بقلم: فادي محمد الدحدوح
أماه، اسمحي لي أن أخاطبك برفقة الأمهات، فكل الأمهات تشبه قلبك الجميل، حتى وأنتِ بعيدة راحلة لعالم السماء، أنتِ قريبة لا تغيب أبداً، ولو حتى لحظات من اليوم، إني أراكِ كما أرى الأمهات اليوم في ربيعهن الجميل في كل زاوية من زوايا العالم، في كل غلاف كتاب، وسطور
حكمة، وتذوق طعام، وغفلة من نوم، عطاءك الذي تجلّى فيه عطاءُ الله والذي لم يُرد إلاّ سعادتي دفعني أن أعبر برسالة جامعة بحضرة الأمهات برسالة ربيعية أكتبها على جناحَي زاجل لأبسطهما بغلاف من نور أمام كل شبابنا والعالم ليقرأ فيها نافذة من قطع منثورة على الحياة برائحة الجنة.الربيع يا أمي في الفصول هو الخصوبة والشباب والقدرة على التجدّد، وهذا ما تؤديه الأمهات في رحاب عالمنا كاملاً في حياة الوطن، إذ تنبض فيه الحياة والأمل والدفء ومعالم الحنان الواسع بالسواعد الشابة التي تؤسس للمستقبل، وتحافظ على الماضي، وتنطلق في الحاضر عملاً وأملاً، تنسى التعب، لاغيةً الشكوى، ضامنةً وعد الأمنيات، تنظر إلى آفاق رحبة من النور والضياء.
وكما أن حيوية أشجار الزيتون في فلسطين يا أمي لا تنتهي بسنين بسيطة، كذلك فإن شباب الأمهات يدوم ويعمر، بحيث يبقى مثمراً على مدى العمر، نفتح ورقات كتاب معاني الربيع لنرى يا أمي معاني الأمومة فلا نجد غير التفاني والبذل في سبيل التربية الصالحة وإنشاء جيل مثقف وواع، وفي معاني كتابها ننحني إجلالاً أمام المحبة والعطاء والتضحية وسهر الليالي للمتابعة من أجل أن تنير المعرفة وتسقط الظلام، ويأتي النور، ويبدّل اليأس بالأمل والتفاؤل.
ومع قسوة الأيام يا أمي واشتداد الأزمات تأتي الأمهات تفيض بالحنان والعاطفة على ظلال أحبتها، رغم ما تقاسيه من آلام الحياة، وتعاني من ظروف الزمان وقساوته في نهر محبتها، محاولاً عبثاً أن يلوثه ويغير لونه ورائحته، ولكن يبقى لون الحب في الأمومة طاغياً، ولقد جمع الربيع يا أمي يوم ميلادي، وفي كلا القلبين نبعُ حنانٍ لا ينضب، وشلالُ عطاءٍ لا يتوقَّف، وبين القلبين دنيا واسعة الأفق، تحملك بين حناياها إلى عالم آخر لا وجود للشر فيه، عالم مليء بالحب والعاطفة، بالتضحية والتفاني، بالخير والأمل، بيوم جديد أجمل وأحلى.
اسمحي لي يا أمي أن أُحيّك للأمهات فستاناً ربيعياً بألوان فلسطين الزاهرة بالصبر والأمل، وأن أضع على روحك العطرة التي تسكن أرض فلسطين طوقاً من زهرٍ ببساطٍ ربيعي، ولأكشف لك عن حقيقة لم تغب عن بالي، أن ربيع الحياة للعالم لن يرى ميراث الحب والوجدان وتمام نوره إلا مع الأمهات، عطاؤكم برحابة صدر، وبلا حدود، أروقة الحنان، ميدان الارتواء في أوقات الصحاري الجفاف.
ربيع الأمهات المستمر يحمل عنوانا للتضحية والفداء، حيث أثبتت الأم العربية أنها إنسانة عظيمة، عظيمة في تضحياتها، ووفائها وعطائها الثمين، فالأمهات يا أمي يزرعن مع كل شروق شمس القيم السامية والأخلاق الحميدة، يرسمن البسمة في كل أرض يسرن عليها، في شغف هذا اليوم الجميل، أنتن مصدر فخرنا واعتزازنا، أعتز بكل أم ضحّت وتضحّي من أجل نفسها ووطنها وأسرتها، من أجل أداء رسالة قيمية وأخلاقية وتربوية ونضالية ووطنية، أفتخر بكل أم تفني حياتها وتكابد مشاق الحياة بصبر جميل، وأفتخر بأمي.
كم يدهشني هذا العالم السريع الذي يستطيع أن يلخص الكلمات والأفعال والمناظرات…! هل تكفي حقاً يا أمي؟ كم تتوارى كلمات العرفان والحب أمام عطائكم أمهاتنا خجلاً…. الملخص العظيم هنا يا أمي لقد خصك الله في كتابه الكريم، وأوصى بك سيد البشرية: «أمك ثم أمك ثم أمك».ِ