توفي المؤرّخ الموسوعيُّ البروفسور فؤاد محمد سزكين، بعدَ عُمرٍ حافل بالدفاع عن الحضارة الإسلامية، والردِّ العِلميِّ على افتراءات بعضِ المستشرقين.. وهو صاحب الموسوعة الشهيرة “تاريخ التراث العربي”.
عاش فترةَ شبابِه وتعليمِه وهو يشعر بالألم لما يشاهده مِن ظُلم المناهجِ المعاصرة والمقرّرات المدرسيَّة لتاريخنا العربي والإسلامي، ويرى كيف أُبعد الجيلُ المعاصرُ عن معرفة العلماء والعلوم التي ابتكرها ووضعها المسلمون. وعندما بلغ العشرينَ مِن العمر بدأتْ رحلتُه العلمية، فتعلَّم اللغةَ العربية وأَتقنها، بل إنه أتقن الكثيرَ مِن اللغات حتى المُندَرِسةِ منها! ثم جاء الانقلابُ العسكريُّ في تركيا سنةَ: 1960م، الذي أُعدم بسببه الرئيسُ المنتخبُ عدنان مندريس، وهنا بدأت المرحلةُ الأليمة القاسيةُ لهذا العالم الغيور المحبِّ لتاريخ بلدِه، ففُصل من جامعة إصطنبول، وقرَّر الهجرةَ من بلدِه والسفرَ إلى أُوروبا.
وكان من كلامه في لحظاتِ هجرتِه حيث وقف بمكانٍ عالٍ وهو ينظر لإصطنبول باكيًا يقول بنفسه: (كيف سيُمكنني العيشُ طيلةَ حياتي بعيدًا عن إصطنبول التي أعشقها). إلا أنَّ الله عوَّضه خيرًا، ورجع معزَّزًا مُكرَّمًا إلى بلده في ظلِّ الحكومة الحالية، بل واستقبله رئيسُ تركيا بالقصر الرئاسي.
وكان قد استقرَّ سزكين بألمانيا، حيث كانت هجرته سببًا في فتح آفاق المعرفةِ والتصنيفِ والبحث هناك، فقد ألَّف في الميدان العلميِّ كثيرًا مِن المؤلفات، فضلًا عن الكثير مِن المحاضرات والمقالات.