نصيبي

إني وجدت من السماء نصيبا
فوُلِدتُ من رحم الزمان غريبا
في جيل عصرٍ لم أكن أهلا له
ومُناخُه لي لـــــــم يكُنْ لِيَطِيبا
فحُبِستُ في الدُّنيَا بما رحُبَت فما
ألفيتُ فيها صاحبا وحبيبا
في أُمَّةٍ ليست أقلَّ حضارةً
مما خلت في الدهر أو تهذيبا
وبحثتُ عن روح الوفاء فلم أجد
إلا مقابرَ ساكنينَ كثيبا
فلزمت صومعة السكوت فأبْعَدَت
عني عويلَ حياتِهم ونحيبا
لُغَتِي لهم عَجَمِيَّةٌ وحروفها
أصواتُ أبكمَ لا يَعِي التركيبا
يستنكرون مبادئي وكأنهم
لا يعرفون لمَذهَبي تصويبا
أفْرَغْتُ صِدْقًا لي فليس جزاؤهم
لِلصدقِ إلا العار والتكذيبا
العلمُ يأتي بالحياءِ وبالنُهى
إلا لَهُمْ، فيزيدُهُم تخييبا
مثل النِّبالِ المطلقاتِ جحودُهم
والشكرُ منهم قد يدبُّ دبيبا
جيلٌ قصيرُ الذكرَياتِ وقد نسُوا
ما كان مِن أمدِ الزَّمانِ قريبا
يا ليتهم يدرُونَ أنَّ حياتَهم
لغزٌ يُحِيرُكَ سائلا ومُجِيبا
أسمى وأعمقُ مِن بَسِيطِ معيشةٍ
أرقى سماءً أو أجلُّ مَهِيبا
لو أنهم سَاقُوا قَرائِحَهم لهَا
لَحُظُوا بِسِرٍّ لا يزالُ عجيبًا
أين المواقفُ في شبابٍ همُّهُم
جَمْعُ المكاسبِ مخطِئًا ومُصِيبا
لو أن عندي واديا مِن درهمٍ
لَسَدَدْتُ جُوعَهُمُ ولو تقريبا
وإذا فررتُ مِن السياسةِ هاربا
آوِي صديقًا أو ألوذُ قريبا
قتَلَتْ فؤادِي لوثةُ مِن خُبْثِها
في كُلِّ مأوًى أرتجيه رحيبا
لولا سُمومُ العصرِ ضَرَّتْ مُهْجَتِي
ما كان جُنْحُ شَبِيبَتِي لِيَشِيبَا
أو لَمْ يكُنْ ذَبُلَتْ وُرُودُ مشاعري
جفَّتْ وغُصْنِي لا يزال رَطِيبا
والليلُ لم يُرخِ السِّتارَ على الضُّحَى
أو يُصبِحِ الفجْرُ الجميلُ صَلِيبا