10 عاما على رحيل السيد محمد علي شهاب: حنثت يمينك يا زمان فكفر

بقلم: محمد صفوان منجيري

«إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا على فراقك لمحزونون»

يا شهاب… أنت حياة الروح وملئ  القلب والفؤاد، يا من له عبقرية تجلت في أروع شكل وأجلى مظهر، يا من كان طبيب الأرواح قبل الأجساد، يا من بفقده تيتم الناس بل جميع الكائنات من الحيوانات والجمادات قبل الأنجال والعيال، يا من زال مده الإشعاعي من الكوكب الأرضي، فبقي وتجلى وتنور شهابا يلمع في متن السحاب.

يا ليلة السبت الملهوفة وأمسيته المؤوفة، (من عاشر شعبان سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف الهجري الموافق ل 1. 8 . 2009م ) ويا الأيام واللحظات بعد، طال الانتظار والاطلاع لعبقري مثلك، وامتد إلى عشر سنوات فأبى إلا الانتظار والبقاء بلا رجاء، واستقر في ذمة الزمان كفارة الأيمان.

عندما تمر يوم الذكرى العاشرة على رحيل رجل يعد علما متميزا من أعلام الأمة والمجتمع، وكوكبا من كواكب العلم والحكمة والإصلاح والهداية وسائر الصفات التحسينية في سمائها، عاش عمره لخدمة الأمة والمجتمع، حزن مقيم يتجاور قلبي وينبض بنبضاته، ويتدفق في الشرايين متزامنا مع أنفاسي، لما أنه كان مأوانا وملجأنا طيلة الحياة، وكان شمسا اعترف بضياءها الشبان والشيوخ والرجال والنساء من غير تفرقة بين مختلف الأديان والآفاق، فوداعه وداع لن يندمل جرحه من  أعماق قلوبنا بعد، ولا يزال يبقى ثلمة لا تسد، وكان بنيان الأمة والمجتمع فتهدم بفراقه «فما كان قيس هلكه هلك واحد : ولكنه بنيان قوم تهدما»، طيب الأخلاق والشمائل، مرن السجية والطبيعة، ذا الشوكة والشكيمة، جمع بين الدنيا والآخرة بحياة حافلة بالخدمات للشعب الإسلامي والمجتمع، عند الحديث عن شخصيتك لا تسعفنا الكلمات أمام هذه القامة الدعوية التي كرست حياتها في خدمة الدعوة الإلهية والعمل الخيري والاجتماعي، ولا يستطيع لي ولأحد علمك وعاشرك وعامل معك حد شمائلك الممتازة وخصائصك الذاتية بأكمل وجه، إلا أن يقال «فمبلغ العلم فيه أنه بشر : وأنه مثل خير الخلق كلهم».

التف حول طاولتك المدورة حشود من رؤساء السياسة وأساطينها، رغم كونهم مخالفيك المتحسمين، وكونهم متمسكين بأيدولوجيات متنوعة، فيهم سراة الأحزاب السياسية المختلفة، وممتلكو الأندية المستخدمة في حيوية المجتمع، مطالبين لكم التوجيهات والإرشادات، وراجين الحلول المتيقن للقضايا المعضلة التي تحيط بهم من الأسرية والاجتماعية والسياسية والروحانية وغيرها، وأكثر من ذلك رأينا حولك حشودا من الفقراء والمساكين و من مختلف طبقاتهم، يقتربون منك عندما ينتاب لهم شيئ من وخزان الضمير، فليجدُنّ في حجرك وبين يديك وفي أعطافك روح الصدق والوفاء والعدل والعطف والأخوة العالية والأبوة الرحومة  والأمومة الحانية والنبضة الرؤومة والكلمة المتسلية ثم تلك البسمة الساحرة.             كما أن لك دورا رياديا في تهدئة الفتنة بين الدولة والجماعات، وسنة ممتازة في تدبير الأمور وصرفها إلى الفضائل والمكرمات، لا ينسى هذا المجتمع والشعب الإسلامي ذاك اليوم الذي قمت فيه رائد الأمن والسلامة، والموقف الذي أشاد به الساسة، ونال عليه التغطية الإعلامية، والذي علق بثناءه أبرز الجرائد والصحائف الهندية، عندما شهدت الربوع في مختلف زوايا كيرالا وخارجها لشرارات الاضطرابات الطائفية والمناوشات العنصرية التي عمت الدولة، فأطفأتها، وأخبأت أوارها في عقر دارها، قبل أن يتسع قرحه وجرحه، فصرت الكابحة إبانة إهدام المسجد البابري، وانجيت الهند وأهلها من انفجار براكين الاضطرابات الطائفية، والتي وصلت ذلك إلى منطقة «أنغادفرم» بمحافظة «مالابرم»، عندما أحرق بعض المتطرفين الخالعين بوابة المعبد الهندوسي، فقام بينم متكلما، فكان لكلماته ونبراته دوي كبير في آذان المجتمع، فحركت ذلك أوتار قلوبهم، وكذلك أطفأت ثورة «كويمفتور»، واخضرت واحمرت هناك وردات السلامة والأمن، وتغرد في فناءها طيور المحبة والرأفة، وهلم جرا…

فكم من جامعات وكليات قد أثمرت تحت صدارتك، وكم من  مدارس قد تجلت في كنفك ورئاستك، وكم  من محلات إصلاحية تفتحت فيها أزهار الهدوء والسكينة، وتشرفت بمنصب الأمين العام للجامعة النورية بفيضاباد، بعد وفاة الوالد السيد القائد أحمد فوكويا، ثم عينت رئيسا لها بعد وفاة الشيخ العالم بافو مسليار الجفني رحمه الله، وكان تحت يديك جامعتنا جامعة دار الهدى اللإسلامية والكلية الأنورية وكلية دار السلام العربية بكاليكوت وغيرها كالمدارس حتى ينيف عددها على المئات، وكنت قاضيا لأكثر من خمسمائة مسجد، وآثرك الناس والمجتمع لافتتاج آلاف من المساجد والمدارس والاستعدادت الجديدة والمراكز التجارية، فحقا طريا ظاهرا، كانت البركة في يديك، والرفعة من رئاستك…

كنت ذا رحمة واسعة حتى بالحيوانات والجمادات قبل الإنسان، صاحب روح المودة والرأفة والعطف، فكنت لا تسمع همسا من همسات الطريق والدروب، إلا أنك فتشت عنه لإمكانية كونه من حيوان مضطر يترقب الخلاص والخلوص، فتنجيها من وشك الخطر وتقربها إلى شاطئ الفرح والسرور، عجبا كل العجب لما رأينا فيك من الصفات المحمدية كاملة تمتد من تلك البسمة الخالصة، بسمة يعجز القلم عن تسطير وصفها، فكان شفاء الغليل ودواء العليل كامنا في تلك البسمة المتنيرة، وتفيض تلك الصفات وتطول بلا حد وسد، ومما يزيدنا التعجب، أن مقعد المحكمة العليا لكيرالا الذي فيه الحاكم كرشنير وهارون رشيد كانوا ينتقلون إليه القضايا المعضلة لحلول ناجع ممتاز.

فحياته الحافلة لخدمة الأمة والمجتمع تبدأ مسيرتها من ولادته ابنا حنونا نجيبا للسيد أحمد فوكويا والسيدة عائشة في عام 1936م، وكانت دراسته الدينية من  بيته عند مدرس خاص، واستكمل دراسته الابتدائية  في مدرسة دي. ام. ار. تي بفانكاد، والثانوية في مدرسة ام. ام. بكاليكوت، ثم استكمل اس.اس. ال. سي سنة 1953م، ثم تلمذ على محيي الدين مسليار رحمه الله بقرية تكدتور ثم بكانانجيري (58 1953م)، ثم ارتحل إلى جمهورية مصر العربية، فغادر إليها سنة 1958م، والتحق بجامعة الأزهر في كلية أصول الدين، ممتازا في الامتحان الدخولي، متفوقا على زملائه، ثم التحق بجامعة القاهرة سنة 1962م، ونال منها شهادة الأدب العربي سنة 1966م، وكان من زملائه رئيس جزيرة مالي مأمون عبد القيوم، ووزير الأمور الخارجية لمالي فتح الله جميل، وفي أثناء دراسته هناك رغب السيد المتكرم في تحصيل علم التصوف حتى أتى شيخا عالما من تلامذة العلامة عبد الحليم محمود إرواء لغلته، وأخذ منه ثلاث سنوات.

وكانت مناكحة السيد بالسيدة شريفة فاطمة قي نوفمبر 24 سنة1966م، ومن أبناءه السيد بشير علي شهاب والسيد منور علي شهاب، وبناته السيدة زهرة والسيدة فيروزة والسيدة سميرة، ومن إخوانه السيد المرحوم عمر علي شهاب والسيد حيدر علي شهاب والسيد صادق علي شهاب والسيد عباس علي شهاب. ومن إخواته السيدة خديجة والسيدة ملا. وأبناءه وإخوته المتكرمون يتحملون الآن مناصب عدة في شتى المجالات، ويخدمون الأمة والمجتع قي حل مشاكلهم ورم ما استرم من ضعفهم، و ويقودون ركب الملة والإنسانية إلى طريق الخير والصواب، يقودون المجتمع نحو الجيل المرتقب وأمل الإسلام والمسلمين.

وانتخب سماحة المكرم رئيسا لجمعية الشبان السنيين سنة 1974م، وعين رئيسا لرابطة اتحاد المسلمين  الهنديين سنة 1975م في اليوم العاشر من سبتمبر. وغادر إلى الولايات المتحدة للعلاج عن الضغظ المخي مع مرافقة ابنه السيد منور علي شهاب، وأجريت له الفحوص الطبية المدققة والعملية الخطيرة، وتم جميعها في خير وسلامة، لكن حليلته السيدة شريفة فاطمة توفيت في غيبته ولم يعلم بخبره إلا  بعد العودة منها لإرشاد من طبيبه، فلما أخبره بوفاتها لم يقلق مع ما انتابه من شدة  الوجد وانكسار الضمير، وزار قبرها مع الآخرين ودعا لها.

وكيف كانت عيشته وشيمته، وكم كان مصداق حديث النبي الكريم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الله العبد نادى جبريل، إن الله يحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء، إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض»، (أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في باب الملائكة).

ففي كل حرف وطرف، كان كتابا مفتوحا لكل من يطالع، رجلا سار مع القيم السامية والمشاعر الشامخة تتفق مع مبادئ الإسلام وشريعته السامقة، رجلا لا كالرجال، ترك للعالم جيلا مرتقبا بجهوده الفارغة، تتحمل راية الإسلام وراية السلام والمواساة والأخوة، فبذل لذلك النصيب الأكبر من صحته وعمره، وأمواله ومكتسباته، كلها كان خفيا حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ولولا همك الذي لا يفارقك في شؤون المسلمين البؤساء والأقليات لتزايدت الخطوب والمصائب الفادحة ولصادفوا مس سقر.

إذا تتبعت سيرته وحللت جميع شيمه، تمكن لك أن تقول أن حياته نادرة كالكبريت الأحمر، بل حياة لامثيل لها، وما أصدق ما قال الشاعر:

حلف الزمان ليأتين بمثله

حنثت يمينك يا زمان فكفر

فقد فقدنا ذلك اليوم وتيتمنا به، فلا نجد السلوى من غيره كما منه، ولا نتلقف تلك البسمة الساحرة من غيره كما منه، فكيف لا تطول كآبتنا عليه ولأجله، ومرة أخرى، فقد كان المنار الذي يأوى إليه، والدوحة التي نتظلل تحتها فتحنو علينا… فالصبر بعدك عسير والعيش مرير والدمع لفقدك غزير…

وأخيرا إنه كان من المخبتين الذين بشرهم الله بخيري الدنيا والآخرة، فهم «الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون»( سورة الحج 35) نعم رحمك الله يا سيدنا وقائدنا، دعوتنا على البصيرة، وهديتنا إلى الفضيلة، فجزاه الله عنا خير الجزاء، وتقبل حسناته وخدماته لدنيه الكريم، وجمع بيننا وبينه في دار جنات النعيم، آمين، يا رب العالمين.