخزين المياه على ضوء آيات القرآن الربانية والأحاديث النبوية كيفما تطور العصر صناعيا لا يستطيع أحد أن ينزل الماء أو المطر على حالته الطبعية، عندما يثير الإشعاع الحراري للشمس تبخر الماء فى المحيطات والبحار والأنهار وغيرها ويتصاعد بخار الماء نحو السماء، ويشكل سحبا بطريق تكاثفه، ويسوق الرياح السحاب على نقل السحاب عبر آلاف كلوميترات، ثم يتساقط على الأرض مكونا للأنهار والبحيرات أو تغوص إلى جوف القشرة الأرضية ليعود من جديد إلى البحار والمحيطات ثم تتكرر القصة كلها من جديد بفعل أشعة الشمس.
فهذه دورة المياه بين السماء والأرض. بصنع الله الذى أتقن كل شيء لا أحد يستطيع أن ينزل المطر بحالته الطبعية العادية الحكمية. اختبرت الدول المعدودة ببذل عشرة ملايين أو أكثر فلم تستطع لإنزال المطر الغزير. وتفكر يا أيها العبد المغرور كم من مرات بللك الله بالمطر الصافي والطبعي.
هذا الماء المنزل العذب لا يختزن فى مكان معين لكنه يخضع لدورة عامة بين السماء والأرض فى الطرائق المختلفة، فالجبال هو العامل الرئيسي في تخزين المياه العذبة وتسبيك التربة. ولولاها لذهبت أكثر المياه المتساقطة من السماء إلى الأرض دون أن تتخزن فى الأرض، لكن هدمنا جبالنا الراسخات الشامخات مدعين ترقية البلاد وتطورها. والبحوث العلمية تعلن أن النباتات والجبال ترشه المياه بصورة بطيئة إلى الطبقات الداخلية والأرض القريبة منها تتخزن المياه الجوفية. وتحمل الأرض 1360 ك.م مكعب من المياه وتتوزع 2 من 9% في البحار والمحيطات، 2% بشكل كتل جليدية و6% بشكل مياه جوفية و17% تتوزع فى الأنهار والبحيرات. وتقدم الأنهار والبحيرات لمئات ملايين من الخلق غضاء وطاقة ومتعة حيث قال الله عز وجل ﴿ فأنزلنا من السماء ماءا فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين﴾ (الحجر 23.)
ومن هذه البحوث العلمية العصرية نلخص ثلاثة نقطات تسبب لدورة المياه (1) التبخر (2) التكاثف (3) التساقط، التبخر هو انتقال الماء من سطح الأرض بما فيها من بحار ومحيطات وأنهار إلى الغلاف الغازي، والباقى من المياه السطحية تجف من التربة والنباتات، معظم الماء المتبخر يوجد مخالطا بالهواء فى الغلاف الغازي وليس متكاثفا بالسحب. الثانى التكاثف هو تحول جزئيات الماء إلى الحالة السائلة، التكاثف يحدث له فى الغلاف الغازى عند ارتفاع الهواء الدافئ الحامل ببخار الماء إلى الأعلى فيبرد وتتخفض قدرته الاستيعابية لحمل بخار الماء. الثالث التساقط هو عودة الماء من الغلاف الغازى إلى سطح الأرض سواء في حالته السائلة الجامدة، وسائل الانتقال من الغلاف الغازى إلى سطح الأرض كثيرة منها البرد والثلج وأشهرها وأعرفها هو المطر.
وفى هذا العصر الحديث نحس ارتفاع الحرارة والجفاف، عندما نفتش أسباب الجدب وجدنا أن الإنسان هو السبب الرئيسي وما يتبعه من أعماله حيث قال الله تعالى ﴿ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدي الناس﴾(الروم 41) ولا طريق إلى النجاة إلا التوبة والخضوع وما الخلاص إلا الإخلاص والضروع كما قال الله تعالى ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل عليكم مدرارا﴾(نوح 10) فاستغفروا يا عباد الله من غفار الذنوب والآثام واقربوا إليه بالاستغفار.