بقلم: محمد عبد الجليل
البنوك الإسلامية أصبحت اللآن حقيقة واقعية واتجهت الأنظار إليها، وخاصّة بعد الأزمّة الماليّة العالمية وهي تزداد قوّة وانتشارا مع مرور الأيّام، وتشهد تقدّما ونجاحا باعتماد أسس وقواعد وضعها علمائها في هذا العصر الحديث من خلال دراسات وأبحاث ومجامع علميّة وفقهيّة، ومن خلال مؤتمرات علمية يشارك فيها خبراء الاقتصاد بجانب علماء الشريعة، والبنوك الإسلامية حالها كحال الناس تماما فكما أنّك تجد أفراد المسلمين من هو ملتزم تماما بالحكم الشرعي وتجد فيهم من خلط عملا صالحا وآخر سيّئا، وكذلك البنوك الإسلاميّة تجد بعضها لديه التزام عال بالمنهج الشرعي وبعضها يختلط بالخطإ في القواعد التي تجري عليها البنوك الإسلامية .
المرابحة
تمثّل المرابحة أسلوبا أكثر استخداما في المصارف الإسلامية حيث تصل في أغلب المصارف إلى ما يقارب ثمانين في المأة من الاستثمار في الموارد، وتعني المرابحة أن يشتري الشخص سلعة ما من أجل أن يبيعها لغرض أن يتربّح منها، أي أن يحقّق منها الربح، ويعنى بها أيضا أن يأتي الرجل و يقول لرجل آخر اشتر لي سلعة ما وأنا أشتريها منك و أربحك فيها، وفي ليبيا أجازت مجموعة من العلماء بيع المرابحة قرارا عامّا، والمقصود به هنا تحديد المرابحة المركّبة وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الدكتور الصادق بن عبد الرحمن الفرياني.
المرابحة – كما مرّ ذكرها – على صورتين:
الأوّل : بيع المرابحة العادية، وهو الذي عبّر به جمهور علماء المتقدّمين في كتبهم الفقهيّة ويسمّى أيضا المرابحة البسيطة، وهو الآن شهيرة بهذا الاسم، والمراد به بيع المالك السلعة التي يتملّكها أصلا بمثل الثمن الأوّل مع زيادة في الثمن، وهي ربح، ومثل هذا البيع ما تقوم به عادة التجّار حيث يشترون السلعة التي يرون أنّ الناس في العادة يحتاجونها ثمّ يعرضونها للبيع مع زيادة في الثمن.
الثاني : بيع المرابحة المركّبة، وهو منطوق هذه الندوة ويسمّى أيضا المرابحة للآمر بالشراء، والمراد بهذا النوع المرابحة أن لا يشري الشخص السلعة لغرض بيعها إلّا بعد أن يطلب منه شخص آخر شرائها وبيعها له مع هامش ربح يتمّ الاتّفاق علىه، وهذا النوع من المرابحة هو الذي يجري في المصارف الإسلاميّة ويطلق علىه المرابحة بلا قيد، والمرابحة للآمر بالشراء تجري في المصارف الإسلامية بشروط كثيرة وهذه الشرائط تقوم بإقامتها من جانب المصارف الإسلاميّة، وهي توافق أحكام الشريعة في بعض الأحوال وتخالفها في بعض أخري.
تؤدّي البنوك الإسلاميّة في المرابحة دورة المشتري من البائع الأصلي للآمر بالشراء، والعميل يكون الآمر بالشراء، فتتمّ المرابحة المركّبة في البنك الإسلامي عقدا بمراحل آتية :
تقديم العميل طالبا للبنك الإسلامي لشراء سلعة موصوفة
قبول البنك الإسلامي شراء السلعة الموصوفة
وعد من العميل لشراء السلعة الموصوفة من البنك الإسلامي بعد تملّكه لها
وعد من البنك الإسلامي ببيع السلعة الموصوفة للعميل
شراء البنك الإسلامي للسلعة الموصوفة نقدا
بيع البنك الإسلامي للسلعة الموصوفة للعميل بأجل مع زيادة ربح متفق عليها بينهما
المشاركة
تعتبر المشاركة من أهم أساليب التمويل لعمليات الاستثمار الجماعي في مختلف الأنشطة الاقتصادية سواء كانت صناعية وتجارية أوعقارية، فالمشاركة في اللغة المفاعلة من الشركة وهي اجتماع الشخصين أو أكثر في شئ واحد، والمشاركة أسلوب قديم للتصرفات، وقد عبر بها كثير من الفقهاء في كتبهم الفقهية، وعندهم المشاركة نوعان: أحدهما فيما تملك اثنان مشتركا بإرث أو شراء.
والثاني أربعة أقسام: ثلاثة من هذه الأقسام باطلة عند الإمام الشافعي، والأول شركة أبدان وهي أن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما بتساو أو تفاوت، وقد جوّزها أبو حنيفة مطلقا وجوّزها مالك وأحمد في الصناعة إذا اشتركا في صنعة واحدة وعملا في موضع واحد، وجوزها أحمد في كل شي، والثاني من الباطلة شركة وجوه وهي أن يشترك اثنان ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما بمعجل أو حال، وجوزها أبو حنيفة وأحمد، وصورة هذه الشركة أن لا يكون لهما رأس مال ويقول أحدهما للآخر اشتركنا على ما اشترى كل واحد منا في الذمة، والثالث من الباطلة شركة مفاوضة وهي أن يشترك اثنان ليكون بينهما كسبهما وربحهما ببدنهما أو مالهما، وجوزها أبو حنيفة ومالك مطلقا إلا أنهما اختلفا في صورتها، والقسم الصحيح من هذه الأربعة يسمى شركة عنان وهي أن يشترك اثنان في مال لهما ليتجرا فيه.
فالمشاركة في اصطلاح البنك الإسلامي – كما يدل اللفظ – هي أسلوب تمويلي يقوم على تقديم البنك الإسلامي جزءا من المال والعميل جزءا، فيصبح البنك والعميل عندئذ مالكي رأس مال المشاركة ويشتركان في الربح والخسارة حسب حصتهما المتفقة عليهما، وقد ثبتت المشاركة بالقرآن والحديث كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يقول أنا ثالث الشريكين مالم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما».
وللعاقدين ورأس المال وتوزيع الربح والتنفيذ شرائط كثيرة كما عبر بها كثير من العلماء المتقدمين في كتبهم، ولا بد أن يكون العاقدان راشدين، ولا يشترط الإسلام لأن التكاليف في العقود تتضمن الكافر أيضا فلا يصحّ الشرط بخلافه، وينبغي أن يكون رأس المال متقاسما بين العاقدين، ولا يشترط أن يكون مساويا بينهما بل يكفي التقسيم بالنسبة إلى قسطهما، وأن يكون رأس المال معلوم القدر والجنس والصفة ومحدده، ويقسم الربح والخسارة بين العاقدين بالنظر إلى قسطهما ولا تضبط الربح بقيمة معينة بل تعيّن بجزء مشيّع.
استقرت البنوك الإسلامية في تعاملاتها على شكلين أساسيين للمشاركة، فهي إما مشاركة ثابتة أو متناقصة منتهية بالتمليك، وكلها تجمع البنك الإسلامي مع شريك أو أكثر في مشروع أو مشاريع مشتركة.
المشاركة الثابتة أو المستمرّة: المشاركة التي يقصد بها الاستمرار والبقاء في الشركة إلى حين انتهائها، ويكون نصيب كل من العاقدين على أساس نسبة شركتهم في رأس المال، ويمكن أن تكون المشاركة دائمة أو قد تنتهي بانتهاء صفقة تجارية أو مشروع مشترك، المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك: وهي المشاركة التي يتم فيها تحديد نصيب العميل في رأس المال المشروع، وعندما يبدأ هذا المشروع في تحقيق الأرباح يتنازل البنك تدريجيا عن حصّته ببيعها إلى العميل إلى أن يصبح هذا المشروع بعد مدة زمنية معينة متفقة عليها مملوكا من طرف العميل.
والثاني أي المشاركة المنتهية بالتمليك تعتبر من الصيغ التمويلية الجديدة التي استحدثتها البنوك الإسلامية، وهذه الصيغة مفضلة لدى كثير من طالبي التمويل، وهم لا يريدون المشاركة مع البنك الإسلامي خالدا بل يطمع ابتدائيا جيدا لشركتهم باعتمادهم إلى البنك الإسلامي، فالبنك الإسلامي في هذه الصيغة يتمتّع بكافة حقوق الشريك العادي، ويتحمّل جميع التزاماته غير أنه لا يقصد عند توقيع عقد المشاركة البقاء والاستمرار إلى حين انتهاء الشركة، بل إنه في هذه الحالة يعطي الشريك الحق في الحلول محله في ملكية المشروع وذلك بتنازل البنك الإسلامي عن حصّته دفعة واحدة أو تدريجيا حسب قرارهما الذي أخذه في عقد المشاركة سالفا، ومن هنا نجد أن التسمية بالمشاركة المتناقصة على هذه الصيغة من وجهة نظر البنك الإسلامي باعتبار أن الملكية فيها تتناقص كلما استردّ جزء من تمويله، وفي ذلك الوقت يطلق اسم المشاركة المنتهية بالتمليك من وجهة نظر طالبي التمويل لأنهم سيتملكون المشروع بعد الانتهاء من تسديد مبلغ التمويل بكاملة.
وغالبا يكون الغرض الرئيسي بهذا النوع من المشاركة هو إما برغبة العميل أو الحصول على المال لقضاء أغراض أو مصالح شخصية.
الحالة الأولى -تملك العقار- يرغب العميل في تملك عقار معين لكنه لا يتوفر على قيمته فيشارك البنك في شرائه، ويكون العقار في هذه الحالة ملكا لطرف ثالث أي هو البائع، والمشاركة في هذه الحالة تكون على إحدى طرق الأربعة، الأول يتملك البنك العقار من مالكه الأصلي بعقد شراء العقار ويدفع مبلغ العقار للمالك ويسجل البنك العقار باسمه، والثاني يبرم عقد مشاركة متناقصة بين البنك وبين العميل الراغب في التملك على أن يدفع العميل جزءا من المبلغ عبارة عن مشاركته في العقار، والثالث إبرام وعد شراء حصص يعد خلاله العميل أن يشتري كامل الحصص، والرابع يوقع البنك اتفاقية بيع حصص يشتري بمقتضاها العميل حصص البنك تدريجيا إلى أن يشتري العميل جميع حصص البنك أو أن يتم توقيع عقد إيجار حصص يؤجر البنك حصته على العميل ثم يبيع البنك حصصه على العميل بالسعر الرمزي أو بسعر السوق في آخر المدة، ثم ينقل البنك ملكية العقار في نهاية المدة للعميل.