الهند في معركتها الأخيرة لأجل الدستور

وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿169﴾ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَِ ﴿170﴾ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿171﴾      ﴿سورة البقرة

الانتخابات البرلمانية القادمة في الهند -الدولة الديمقراطية الكبرى- تمثل المرحلة الفيصيلة التي تتمخض بعدة نتائج حاسمة سياسية، إما هي عودة الدستور من جديد أو هي وأد المبادئ الهندية المقدسة وطرحها إلى البعيد، وقد أصبحت أخبارها وأهم تحركاتها محط أنظار العالم وحديث ركبان المحللين السياسيين، فيهم من يتنبأ بعودة راهول ليتم القضاء على جبروتية مودي، وفيهم من يقلق باستمرارية مودي الذي لا يتزلزل من مقامه ولا ينزلق بسهولة، فالشعب الهندي الذي طالما انخدع في شعوذات مودي لمدة خمس سنوات غير معقول لاختياره للمرة الثانية لا سيما في الوقت الذي انطفأت الهالة المودية التي كانت المحركة الأولى والأقوى لضرب حزب كونجرس الذي لم يتعلم من التاريخ ولا حتى من الواقع، ويتجلى أمام كل مراقب ومحلل سياسي عن حجم التوقعات والتوترات التي تراود الأقليات الهندية وفي مقدمتها المسلمون، فهذه السنوات الخمس العجاف لم تأت بخير لهم بل كانت زمنا قاسيا حالكا تحركه الشعارات الهائجة والدعايات الزائفة، من فرض قانون المدني الموحد وإعادة معبد راما في موقع المسجد البابري وإجلاء المسلمين إلى باكستان وتشريد مسلمي آسام إلى بنجلاديش، فثمت أمثلة مريرة ومؤلمة تلوح وترسم عن مدى الغضب والثورة التي تكنها صدور المسلمين، فمنذ أن اعتلى نريندرا مودي عرش الجمهورية كانت الشريعة وشؤون الأقليات على مرمى زناده، وتحين الفرص لاستفزاز المسلمين وتهييجهم حتى يولد منها موطنا للشغب والصخب، وبالمقابل فإن المؤتمر الهندي الوطني الذي يصفه المسلمون بالأخف خطرا والأكثر خيرا لا يتخلص من التهم اللاذعة، وحتى الآن لم يتشف من أمراضه القديمة من الصراعات الداخلية والخلافات الأسرية وتطاولات الأعناق إلى بلاط العاصمة، بل لم يغتسل من جنابته يعني تعبسه عن المسلمين وتقاعسه عن إقامتهم في منصب الترشح، وكالعادة تقوقع المسلمون في التشرذم والضياع، وتشتت أصواتهم في زوايا مختلفة بين الذين يدعون لأنفسهم حماية العلمانية وحكرها وبين من يضعون مسؤوليتهم على كاهلهم، لكن في هذه المرة لا بد لهم من فكرة عميقة ومراجعة دقيقة حتى لا يتكرر الخطأ الفادح الذي ارتكبوه في محافظة أتر برديش التي تضم أكثر عدد من المسلمين والتي فيها مدارس إسلامية لها شهرة أمثال دار العلوم بديوبند وندوة العلماء بلكنهو ومدارس التيار البريلوي ومع كل هذا العدد والعتاد خسروا وخابوا في تنصيب مرشح مسلم في الانتخاب الرئاسي الماضي بل حصد فيها بهارتيا جنتا نصف مقاعدها إلى أن تحققت خرافة «قوة المسلمين»، فلو تكررت هذه الهفوة الكبيرة لتدنت تأملاتهم التي تحن إلى عودة الدستور الذي بايعوا لحمايته ورباطه، بل ليتم القضاء على آخر بريق رجائهم لبنية الهند من جديد، فليس الوقت وقت التشرذم والضياع، ولا وقت التلاهث بصناعة الأكاذيب، فإن التعامي عن الخطر لسوف يقود الهند إلى المنحدرات الوعرة.