الانتخابات البرلمانية: صراع تحسمه البيانات والتحليلات

بقلم: محمد طيب بن سعد المدني

تشهد الهند أكبر دولة ديمقراطية علمانية في العالم الانتخابات البرلمانية بكل ما لها من حماسة حزبية، والتي رسمت مشهدا جديدا بين أبناء الوطن، ووضعت البلاد أمام عدة سيناريوهات واحتمالات تحتاج إلى التحليل والدراسة والاستشراف، والتي يراقبها العالم بكل العيون وتلقفها الشاشات والقنوات بكل شفاه وألسنة،
على الرغم من بشاعة انتهاكات الحرمات ووحشيتها، وتردي أوضاع حقوق الإنسان وسفالتها، وفي ظل من الفاشية والعنف والإكراه،وزي من الوطنية والعدالة والتقدم، وفي سلسلة متواصلة من التفجيرات الإرهابية التي ضربت أقليات الدولة تحديدا الشعب الإسلامي، مع موكب من أبواق الهندكة والتشدد والثورات المزيفة، وهذه الانتخابات لن تكون كأي من سابقاتها من حيث السياق والأهمية، بل اختصت باهتمام سياسي وإعلامي مختلف.

لا تزال الأحزاب السياسية تعمل الآن بشكل متزايد على الاستفادة من أدوات البيانات الضخمة وزيارة المظلومين الأبرياء ومختلف المدارس والمؤسسات، وتناول حالاتهم وإرشادهم بالحل والبديل، وتبييض عيون الناس بوعود انتخابية متزركشة، وتمليك الأحزاب السياسية الصغار وإدخالها في تحالفاتهم المختلفة مثل التحالف التقدمي المتحد والتحالف الوطني الديمقراطي لزيادة نسبة المشاركة في التصويت والانتخابات لصالحها، حيث تم تقرير استقصائي من قبل الأحزاب فيمن ينوبهم في مجلس النواب من المرشحين وبمواثيقهم ووعودهم الانتخابية.

فعلى أعتاب انتخاب برلماني جديد، يقف المراقب المتأمل لصباح هند باسم موقف الأعراف، ناظرا إلى الحكومة اليمينية واليسارية، ومحللا قضاياه الشاملة لكل ما وقع في الدولة من التقدم والتأخر وأسبابه، وكيف تتفق الحكومة الحاكمة قياسها السابق أقياس الأولى أو المساوي أو الأدنى؟.

ففي أول وهلة النطر، نعتقد ونعترف بأنه قد خيمت على المشهد الهندي بعد اعتلاء نريندرا مودي عرش الجمهورية حالة من التذبذب بين  أعمال العنف المتزايد والمسار السياسي المتعثر، الأمر الذي ألقى بظلاله على اقتصاد البلاد القائم على أرباح إجمالي الناتج المحلي، وفشل ظاهر في كثير من الأمور الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية، والتي تعد بعضها رواسب وخرائب تاريخية.

واقعيا، فإن حزب بهارتيا جنتا الذي يتزعمه نريندرا مودي وأميت شاه لم يكن أبدا في فترة أيامهم حاضنة العلمانية ولا ربة الإنسانية لاسيما للأقليات وللمسلمين، وقد كشفت الوكالات التحقيقية الهندية من «سي. بي. أي» و«أن. أي. أ» في تلك الأيادي الآثمة التي تتمتع حتى الآن حماية القانون، والتي لها دور ريادي في الصراعات الطائفية الطاغية التي حدثت في غجرات عام 2002م، وراح ضحيتها مئات من المسلمين، كان لوزيرها دور بارز في تلك الانتهاكات.

وتظهر جميع المؤشرات السياسية أن التحالف التقدمي المتحد سائر في طريق احتلال المرتبة الأولى خلال الانتخابات التشريعية المقبلة في الدولة، والتي ستجري في شهر أبريل ومايو، وأظهرت أيضا تقدم شعبية رئيس حكومة اليسار راهل غاندي الذي يستند إلى خصال لم يعهدها الهنود في رؤوس حكوماتهم السابقة مثل الجرأة والشفافية والخطاب القوي والقريب المبتذل من فهم العامة، إضافة إلى ما حققه الحزب من نتائجهم المبهرة في الانتخابات التشريعية التي كانت مفاجأة للكثيرين.

فههنا بعض من التحليلات والبيانات التي تعد فارقة وفاصلة في نسبة التصويت، والتي أصبجت مطروحة الآن بين أبناء الوطن في الداخل والخارج. ومن ميزة هذا الانتخاب البرلماني وخصائصه، الأجندة الدوارة المتنوعة القابلة لتغيرات وتبديلات سامية متسارعة فينة بعد فينة، وقد كانت تعاسة الفلاحين والمزارعين وجفافهم نقطة تحول الأصوات في انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة الجارية في خمس ولايات مختلفة، والتي أبقى مشهدا جديدا يؤشر إلى تنامي الحالة الاعتراضية الشعبية في وجه الطبقة السياسية، وكان السياسيون والخبراء والسادة عدها كذلك في هذه الانتخابات أيضا لكنها تحولت وظهرت بعدها سلسلة من الحالات الحرجة مثل البطالة العامة، وتم إصدار المزيد من المعلومات حول معاملة الحاكم في عقد طائرة «رافال» المقاتلة كما انعكس ذلك على بعض وزراء الحكومة والسياسيين، وعادت موضوعات أخرى، ومع هجوم «بلواما» تأخرت الأخبار الساخنة التي كانت متدوالة من قبل، بحيث لا يتمكن من حد التفضيلات في هذا الانتخاب، وقرر الحزب الحاكم أن يتخد أمن الوطنية والأمن القومي موضوعات الانتخاب.

التعاسة الفلاحية

من جهتها، صرحت الحكومة بأنها تستهد                                                                ف منها تضعيف المستغلات والإنتاج الحصادي داخل عام 2022، ومع هذا الهدف السامي تحومه كوكبة من الشكوك والسؤالات حول واقع الانتحار وتهجير معظم الفلاحين من عملياتهم الزراعية، والحق أن ارتفاع الأسعار في الأسمدة من 50% إلى 100%، وارتفاع أسعار ديزل الذي تسبب للنفقات المثقلة المكلفة في استخدام الجرارة، وارتفاع المؤنة في طريقة إيصالها إلى المستهلكين وفي التسويق، مما يسبب ويؤدي الفلاحين إلى تحمل الأحمال الثقيلة فوق رؤوسهم غارمين مدينين، حتى ساقهم ذلك إلى الانتحار المأساوي.

وقد أدى إحكام ضريبة البضائع والخدمة إلى ارتفاع أسعار الأنابيب والمضخات التي تستخدم للإمداد المائي وآلياته مما تؤدي إلى تهجير استخدامها خالدة، وبعد تجاوز جميع هذه التحديات المتلاحقة لا تحصل القيمة ولا العائد المناسب ولا ربحا متكافيا في التسويق والتجارة، حيث يؤدي إلى هجر وطرح الطماطم والبصل وسائر الخضراوات وسط الفجج والشوارع. واندلعت منهم ومن المقيمين شعلة معارضية بدعم من المنظمات غير الحكومية وحركات اليسار خلاف هذه المعانات التي تعيشها جميع المزارعين في دولة الهند والتي تعد أنها سوف تكون بنك التصويت، في حين أن قامت الأحزاب المخالفية بوعود منجية متسلية كما سهل طريقتها في انتصار المجلس التشريعي الأخير في الولايات الخمس، وهل يكتفي المال الإمدادي الذي لا يزيد على 6000 روبية سنويا والتي أعلنته الحكومة الحاكمة دفعا للاعتراضات الشعبية.

إلغاء العملات وضريبة البضائع والخدمة

إعلان إلغاء العملات الخالع المتعثر في ليلة عبر المذياع والأخبار، ثم إعلان حكم فرض ضريبة البضائع والخدمة في منتصف ليلة أخرى المظلمة، كانا شر إعلان تاريخي في صفحات تاريخ الهند التليد المجيد، مما أدى إلى تردي الاقتصاد والثروة التاريخية، ولمّا رفعت الهند هامتها من هذا المستنقع الفظيع، والذي سبب في انقراض واضمحلال شركات الصناعات المتوسطة والصغيرة، وتبقى الوعود والبرامج التسليمية من هذا التردي في سكوت وتدهور، ولا تزال تبقى شركات الصناعة في تعقيدات وثلمة لا ترتق في تاريخ الاقتصاد الدولي حيث لم تتمكن الحكومة إيصال الثروات السوداء ولا كشفها بل باتت بلا جدوى وفائدة.

ازدياد البطالة

وأيضا قد  سبب إلغاء العملات لتضييع مزيد من الفرصات العملية في المناطق المتعددة خاصة في القطاع غير المنظوم، كما تم تقرير الإحصاءات الرسمية من أنها كانت أكبر مأساة تاريخية خلال 45 سنوات، وتعدها الخبراء والسادة والمراقبون تحاتا وتعرية للأصوات.

الصراع بين الهند وباكستان

كما أن الحق يدفن من ابتداء الحروب، تبقى هنا أسئلة بلا جواب حول الصراعات الحاسمة بين الدولتين قبل أيام، ويرجى حزب بهارتيا جنتا وزعيمه نريندرا مودي من تشكيل ردود الفعل المتقيمة للانتخابات البرلمانية لصالحها، ولكن الحكومة اليسارية تعتقد بأن المصوت المراقب الأريب يرجى منه تقييم الرواسب الدبلوماسية والأنقاض العقلية وما يتبعها من الخرائب والفشل في الصراعات التي سببت لاستشهاد أكثر من الأربعين، ومن جدول أعمال الحكومة الحاكمة إبقاء هذه العاطفية الوطنية المتشددة في أبناءها إلى أواخر الانتخابات.

التحفظ الاقتصادي

التحفظ التقدمي بنسبة 10% تعد رسالة إيجابية للطبقة العليا من المواطنين ومما يوقظ اليسار  والمخالفين نشرة حزب بهارتيا جنتا الخفية  في المحلات التي تكثر فيها الصناعيون المتقدمون، وينهيهم إلى وعي كامل عن هذه المحلات البلدية.

طلاق الثلاث وسجل المواطنين

من جهتها تصرح الحكومة موقفها من طلاق الثلاث بإصدار مراسيم خلف إنكار قانونيته في المجلس الوطني، كما هدمت جميع شعارات الوطن خاصة شعار «الاتحاد في الاختلاف»، لا زالت السنوات الخمس لمودي في وجهة دكتوتارية انطلاقا من العلامانية والديمقراطية، بل كانت كلها تمييزية وتفريقية، هذه هي نفس الرسالة وراء مشروع قانون الجنسية الذي ينطوي عليه التمييز الديني الصريح.

التضخم المالي

ولا يزال ارتفاع الأسعار خصوصا أسعار البترول والديزل يورث اليأس والهلع بين المواطنين ويمثل مشكلة عامة للمجتمع، وهو الذي سيدفع الكثير من المواطنين المتعاطفين معه للتخلي عنه بسبب رفعه الدعم من بعض السلع وتقليصه من بعض ورفع أسعار الكهرباء بصور لا تقابلها زيادة في الرواتب وعلى العكس يقابلها مزيد من البطالة.

خلال الفترة التي انخفضت فيها الأسواق الدولية بشكل حاد زادت الحكومة وفرضت على الناس مزيدا من الضرائب في السلع التنموية وغيرها تدريجيا من غير تبادل حاصلها على الشعب، ومن الحقائق أن الضرائب المختلفة تبلغ حوالي نصف من السعر.

حسم ضريبة الدخل

يعد هذا من جدهم الوافر لتهدئة غضب المتوسطين وتهجيرهم ضد ارتفاع الأسعار، سياسة  لا يمكن الإعراض عنها للحكومة الآتية.

أيوديا

ولمّا ينسحب المتطرفون من ضرورتهم وحاجيتهم العاطفية لمعبد رام، ولا تحل القضية في هذا الموضوع الموجود المسجل في المحكمة العليا إلا بعد الانتخابات، ويعد هذا من الوعود الانتخابية المتبخرة من عند حكومة حزب بهارتيا جنتا الحاكمة في الدولة والولاية معا، والتي لا تزال ترجع في كل الانتخابات من غير وفاء.

رافال

هذا جواب منعكس من عند حكومة اليسار للتهم الرشوية التي تبدأ من «بوفيرس» وتمتد إلى «أغسطا وست لانت»، وإن كان تحقيق المراقب والمراجع العام مبررا للحكومة في صالحيتها الظاهرية، لكن تبدو هناك أسئلة مسكتة حول عدم الضمان البنكي و«السوورين»، وتخليتهم الملاحة الجوية المحدودة للهند عن صناعة القطاع العام وتويكلها ل«ريلنس» مع تقديمها إسعاف 30000 كرور روبية، ولا تزال تبقى حتى الآن المعيبات والانتقادات التي كانت في أول وهلتها.