بقلم: محمد علي الوافي كرواتل
عموما، وإن استثنينا من القاعدة بعض المجلات العربية الخليجية، وخاصة تلك التي تصدر عن المؤسسات العريقة، يمكن القول إن دور النشر قد أسلفت إلى مستوى نخاف فيه غياب الجرائد والمجلات عن طاولة القراءة، وأخذت الجرائد والمجلات تنتحي إلى ركن بعيد (وفي رأي الآخرين، تقترب من ركن قريب) في فضائها الرقمي. وقد لجأت مجموعة كبيرة من الصحف ذائعة الصيت إلى تقليص أرقام توزيعها وإلغاء آلاف الوظائف وتسريح عدد كبير من العاملين فيها. وثمة صحف أخرى قد عزمت على توقف نسختها الورقية عن الصدور واقتصارها على نسختها الإلكترونية. بل الإحصاءات الجديدة من المجال الإعلامي تشير إلى أن عدد الوظائف في الصحافة الورقية الأمريكية قد تقلص بحوالي 30% منذ عام 2008 ومن المتوقع أن تستمر هذه العملية بشكل سريع في المستقبل المنظور[1]. هذه هي الأخبار الجدد تراودنا حينما نجلس للتفكير حول هذا العنوان اللافت ” أحدث أخبار اللغة العربية في الإعلام المطبوعي.
ولا يمكن لأي شخص أن يتغاضى عن دور الصحافة المطبوعة في تثقيف المجتمع الإنساني في العالم بالجرائد والمجلات والنشرات. لأن علاقة القراءة بالطباعة بدأت بعد أن اكتشفها الإنسان في العصور الوسطى. ومنذ ذلك الوقت حلت الطباعة في المرتبة الأولى لنقل العلوم الإنسانية والدينية والأخبار السياسية والاجتماعية إلى القراء والمتابعين. ولكن التطورات الراهنة التي سيطرت على الإنسانية، وبفضل الثورة المعلوماتية تكاد الصحافة المطبوعة تنقرض وتضمحل لكي تحتل مكانها الصحافة الرقمية. وهذه الثورة المعلوماتية الجديدة قد أدخلت الصحافة المطبوعة في اختبار صعب وجعلتها تواجه تحديات غير مسبوقة، ولا يصح القول بأن هذه االتحدية الرقمية وهي الأولى من نوعها، لأن الإعلام العالمي المطبوع قد واجه تحديات مماثلة عندما ظهرت الوسائل الإعلامية الأخرى مثل الإذاعة ثم البث التليفزيوني، وفي كل تجربة من هذه التجارب الجديدة كانت هناك أصوات تردد بأن هذه الوسائل الحديثة سوف تكون بديلًا للصحافة المطبوعة، ولكنه لم يحدث.
الإعلام المطبوعي في المناطق العربية
انقراض الصحافة المطبوعة واستبدالها بمماثلها الرقمي شيء بديهي إلا أنه نسبي، لأن هذه المخاوف بسبب السيطرة المعلوماتية تبدو جليا بالنسبة إلى المجتمع الغربي المثقَّف باستخدام الوسائل الإعلامية الإلكترونية. وأما بالنسبة إلى الدول الخليجية العربية فإن أمية التقنية والحاسوبية تسود في مجتمعها إضافة إلى أن التجارب العربية في الصحافة الإلكترونية والمدونات الرقمية ليست بالحد الذي يهدد الإعلام المطبوعي العربي. وهناك خصائص أخرى يتميز بها الإعلام المطبوع في اللغة العربية عن أخواتها في اللغات العالمية الأخرى وهي التي تجعل الإعلام العربي المطبوع نشيطة في أوساطها. لأن الإعلام الدولي المطبوع بدأ يتقلص دوره من حيث عدد المطبوعات، وأرقام التوزيع، وذلك في النصف الثاني من القرن المنصرم، والعقد الأول في القرن الحادي والعشرين،[2] إلا أن هناك مناطق عديدة في الخريطة العالمية سارت عكس هذا الاتجاه الجديد، وعلى رأسها المنطقة العربية، فهي المنطقة الوحيدة المحافظة على عدد المطبوعات بل إن عددها يتزايد، وبهذه الظاهرة في الإعلام المطبوع العربي يمكن القول إن الإعلام المطبوع في المنطقة العربية أفضل حالًا من معظم مناطق العالم، وفوق ذلك إن العدد الإجمالي للصحف والمجلات العربية مستمر في التزايد كل عام.
الرقمنة في الإعلام العربي المطبوع.
الرقمنة كلمة جديدة وردت في المعاجم الإعلامية الحديثة للإشارة إلى هجرة المعلومات من المطبوع والورقات إلى الإلكتروني والفضائيات. وأصبحت هذه الظاهرة في دور النشر العالمية عروة أخيرة للمؤسسات الصحفية العريقة لكي تنجو من الخسارة المالية والاقتصادية بسبب تقلص أرقامها بعد أن قلت الإعلانات في الإعلام المطبوع وتغيرت سلوك القراء لما اعتمدوا على الإعلام الرقمي واستخدام وسائلها المختلفة. ولكن نفس الظاهرة قد حلت في المناطق العربية الخليجية لكي يواكب الإعلام العربي مع تحولات جديدة في عالم التقنية ولكي تنفع الإنسان العربي الذي بات الإعلام الرقمي يُشبع احتياجاته المعرفية والسياسية والترفيهية. والخبراء في الوسط الصحفي يرون أن الصحافة الورقية التي ما زالت تباع في شوارع المدن والعواصم العربية المختلفة، من المحيط إلى الخليج، بعيدة كل البعد عن تأثيرات التكنولوجيا الحديثة فيها، نظراً لظروفها الاقتصادية وأسبابها الاجتماعية الخاصة.
وهذه الرقمنة قد تحققت في الإعلام العربي بعد أن فتحت المؤسسات الإعلامية الكبرى مواقعها الرسمية لزيادة في عدد المستخدمين للإنترنت نتيجة التطور التكنولوجي. فمثلا قد أنشأت مؤسسة التحرير للطباعة والنشر موقعًا لها، في 16 فبراير/شباط 1997، ضمَّ النسخ الإلكترونية لصحف الجمهورية والمساء ومصر اليوم والـ”Gazette” باللغة الإنجليزية، تلتها صحيفة الشعب التي صدرت في نسختها الإلكترونية في أكتوبر/تشرين الأول 1997، ثم الأهرام الأسبوعي (Ahram Weekly) باللغة الإنجليزية في منتصف شهر يونيو/حزيران 1998، ثم النسخة الإلكترونية لجريدة الأهرام الصباحية التي انطلقت في أغسطس/آب 1998. ومن الصحف العربية التي حرصت على إنشاء مواقع إلكترونية لها: الوطن الكويتية والأيام البحرينية والدستور والبيان والرأي الأردنية وجريدة الحياة، والقبس السعودية، وصحيفة الشرق الأوسط وعدد من الصحف الأخرى في قطر وتونس والجزائر والمغرب والكثير من البلدان العربية الأخرى.[3]
وهذه الهجرة الرقمية في الإعلام العربي المطبوع قد تحققت بتغير واقع استخدامات الإنترنت في العالم العربي، حيث بلغ عدد مستخدمي شبكة الإنترنت حوالي 140 مليون مستخدم سنة 2015 من تعداد نحو 390 مليون نسمة يمثلون إجمالي سكان العالم العربي، مقابل 110 ملايين مستخدم سنة 2012، و29 مليون مستخدم في عام 2007، أي بزيادة قدرها خمس مرات بين 2007 و2015، بينما لم يكن إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت العرب في عام 1997 يتجاوز 600 ألف مستخدم. [4]
خصائص إعلام العربي المطبوع
بعد أن نجح الإعلام العربي المطبوع في التعايش مع الإذاعة والتليفزيون يرى الأكاديميون والمتخصصون في مجال الإعلام الدولي بأن مستقبل الإعلام العربي المطبوع سوف يكون أحسن حالا مما عليه الإعلام الدولي غير الرقمي، وذلك لأسباب يرونها هي خصائص يتفرد بها الإعلام العربي المطبوع. وهي كما يلي:
الأولى: الأزمات الاقتصادية والمالية، والتي بسببها توقفت دور النشر الغربية عن الصحافة المطبوعة، هي قليلة في الإعلام العربي المطبوع الذي تحتضنها المؤسسات الثرية والجهات الرسمية.
الثانية: جاذبية الإنترنت لم تتجاوز عن المواقع الاجتماعية والترفيهية في المناطق العربية التي تنظر إلى الإنترنت كمجرد موقع لتحميم الصداقات والتواصل بين الأصدقاء الذين تعذروا عليهم الالتقاء.
الثالثة: تسود الأمية في المجال الرقمية والحاسوبية فيمن يستخدمون اللغة العربية للقراءة الجادة.
الرابعة: عزوفُ الأكاديميينَ المتخصصين في اللغةِ العربية عن هذه المواقعِ الإلكترونية وانغلاقُهم بين دفتي الكتب المطبوعة. المواقع الإلكترونية تعتمد على المتابعات الدائمة، وأهلُ الاختصاصِ الذين ولجوا إلى فضاء الرقمي لديهم من الالتزامات العلميةِ والأشغال الأكاديمية ما يحولُ دونَ ذلك.
الخامسة: التجارب العربية في الصحافة الإلكترونية والمدونات الشخصية في المواقع الإلكترونية ليست بالحد الذي نخاف فيه انقراض الإعلام العربي المطبوع.
ومن أخطر التحديات التي يواجهها الإعلام العربي المطبوع في الدول العربية في القارة الإفريقية وغير الخليجية في القارة الآسيوية، هي قلة العائدات المالية من الإعلانات في الصحف والمجلات المطبوعة. وبسبب قلة العائدات المادية من الإعلانات توقف بعض دور النشر العربي غير الخليجي من الاستمرار، فمثلا جريدة “السفير” و”النهار” و”اللواء” وجدت نفسها مضطرة إلى التوقف عن الصدور بالنسخة الورقية بعد تأزم الظروف السياسية والاقتصادية في لبنان وانعكاساتها على الدخل الإعلاني والاشتراكات والبيع.[5] ومما زاد من تعميق أزمة الصحف الورقية، وشجَّع في الآن نفسه عددًا من المؤسسات الصحفية العربية على إنشاء مواقع إلكترونية، هو عدول الكثير من القُرَّاء عن الصحيفة الورقية في العالم العربي -التي أصبحت عاجزة عن ملاحقة الأحداث المتسارعة على مدار الساعة-واتجاههم نحو الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية التفاعلية التي تقدم التغطية الخبرية المتواصلة للأحداث المحلية والعالمية لحظة وقوعها بتكلفة تكاد لا تُذْكَر مقارنة بتكلفة الصحف الورقية.
[1] تقرير صحفي، في جريدة الدستور المصرية www.dostor.org
[2] هالة عبد الحافظ، إعلامنا في الألفية الثالثة، الواقع والتحديات. دار الإعلام العربية.
[3] د. المعز بن مسعود، الصحافة الورقية العربية: صراع البقاء ورهانات الرَّقْمَنَة؟ دراسة إعلامية في صحيفة الجزيرة في يوم الخميس 08 ديسمبر 2016
[4] د. المعز بن مسعود، الصحافة الورقية العربية: صراع البقاء ورهانات الرَّقْمَنَة؟ دراسة إعلامية في صحيفة الجزيرة في يوم الخميس 08 ديسمبر 2016
[5] د. المعز بن مسعود، الصحافة الورقية العربية: صراع البقاء ورهانات الرَّقْمَنَة؟ دراسة إعلامية في صحيفة الجزيرة في يوم الخميس 08 ديسمبر 2016