العربية في بلاد غاندي بلا مستقبل

حوار مع الأستاذ الدكتور محمد نعمان خان رئيس قسم اللغة العربية في جامعة دلهي

أجرى الحوار- أحمد فرحات

هو واحد من كبار سدنة اللغة العربية وحماتها الأوفياء في الهند. يشغل منصب رئيس قسم اللغة العربية في جامعة دلهي، ويحرص مع نظراء له، داخل هذه الجامعة وخارجها، على مواجهة كل التحدّيات التي تعترض حاضر لغة الضاد، ومستقبلها، في بلاد غاندي. إنه البروفيسور د. محمد نعمان خان، ابن دلهي العصامي المكافح، ومحقق كتاب: «المنتخب والمختار في النوادر والأشعار» لابن منظور، يعرض في هذا الحوار الصريح والجريء معه، إلى أهم المشكلات التي تحول دون تطور مسيرة تعليم اللغة العربية في الهند، واستعادة هذه اللغة، على الأقل، شيئاً من بريق مكانتها التاريخية والحضارية في تلك البلاد، التي انتشر فيها العرب قبل الإسلام، وتعمّق انتشارهم وتأثيرهم الحضاري فيها بُعيد دخوله، وعلى مختلف المستويات حتى غدوا اليوم جزءاً لا يتجزأ من بنية هذا المجتمع الهندي العريق، والمركّب من ثقافات تأليفية، تحتضن في مدارها المعتقدات والعادات والديانات والشعائر والفلسفات، هكذا من دون أن تنقاد وحدتها الفسيفسائية هذه، انقياداً أعمى نحو الشطط والانهيار.كما تطرق الحوار إلى صورة الهند اليوم، وواقع الصحافة العربية فيها، وكذلك إلى الدوريات الفكرية والثقافية الصادرة، هي الأخرى، باللغة العربية، والتي لا يزال بعضها نشطاً إلى اليوم. وكان للأدب العربي الحديث نصيبه أيضاً. في ما يلي نص الحوار:

* بروفيسور محمد نعمان خان.. قدّم نفسك للقراء العرب، وما الذي دفعك لدراسة اللغة العربية والتخصص فيها؟ **

نشأت وتربيت في دلهي، وكان تعليمي الابتدائي على والدي، وبدأت بالقرآن الكريم، ثم تعلّمت قراءة اللغة الأوردية وكتابتها، ومبادئ الحساب. وكانت رغبة والدي، رحمه الله، أن أدرس العلوم الدينية والعصرية معاً. فدرست مبادئ اللغة العربية، واللغة الفارسية، وعلوم الدين. وعادة ما يختار طلاب المدارس الإسلامية اللغة العربية أو الفارسية بعد تخرجهم، فاخترت، ومن فوري، اللغة العربية للدراسة والتخصص، لإعجابي بها، وتعلقي بأدبها. ولم تكن شهادات المدارس الإسلامية آنذاك معترفا بها من قبل الدوائر الرسمية، وكان التخرج في المدارس، يعني الالتحاق بالتدريس، إما في المدارس الإسلامية، أو الدخول في سلك عمل أئمة المساجد. وأثناء دراستي اشتركت في ندوة العلماء بامتحانات الثانوية والبكالوريوس باللغة الإنجليزية في الجامعة الإسلامية في «علي كره»، ثم التحقت بقسم الماجستير – لغة عربية في جامعة دلهي، وحصّلت هذه الشهادة العليا بدرجة ممتاز جداً. عملت في سفارة المملكة الأردنية الهاشمية في نيودلهي، ما أتاح لي إكمال الدراسة، مع العمل، فحصلت على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية في جامعة لكناو. أثناء عملي في السفارة الأردنية، زار الهند، معالي د. ناصر الدين الأسد، واقترح عليّ الانتقال إلى الأردن، والالتحاق بالمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) في عمّان. وهناك أكملت الدكتوراه، وكان موضوع رسالتي التحقيق في كتاب: «المنتخب والمختار في النوادر والأشعار» لابن منظور. على أن عملي في الأردن، أتاح لي لاحقاً فرصة الحصول على منحة دراسية من قبل مؤسسة الداد في ألمانيا، فسافرت إليها وحصلت على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة برلين الحرة، ثم، عُينت في أغسطس/ آب 1994، أستاذا مشاركا في قسم اللغة العربية في جامعة دلهي، وما زلت على رأس عملي، إنما برتبة أكاديمية أعلى: أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية.

لغة التبادل التجاري

* يقال إن اللغة العربية دخلت الهند قبل انتشار الإسلام في هذا البلد، وتعزّزت بُعيد انتشاره، باعتبارها لغة القرآن الكريم، ولغة التبادل التجاري والاقتصادي، والثقافي، بين الهنود والعرب. والسؤال: هل ما يزال يُنظر إلى العربية في الهند، باعتبارها لغة مقدسة خاصة بمسلمي هذا البلد فقط، من دون سائر الفئات الدينية والإثنية الهندية، التي يقبل الكثير من أبنائها، على تعلّم لغة الضاد؟ **

هذا صحيح، إن علاقة اللغة العربية بالهند أقدم من علاقة الإسلام بها. لأن العرب كانوا يملكون الطرق التجارية في المحيط الهندي، وكانوا وسيطاً تجارياً مركزياً وفعالاً بين الشرق والغرب، ما دفعهم إلى استيطان الهند وتعلّم لغاتها، وتعليم لغتهم فيها أيضاً.لكن لغة الضاد ازدهرت ازدهاراً ملموساً بعد دخول الإسلام الديار الهندية، ومما ساعد على بقائها كونها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف. رغم أنها لم تستمر كلغة رسمية إلا لفترة محدودة جداً، لكنها ظلّت لغة للعلم والتأليف والتصنيف على مختلف المراحل الإسلامية في الهند وبعدها. أما عن كون العربية مقدسة لدى المسلمين، دون غيرهم من الهنود، فدعني أفيدك، وأفيد القارئ العربي، بأن اللغة العربية هي لغة مقدسة عند غير المسلمين من الهنود أيضاً. باختصار، ثمة جانبان لجهة استقطاب اللغة العربية: جانب ديني، وجانب غير ديني. لذلك نجد، مثلاً، بين جماعات الهندوس، من يتعلّم لغة الضاد، ويتضلّع فيها، لأسباب محضّ ثقافية، وبوّابته إلى ذلك، التمكّن من فهم تعاليم القرآن الكريم باللغة التي نزل بها الذكر الحكيم. وبعضهم يدرسها كلغة حيّة من بين اللغات الحية المعروفة في العالم، والتي يحتاج إليها في ميادين العمل. ولأن اللغة العربية لا تنتمي إلى عائلة اللغات الهندية، ولأن خط اللغات الهندية، يختلف تماماً عن خط اللغة العربية، يصعب على غير المسلمين تعلّمها، والنطق بها، والتمكّن، استطراداً، من الكتابة بها. ولهذا السبب، لا نجد كثرة كاثرة من الهندوس يتعلّمون العربية. ومما هو جدير بالملاحظة في الفترة الأخيرة، أننا بدأنا نجد ازدياداً غير عادي في صفوف المقبلين على تعلّم اللغة العربية من الهندوس، بسبب توافر فرص عمل مغرية أمامهم في الدول العربية، وخصوصاً في السلك الدبلوماسي الهندي الخارجي، فضلاً عن الشركات والمؤسسات، في منطقة الخليج العربي.

خلَل النظام التعليمي

* يلاحظ أن تدريس اللغة العربية في الهند، لا يزال في قبضة علماء الدين بنسبة عالية منه، وهذا ما جعلها تُدرّس بمنهج قديم بطيء التطور والمرونة.. ما تعليقك؟ **

هذا استنتاج صحيح أيضاً، فمعظم المنخرطين في تدريس اللغة العربية في الهند، هم من علماء دين مسلمين متخرّجين في المدارس الإسلامية، أو من الشباب المسلمين الذين يدرسون، أولاً، في هذه المدارس، ثم يلتحقون بعدها بالجامعات. والسبب واضح: إن اللغة العربية في المدارس الحكومية الهندية، تُدرّس كلغة أجنبية. وهكذا، لا تكترث إدارات المدارس الحكومية في عموم الهند، بمتابعة شؤون تدريس العربية، فإذا ما تقاعد مدرّس اللغة العربية، مثلاً، لا يُعيّن بديل له، إلاّ بعد مدة طويلة. ويمكن حتى ألاّ يُعيّن أيّ مدرّس على الإطلاق. وعندما تبقى هذه الوظيفة شاغرة، فمن الطبيعي أن يختار الطلاب مادة أخرى غير العربية في مقررهم العام. ثم إن الطلاب الذين يدرسون العربية في المدارس الحكومية، لا يتمكّنون إجمالاً من هذه اللغة. وعندما يقرّر نفر منهم متابعة تعلّمه العربية، تضطر الكلية، إلى تدريسهم مبادئ العربية من جديد، بالإضافة إلى المنهج المقرر. وهكذا لا يتضلّع منهم بالعربية، وعلى النحو المطلوب، إلا عدد ضئيل جداً.. والأمر نفسه ينطبق على حال هؤلاء الطلاب في المرحلة الجامعية. من جهة أخرى، وعلى عكس المدارس الحكومية في الهند، تهتم المدارس الإسلامية المركزية باللغة العربية اهتماماً بالغاً. إنها تُدرّس مختلف مُصنّفات علوم الدين باللغة العربية، وتُدرّب الطلبة على الكتابة بها، وحصص التدريس فيها، تصل إلى خمس ساعات في اليوم، على الأقل، وستة أيام في الأسبوع. كما أن إدارة المدارس الإسلامية تتمتّع باستقلالية تامة، لجهة طرائق التدريس، وتعيين المناهج، واختيار الأساتذة، ولا تحتاج بالتالي إلى موافقة الحكومة وإجراءاتها البيروقراطية، التي تعرقل مسار العمل التعليمي. وأستدرك فأقول: إن السبب الرئيس في بطء تطور مناهج تعليم العربية وعدم مرونتها، هو نظام التعليم في الهند، والذي لا يُهمل تدريس اللغة العربية فقط، وإنما باقي اللغات الأجنبية، والآداب، والعلوم الاجتماعية والإنسانية، ويُفضّل عليها جميعاً، التركيز على تطوير مناهج تدريس العلوم الوضعية والتكنولوجيا. ومما يُضعف مسار تعلّم اللغة العربية في الهند بعد، عدم اهتمام الدول العربية بالمؤسسات التي تُدرّس هذه اللغة في بلادنا، وعليه فإن التبادل الثقافي والتعليمي، بين الجانبين العربي والهندي، لا بدّ منه هنا لتحديث مؤهلات ومعلومات مدرّسي اللغة العربية. فثمة فرق كبير بين تحديث المعلومات عن طريق الإنترنت، وبين تحديثها عن طريق بعثات تعليمية عربية مختصّة باللغة العربية، تزور البلاد وتقف على الواقع عن قرب.

واقع بائس

* حدّثنا، ولو بصورة إجمالية، عن نسب أعداد الطلبة الذين يلتحقون بقسم اللغة العربية سنوياً في الجامعات الهندية، وما هي أبرز العوائق التي يواجهها هؤلاء الطلبة؟ ولماذا؟ **

في الحقيقة، ليس هناك مستقبل واضح للذين يتعلّمون العربية في الهند، خصوصاً أولئك الذين يتابعون دراساتهم العليا، لأن مجالات العمل أمامهم ضيّقة وضئيلة. فالذين يتخرجون في المدارس الإسلامية، يلتحقون بطواقم هيئات التعليم فيها، أو يختارون العمل في إمامة المساجد، وذلك برواتب زهيدة لا تقيت. والذين يتخرجون في الجامعات، بإمكانهم العمل كمحاضرين في الجامعات والمعاهد الحكومية، وعادة ما يكون عدد الخريجين الجامعيين هنا أكثر بكثير من الوظائف الشاغرة وخصوصاً في مجال التدريس. لذلك فالطلاب المتخرجون، لا يجدون عملاً إلا في مجال الترجمة، وبالتالي لا يعمل الخريجون في المجالات العلمية وترجمة الكتب والأبحاث إلاّ ما شاء الله. أما المقاعد فهي قليلة تتراوح بين (20 إلى 30 مقعداً في معظم الجامعات، وفي جامعة دلهي كان العدد 30 مقعداً للماجستير أضافت الجامعة إليها 16 مقعداً. وفي جامعة كشمير 65 مقعداً للماجستير، بالرسوم المادية المخفّضة، و20 مقعداً بالرسوم المادية المرتفعة. وفي الجامعة الملّية الإسلامية في دلهي 30 مقعداً، وفي جامعة جواهر لال نهرو 35 مقعداً، ولا يبقى في العادة من مقعد فارغ في جامعات دلهي وخارجها). أما العوائق فعديدة، منها أن معظم الأقسام الخاصة بهذه اللغة في الجامعات مهملة، لا تتوافر فيها تسهيلات جيدة للبحث العلمي، والتدريس المتطور. ثم إن كثيراً من طلبة اللغة العربية، يكونون عادة في أواسط العشرينيات من العمر، وبالتالي فإن أولويات اهتمامهم، تظل مشدودة إلى أعمالهم، وبناء حياة أسرهم، وتحسين ظروف عوائلهم، فلا يستفيدون، بالتأكيد، كثيراً من الدراسة الجامعية على هذا الصعيد اللغوي. وإذا كانوا لم يتضلّعوا بلغة الضاد من قبل، فبالتأكيد لن يستطيعوا أن يتضلّعوا فيها بقوة وَهُمْ في سن غير مبكرة، اللهم إلاّ في ما ندر. ثم إن الميزانية المخصّصة لأقسام اللغة العربية في جميع الجامعات الهندية، محدودة جداً. مهما يكن من أمر، فإن الدين الإسلامي يقوم بدور كبير في نشر اللغة العربية في الهند. ومعظم الجرائد والمجلات، تصدر من المدارس الإسلامية، وليس من الجامعات.

* لنتحدث عن مستوى أساتذة تعليم اللغة العربية الهنود؟ هل أنت راضٍ عنه؟ وهل ترى أن من واجبات هؤلاء المدرّسين (خصوصاً الجدد بينهم) إعادة النظر في ما يُدرّسون؟ **

بعض الأساتذة على مستوى عال جداً، والبعض الآخر متوسط الحال، والقليل منهم، لا يجوز الاستمرار بقبوله حيث يدرّس تحت أي ذريعة. وفي ما خصّ بعض الأساتذة الجدد، فهم يملكون مهارة فائقة فعلاً، لكنهم، وبغاية الأسف، يظلّون يهتمون بأمورهم الشخصية على حساب اهتمامهم بأمور اللغة التي يسترزقون بها. ثم إن نشر الأبحاث العلمية القيمة لديهم، على مستوى اللغة، يظل شحيحاً نادراً، لأن الجو العلمي غير متوافر، وكذلك غير مرغوب فيه أصلاً. كما أن المنهج الدراسي ليس على مستوى واحد في مختلف الجامعات. فبعض الجامعات يعتمد في تدريسه كتباً ومراجع ومصنّفات قديمة، وعبر منهج بائد أكل عليه الدهر وشرب. والبعض الآخر يطعّم القديم بالجديد.. وليس هناك، عموماً، أي تنسيق بين الجامعات في هذا الصدد. فكل جامعة، بل كل قسم عربي في جامعة، يعتمد المنهج الذي يريد في التدريس. أما العائق الأهم، فهو تدريس اللغة العربية في بعض الجامعات والكليات عن طريق الإنجليزية، أو اللغات المحلية، ذلك أن الطلبة هنا لا يستطيعون فهم المواد الدراسية إلا عن طريق لغتهم.

* ماذا عن الأدب العربي الحديث اللاحق لجبران، وإمكانية ترجمة نماذج منه إلى اللغات المركزية في الهند؟ **

ثمة اهتمام كبير بالأدب العربي المعاصر في الهند، وتُدرّس نماذج كثيرة منه، شعراً ونثراً، في معاهدنا وجامعاتنا، بالإضافة، طبعاً، إلى نماذج من الأدب العربي الكلاسيكي. سابقاً كان اهتمام المترجمين يقتصر على أدب مصر وأدبائها. أما اليوم، فهم يترجمون الأدب الحديث المكرّس في مختلف دول المشرق العربي ومغربه. وبعض الأعمال الأدبية العربية من العصر الحديث، تُرجمت إلى اللغة الأوردية، وغيرها من اللغات.

الصحافة العربية

* ماذا عن المجلات الدورية الهندية باللغة العربية، ومن بينها مجلة «ثقافة الهند» التي كان يصدرها «مجلس الهند للروابط الثقافية»؟ والصحافة العربية في الهند، هل تراجع دورها، أو تقلّص أو انتهى؟ **

بدأت الصحافة العربية في الهند، غير المنقسمة، بصدور أول جريدة باسم «النفع العظيم لأهل هذا الإقليم» سنة 1871م. وقبل هذه الجريدة، كانت قد صدرت جرائد رسمية هندية عدّة، بلغات مختلفة، بينها العربية. وبُعيد انقسام الهند، أسّس أبو الكلام آزاد «المجلس الهندي للعلاقات الثقافية» الذي صدرت عنه مجلة «ثقافة الهند» بالعربية، وما زالت تصدر حتى اليوم. وهي للعلم أول دورية فصلية فكرية وثقافية بالعربية صدرت بعد استقلال الهند الحالية. وقد تكاثرت الصحافة العربية في الهند، على نحو هائل في ما بعد. وكانت الجرائد العربية تصدر في السابق من شمال الهند فقط. أما اليوم، فقد فاق تعداد ما يصدر من جرائد ومجلات عربية في جنوب الهند، كل ما يصدر في شمالها.

صورتان للهند

* المعروف أن الهند بلد ديمقراطي، وهو يشقّ طريقه بعملقة وثبات على المستوى العالمي، ومع ذلك ثمة من يشكك بالديمقراطية الهندية، ويتحدّث بصراحة عن أصولية هندوسية تضطهد مواطني الهند الآخرين، من مسلمين ومسيحيين، فمن يا ترى سيتدارك خطر مثل هذه الأصولية الهندوسية، خصوصاً في ولايات هندية عدة، في طليعتها ولاية غوجارات؟ **

الهند بلد ديمقراطي، من حيث القانون ونُظُم الحكم لذاتهما فقط، فيما النظام السياسي الداخلي فيه، هو نظام أرستقراطي سيّئ. ويعاني الإنسان الهندي كثيراً، سواء أكان مسلما أم هندوسياً أم مسيحياً أم غيرهم جميعاً، في سبيل الحصول على حقوقه. والمسلمون يعانون أكثر، لأن السياسيين المتطرفين والأحزاب المتطرفة، يحرّضون عامة الهندوس على المسلمين، وخصوصاً في مواسم الانتخابات. وبذلك ساد ويسود اعتقاد لدى عامة الهندوس، بأن المسلمين والمسيحيين ليسوا من سكان الهند، بل هم وفدوا في الماضي إلى هذي البلاد لنهب ثرواتها واستعمارها. كما يرى الهندوس المتطرفون في المسلمين عقبة كأداء، كونهم أكبر الأقليات عدداً في البلاد، ويعتقدون أنهم إذا ما تمكّنوا من القضاء على المسلمين، فإنه سيسهل عليهم القضاء على الأقليات الدينية الأخرى. ولقد ساعد الهندوس المتطرفون في جعل وسائل الإعلام العالمي تنظر إلى المسلمين كإرهابيين في كل مكان، يساعدهم في ذلك، طبعاً، وضع الإسلام السياسي غير السليم في العالم. ويستغل السياسيون المتطرفون في الهند (لاسيما الهندوس) هذا الوضع للتحريض على المسلمين، ما يؤدي إلى اندلاع الاضطرابات الطائفية. ومما لا شك فيه أن هناك عدداً كبيراً من المفكرين والعلماء والمثقفين الهندوس يقفون إلى جانب المسلمين في الدفاع عن حقوقهم الشرعية، ولكن، مع الأسف، فإن الفئة الشريرة بينهم تغلبهم. من جهة أخرى، فإن للنظام القضائي البطيء في الهند دوره أيضاً في تشويه صورة المسلمين، حيث أن الجهات الأمنية، ولدى حدوث أي اضطرابات عنيفة في البلاد، تتهم أول ما تتهم الشباب الهندي المسلم بالإرهاب، ليسهل بعد ذلك القبض عليهم، وزجّهم في السجون مدة عشرين سنة (أكثر أو أقل لا يهم)، ثم يأتي بعد ذلك حكم القضاء بالبراءة..ولكن بعد فوات الأوان!. وقضية مسجد بابري خير مثال على ذلك. وباختصار، توجّهات السياسة العامة في الهند، تكتفي بإرضاء المسلمين بالوعود الخلّبية، يساعدهم في ذلك، عدم التخطيط الواعي والسليم من جانب المسلمين. ولعله في محلّه ما أوردته في سؤالك، من أن الهند في طريقها لتصبح عضواً في نادي دول كبار هذا العالم. لكن هذا لا يلغي – مع الأسف – وجود صورتين واقعيتين للهند: خارجية، يعكسها ما ورد في السؤال، من أن هذا البلد آخذ في التطور والعملقة والدمقرطة… إلخ، وهي صورة مبالغ فيها بالنسبة إلينا، وصورة داخلية، وهي الأصحّ هنا، تعكس أن الهند ما تزال دولة غير ناجحة، لأن عملية التقدم والتطور فيها، محصورة في المدن الكبرى. وكذلك، فإن العقلية العامة، لم تتطور بعد في الهند، وربما هذا هو السبب الرئيس في أن العدد الأكبر من الهنود، هم تحت خط الفقر.

* ماذا عن مشاريعكم الجديدة على صعيد الترجمة والتأليف، وخصوصاً منها تلك التي تهمّ القرّاء العرب؟ **

من الأعمال الفكرية، والأدبية، التي سأشتغل على ترجمتها في المستقبل القريب، كتاب «تاريخ حضارة الهند» للعالم الهندي الشهير محمد مجيب، و «تاريخ الفيروز شاهي» لشمس سراج عفيف، وهو عالم هندي من القرن الرابع عشر للميلاد.

لا تواصل

* هل تتصلون بجامعات عربية بشأن التعاون الأكاديمي معها، على الأقل على مستوى تدريس اللغة العربية وآدابها؟ **

لا..لا أظن أن هناك أي اتصال أكاديمي هندي بالجامعات العربية للاستفادة من خبراتها ومناهجها في تدريس اللغة العربية، لأنه ليس في إمكان أقسام اللغة العربية في جامعاتنا اتخاذ أي مبادرة أو التزام معين في هذا الصدد. ويكاد يقتصر اتصال الجامعات الهندية بجامعات الخارج، على مستوى أقسام العلوم والتكنولوجيا، ليس أكثر. سياسات الحكومة لا تعارض تعليم اللغة العربية

* بصراحة بروفيسور خان، هل يلقى تدريس اللغة العربية وأدبها في الهند، سياسات اعتراضية، إن في السر أو العلن؟ **

لا أعتقد أن هناك سياسة اعتراضية رسمية واحدة، في السر أو في العلن؛ ضد لغة العرب وثقافتهم في الهند، بل إن الحكومات الهندية أنفقت وتنفق مبالغ كبيرة على تدريس العربية والبرامج الخاصة بها في كثير من جامعاتنا. لكن في المقابل، ثمة رسميّون هنود يكنّون حقداً وحسداً ضد مواطنيهم من المسلمين، فهم مثلاً، يستغلّون مناصبهم لاتخاذ إجراءات أو قرارات، تضرّ بلغة الضاد، فيؤخرون، مثلاً، تعيين مدرّسين، أو يماطلون في صرف الميزانية المخصصة لذلك. لكن هذا الأمر، في الحقيقة، لا يقتصر على اللغة العربية وحدها، بل يتعداها إلى لغات أخرى كالأوردية والفارسية. وقد حدث أخيراً أن هيئة الخدمات المدنية العامة التابعة للحكومة الهندية (UPSC)، (وهي أكبر هيئة لتعيين كبار الموظفين في الحكومة الهندية) أن أخرجت اللغتين العربية والفارسية من نظام مباراة امتحاناتها، مع الإبقاء، طبعاً، على اللغة الإنكليزية. وغضّت النظر بذلك عن أهمية هاتين اللغتين المركزيتين في تاريخ الهند الثقافي والحضاري، علماً بأن رئيس جمهورية الهند، يمنح، وسنوياً، شهادة تقدير وجائزة مالية لعلماء مُجلّين في هاتين اللغتين؛ بالإضافة إلى اللغة السنسكريتية، واللغة البالية (Pali). وقد حاولت تلك الهيئة المذكورة إخراج هاتين اللغتين من التداول في التسعينيات من القرن الماضي، لكنها لم تنجح. ويبدو أنها هذه المرة قد مكرت مكراً كبيراً حين قالت إنها لن تخوّل امتحان الخدمة المدنية الإدارية إلا لمن يتقن اللغات التي ذكرت في جدول اللغات المحلية الهندية رقم 8 من القانون الهندي، واللغة الإنكليزية أيضاً. وهذه مؤامرة خبيثة، وبداية لمؤامرات محفوفة بالمخاطر، هدفها في المستقبل القريب إقصاء اللغتين: العربية والفارسية. غير أن «اتحاد أساتذة وعلماء اللغة العربية لعموم الهند»، هو بالمرصاد لهكذا أمور، ويكرّس جهوده اليوم لاستعادة اللغتين، وضمّهما إلى عداد اللغات التي يشترطها الامتحان الدوري المذكور.

الفقر غير طائفي

ليس صحيحاً القول بأن معظم مسلمي الهند يعيشون تحت خط الفقر، فكثير من المسلمين، وكثير من الهندوس وغير الهندوس، يعيشون في الهند تحت خط الفقر. لا تمييز هنا بين فئة دينية وأخرى على هذا الصعيد في بلادي. غير أن هذا لا يلغي واقع أن الحال المادية لمعظم المسلمين في الهند، هي ليست على ما يرام، يؤكد ذلك بيان رسمي أيضاً، ذكر أن بعض المسلمين الهنود، هم في أسوأ حال من الفقر والبؤس، مقارنة بغيرهم من طبقات الشعب الهندي المنهوكة. لذلك نجد الكثير من المسلمين يزاولون مهناً متواضعة، كما يزاولها غيرهم من معتنقي أديان أخرى. ونسبة التعليم بينهم منخفضة جداً، بداعي الفقر والعوز والجهل المعشش بين ظهرانيهم.

جبران الأكثر مقروئية

من أبرز الكتّاب العرب الذين نُقلت أعمالهم إلى اللغة أو اللغات الهندية، مصطفى لطفي المنفلوطي، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، ونجيب محفوظ والطيب الصالح. أما الشخصية الأدبية العربية الحديثة الأكثر مقروئية، وشهرة بين القرّاء الهنود، فهي شخصية جبران خليل جبران. ولا أظنّ أن هناك احتشاداً قرائياً هندياً فعلياً حول أي من أعمال من ذكرت من أدباء عرب، باستثناء جبران خليل جبران.

سياسة الباب المفتوح

بالنسبة إلى المناصب الإدارية والحكومية المهمة في الهند، بابها مفتوح للجميع، غير أن نسبة المسلمين في مثل هذه المناصب ضئيلة جداً، بالنظر إلى نسبتهم بين سكان الهند بعامة، إذ يشكل المسلمون 14% من إجمالي السكان، البالغ عددهم ملياراً و350 مليون نسمة. باختصار، ليس للطائفية أي دور مؤثر في هذا الشأن أو ذاك في الهند، اللهم إلاّ ما شاء ربك. كذلك فإن الجهل والفقر، لا يقتصران على المسلمين فقط، بل هما سائدان في مختلف الطبقات الهندية المسحوقة.

عدم انسجام

في دلهي لا تدرّس اللغة العربية إلا في كلية واحدة، من بين 64 كلية تقريباً. لكن ولايات كيرالا، كشمير، تاميل نادو، آسام، والبنغال، تمتاز بأن فيها عشرات الكليات التي تدرّس اللغة العربية. لذا فإن الطلبة الذين يتخرجون في جامعات تلك الولايات، يحصلون، وبغير عسر، على عمل في التدريس فيها. ولا يفوتنّا هنا ذكر أنه ليس ثمة انسجام بين المناهج الدراسية في مختلف الكليات والجامعات الهندية التي تدرّس العربية، ما ينعكس على الطلاب، الذين كثيراً ما يعانون على مستوى قبولهم في الدراسات العليا.