بقلم: عبد الرحمن مبارك الهدوي
حينما نبحث عن حجّة الإسلام ومحجّة الدين والعالم الأوحد ومفتي الأمّة وبركة الأنام وإمام أئمة الدين وشرف الأئمة أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري، مما لا ينتطح فيه عنزان أن له أثرٌ كبيرٌ وبصمةٌ واضحةٌ في عدّة علوم مثل الفلسفة والفقه الشافعي وعلم الكلام والتصوف والمنطق، وترك عدداَ من الكتب في تلك المجالات.
وها نحن نسير يسيرا خلال اسهاماته لفن علم الفقه وفروعه وأصوله طوال هذه السطور، فإن له عدة تصانيف في علم الفقه وأصوله، نورد هنا بحثا قصيرا عن بعضه.
المنخول في علم الأصول
هو الكتاب الذي يعتبر باكورة تأليف الغزالي في علم أصول الفقه ، حيث ألفه قبل سنة 478 هـ في حياة شيخه وأستاذه إمام الحرمين الجويني ، وتترتب كتب الغزالي زمنيا على أربع مراحل، والمنخول مؤلفة في المرحلة الأولى (465-478هـ) ، اختصر فيه أراء شيخه وتقريراته في الأصول، لكن مع ذلك ظلت شخصيته النقادة حاضرة وقوية . تراجع الغزالي عن كثير من أراه الأصوليه التي تبناها في المنخول في كتبه الأخرى مثل المستصفى، وهو الأمر الذي جعل المنخول أقل شؤوا عند المحققين من كتبه الأخرى.
البسيط في الفروع.
هو مختصر كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب للإمام الهمام إمام الحرمين الجويني، فإن شخصية الغزالي الفقهية مرتبطة بأستاذه الحرمين الجويني إلى حد بالغ من حيث ارتباط كتابه البسيط بكتاب أستاذه المذكور الذي هو أبرز كتب المذهب الشافعي في عصره، حتى أطلق عليه فيما بعد باسم كتاب النهاية أو المذهب الكبير
وقد قال ابن حجر الهيتمي: الغزالي اختصر «النهاية» المذكورة في مختصر مطول حافل، سماه «البسيط» الّذي اختصره في أقلَّ منه وسمَّاه «الوسيط» الّذي اختصره في أقل منه وسمَّاه «الوجيز»، فجاء الرافعيُّ، فشرح الوجيز شرحاً مختصراً، ثم شرحاً مبسوطاً، ما صُنِّف في مذهب الشَّافعيِّ مثلُه
وفي الحقيقة، لم يكن البسيط مجرد مختصر لنهاية إمام الحرمين، بل صار وسيطا من خلاله عرفت النهاية، وقد قام البسيط بتحقيق نهاية الإمام حيث لم ينقل النهاية عفوا وصفحا، ولكنه أعاد صياغة النهاية من جديد مع جديد الترتيب والفصول والبناء وإدراك الضوابط والمعاقد والمفاصل .
وللقارئ كفائة عنه في قول نفسه في خطبة البسيط: وجعلته حاويا لجميع الطرق ومذاهب الفرق القديمة والجديدة والأوجه القريبة والبعدية.
الوسيط، في فقه الإمام الشافعي.
هو الوسيط في المذهب، غير أنه ورد بإسم «الوسيط في الفقه» و«الوسيط في فروع الفقه» وذكره القاضي البيضاوي بإسم الوسيط المحيط بأقطار البسيط، يعتبر «الوسيط» ضمن سلسلة من كتب الغزالي في الفقه الشافعي، وهذه السلسلة هي «البسيط» و«الوسيط» و«الوجيز». وأساس هذه الكتب كلها هو كتاب «نهاية المطلب في دراية المذهب» لإمام الحرمين الجويني (ت. 478 هـ) أستاذ الغزالي.
وله شروح ومختصرات جمة، من أجل شروحه «المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي»، لابن الرِّفعة (ت. 710 هـ)، أتمّه الحمويُّ في «تتمّة المطلب»، وكلاهما مخطوطان، ومن المختصرات «الوجيز» للغزالي نفسه، و«الغاية القصوى في دراية الفتوى»، للبيضاويّ (ت. 658 هـ). طبع بتحقيق عليّ القرة داغي، وممن اختصره أيضا نور الدين الأسنويّ (ت. 721 هـ) وبرهان الدين العميري وبدر الدين اليمني.
وله تعليقات مشهورة، منها «إيضاح الأغاليط الموجودة في الوسيط» لابن أبي الدم (ت. 642 هـ)، و «شرح مشكل الوسيط» لعثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح (ت. 643 هـ).
الوجيز، في فقه الإمام الشافعي.
والوجيز مختصر الوسيط مختصر البسيط مختصر نهاية المطلب، يتضمن الفقه الشافعية مع بيان آراء الشافعي إلى جانب إبي حنيفة ومالك والمزني رحمهم الله، وهذه الكتب الثلاثة ذكرها أبو حفص عمر عبد العزيز بن يوسف الطرالبسي شعرا:
شيد المذهب حبر في بسيط و وسيط
أحسن الله خلاصة ووجيز وخلاصة
وهذه الثلاثة المذكورة قد وردت من حيث الاختصار والتطويل بسلسلة الاقتصار واقتصاد واستقصاء كما اشتهر بين الخبراء.
المستصفى في علم أصول الفقه
والمستصفى من أبرز كتب للغزالي في علم الأصول، ألفه في المرحة الثانية من تعليمه (499 – 503 هـ)، وفي هذه المرحة نفسها ألف الشيخ كتابه تهذيب الأصول، ولكن المستصفى صار مقبولا عند العلماء من بعده واهتموا به اختصارا وشرحا وتعليقا عليه.
وهذا الكتاب وصفه الشيخ بالمتوسط ، فلا هو مبسوط ككتابه “تهذيب الأصول” ولا هو مختصر ككتابه المنخول، ألفه في أواخر حياته بعد نضج عقلي واستكمال معرفي بما يؤشر أنه من أحسن ما كتب في العلوم الشعربية.
يقول الشيخ نفسه عن تأليف المستصفى : ساقني قدر الله إلى معاودة التدريس والإفادة، فاقترح علي طائفة من محصلي علم الفقه تصنيفا في أصول الفقه أصرف العناية فيه إلى التلفيق بين الترتيب والتحقيق على وجه يقع في الحجم دون كتاب تهذيب الأصول وفوق كتاب المنخول، فأجبتهم إلى ذلك مستعينا بالله، ورتبناه على مقدمة وأربعة أقطاب، المقدمة للتوطئة والتمهيد والأقطاب هي المشتملة على لباب المقصود، القطب الأول في الأحكام والثاني في الأدلة والثالث في طريق الاستثمار والرابع في المستثمر.
وله كتب عديدة مشهورة عزيزة في الفقه وأصوله وفروع فنونه، لا نورد هنا مبحثه خوفا من التطويل، منها التعليقة في فروع المذهب، و فتاوى الغزالي، وغاية الغور في دراية الدور في المسألة السريجية، وتهذيب الأصول وهو أوسع كتبه في الأصول وهو مفقود، والمباديء والغايات، و شفاء الغليل في مسالك الشبه والتخييل وهو من أحسن الكتب في مسألة القياس وأنواعه والامثلة عليه من الفروع الفقهية، وكتاب أساس القياس وهو أصغر من شافء الغليل بكثير، ورسالة الأقطاب وهي رسالة أشار إليها في أحد كتبه أن موضوعها أدوات الإجتهاد.