لا شك أن رواية حديقة خلفية للكاتب المصري أشرف أبو اليزيد تمتاز من بين الروايات العربية الحديثة أسلوبا وحجما،تنطلق الأحداث وفقا للرواية من سراي السيد كمال الذي هو الشخصية المحورية صاحب ثروة طائلة وشهرة طائرة بين القرويين، وهو بالنسبة إليهم سيد ريفهم المطاع وزعيمهم الذي يدين له بالولاء، إنه ينتمي إلى صفوف الضباط الأحرار في ثورة يوليو 1952، يعيش في كفر السراي بكل معاني السعادة مواسيا لمنكوبيها ومسليا لمنبوذيها، الأمر الذي جعله رجلا شريفا ينجذب إلي فعالياته الأنظار ويصغي إلى نصائحه الأسماع كما كان شأن ثروت عكاشة فيهم من قبل،ولا أغالي إذا قلت إن السيد كمال بلغ ما لم يبلغ عكاشة من قمة الفضل والشرف.
طبقا للرواية، مجدي محمد الكيلاني مهندس زراعي في حديقة يملكها السيد كمال، إنه رجل أحب الأزهار والرياض، وأحب كاملييا أيضا بنت أخت السيد كمال حبا جما، يرسم الكاتب أجواء الحب الصافي بين المجدي وحبيبته ما يزيد في القراء نشوة ونشاطا لقراءة هذه الرواية كرات ومرات، ومن أجل حبه العميق يمثل مجدي أزهارا في حديقته بشكل “كاف” الذي به يبدأ اسم حبيبته كاميليا، ومن خلال أحداث الرواية يزوج البطل السيد كمال بنت اخته مع مجدي محمد الكيلاني الذي لم يجرب منه إلا خيرا ورشدا منذ نعومة أظفاره.
توازنا مع الرواية، كان السيد كمال شغوفا ببلده الذي ولد به وكبر، وقد طاب له أن ينعش ذاكرته بسرد قصته مع فلسطين قصة نجاح وفلاح في ثورة تحريرها عام 1948، وهو يعتقد بكل صرامة أن هذه القصة لم تكن ليفخر بها مصر ومواطنوها فحسب بل هي قصة تحرير كل البلدان ومستوطنيها من براثين الإستعمار الظالمة، وقد راق له أيضا أن اتفق على أن يكون زفاف مجدي وكاميليا عند عودته القرية وفي نفس اليوم الثالث والعشرين من شهر يوليو كي يكون حدثا تاريخيا من بعد، بأسلوب أنيق تطول الحكايات بين الزوجين حيث تحكي كاميليا لزوجها مجدي الكيلاني أن أيام دراستها للشهادة بالقاهرة تختلف تماما عما يخطر على بال تلميذة مصرية عامية حيث إنها تعلمت تاريخ الهند وثقافتها من جهة واستوعبت ممارسة يوغا من أجل الحفاظ على سلامة النفس فوق سلامة الجسم من جهة أخرى، وحقا كاميليا حظيت أن تلقى حظا وافرا من إبداعات الشاعر الهندي الأشهر كاليداسه الذي قرض شعرا عنوانه “كوماراسامبافه” يتجلى فيه الجانب الشهواني للشاعر حيث يصف تساقط رذاذ الأمطار على جسد ربة الإلاه بارفتي زوجة الإلاه شيفه، ومما يسترعي الدهشة أن كاميليا قرأت كاماسوترا سانسكرتية الأصل الذي لم يزل دليلا في الجنس والإجتماع لفن الحب والذي يهدف ممارسة السلوك الأفضل خلال حياة البشر الزواجية.
وربما يخلد الكاتب رصانة العلاقة بين العرب والهنود فيما تتحاور كاميليا مع زوجها مجدي المهندس الزراعي الخبير حيث تقول: “أريدك أن تصمم لى حديقة على هيئة جنائن مقام تاج محل”وقد أسسه شاه جهان الإمبراطور المغولي ليضم رفات زوجته ممتاز محل وتم تصميمه على يد المهندس المعروف بعيسى شيرازي ويعتبر أيضا من أجمل نمازج طراز المعمار الإسلامي معروفا ب”جوهرة الفن الإسلامي في الهند وإحدى الروائع الخالدة في العالم”، وربما جذب ذهن الكاتب إلى سرده أنه أسلوب يجمع بين طراز المعمار الفارسي والتركي والعثماني والهندي بدون استثناء.
الوصف التفصيلى لسيناريوهات غياب السيد كمال وازدياد الشكوك والتكهنات حول سبب غيابه يترك شؤما هائلا طوال الرواية إلا أن مكالمته الهاتفية مع مجدي الكيلاني بأمره له بالقيام بكل المساعدات اللازمة للحاج السمنودي لتوزيع الأموال المفوضة إليه بين القرويين وقت العيد المقبل يسترجع رجاءا متفائلا من قليل، وخبر عودته للقرية بلا شك يعيد البهجة والسرور في جوف مجدي الكيلاني قدر ما يفوق الوصف والتعليق، ولكن بينما يستعرض الكاتب قدوم أبي خالد سيد أبي حفيظ من ولد الحاج السمنودي لكي يشري كفر السرايفي حين غفلة من ربها تنطلق الرواية إلى حالة اشتد فيها الصراع بين أرباب العقارات وشركة لوبي العقارات تحت إشراف المدير أبي خالد، وللأسف عندما وضعت الشركة أموالا طائلة بين أيدي القرويين ما لم يروها في حياتهم من قبل ولو مرة لم يسعهم إلا القناعة بها والإرتياض لها وتركوا وراء ظهورهم بيوتهم وأكواخهم الصغيرة الجميلة، فباعوها سرا أو علنا كي يصير كفر السراي فندقا ذا خمسة نجوم أو مركزا للسياح والمتنزهين.
في نفس الوقت الذي اختار السيد كمال يتم الزفاف بين المجدي وكاميليا في أحد أبهاء كفر السراي المزدانة بالنقوش الزاهية، المضاءة بالمصابيح الوضاءة غير أن مصرع بطل الرواية السيد كمال في حديقته النضارة يسرق كل السعادة مرة أخرى من وجوه أعيان القرية أمثال الحاج السمنودي ووالحاج جمعة، وثمة تشيع الظنون والضجات حول المجرم الفاتك بسيد كفر حتى قال بعضهم إن مجدي محمد الكيلاني هو الذي أردى بحياة السيد تحت جنح الليل، وفي نهاية الرواية رغم قبض الشرطة على مجدي المتهم يتم تحقيق القاتل الحقيقي لصاحب كفر السراي ختاما لأسراد الرواية القاتمة.
حقا، يبدو أن الرواية تحيط بكل ما يجرب عائلة عربية بالدقةحيث إن الكاتب يسلط الضوء على ما يضيق الأسرة العربية ذرعا في المجتمع العالمي الحاضر، ولا ريب أن الرواية هذه أصبحت غذاءا لذيذا على مائدة القراء جميعا بعد ما تم ترجمتها إلى اللغة المليبارية من قبل دكتورين عملاقين د.عبد المجيد ود. منصور الأمين بعنوان بطلة الرواية “كاميلييا” وقد ترجمها محمد حارث الوافي إلى اللغة الإنجليزية آنفا بعنوان ” أ باكيارد غاردن” ونشرتها درين نوفيلس الألماني نظرا إلى أن الكاتب المبدع يصور بين سطور الرواية الجميلة التبادل الثقافي الواسع بين مصر والهند.