أنَّ الإلحاد اليوم قد انتشرَ في بلاد الغرب والشَّرق كانتشارِ النَّار في الهشيمِ، ولا غرابة، فهذه نتيجة طبيعيَّة في أوساطِ بلادِ الكفر والشرك، لمُصادمةِ الأديانِ المُحرَّفة والاعتقاداتِ الوثنيةِ للفطرة الصَّافية والعقل السَّليم، وأما ما يُسمعُ من عِباراتِ الإلحادِ من بعضِ شبابِ الإسلام، فقد يقال: إنَّه موضةٌ جديدة وتقليد أَعمى، كعادتنا في اتّباع الأمم الأخرى كما أخبرَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ، حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ “، وقد يكونُ مِن أسبابِه:
الإعجاب بحضارةِ الغربِ والشَّرقِ التي تخطف أبصارَ الأعيانِ، واعتقاد أنَّهم وصلوا لذلك بسببِ الإعراض عن الأديانِ،ودعوني أصارحكم في أنَّ الغربَ كانَت له بداية صحيحة، هي التي أوصلتْه إلى الرُّقيّ والعلم والازدهار، كما شَهدَ بهذهِ الحقيقة واحد من كِبارِ فَلاسفةِ الغَربِ وعلمائهم، وهو المؤرخ الفرنسيّ “غُوستاف لوبون”؛ حيث قَال في كتابه: “حضارة العرب”: “إنَّ حَضارة العَربِ المسلمين قد أدخلت الأممّ الأوروبية الوَحشية في عَالم الإنسانية، وإنَّ جَامعات الغربِ لم تَعرف لها مَوردا علميا سِوى مُؤلفاتِ العربِ؛ فهم الذينَ مَدَّنوا أوروبا مَادةً وعَقلًا وأخلاقا، والتَّأريخ لا يَعرف أمَّة أَنتجتْ مَا أَنتجوهُ “.
أما اليوم : فلو تأملنا قليلاً، لعلمنا عِلمَ يقين أنَّها أصبحتْ كفقاعةِ الصَّابونِ، كبيرة وتتلألأ ولكنَّها خاوية من الدَّاخلِ، ولرأينا رأي العينِ أنَّهم أترفوا البدنَ ونسوا الرّوح، وأشغلوا العقل وعطَّلوا القلب، وأنّ هذا النَوعَ من نمطِ الحياة لا يُمكن أن يدوم طويلا، كما قالَ الفيلسوف الألماني “اشبنجلر” في كتابِه تدهور الحضارة الغربية: “إنَّ حَضارةَ الغرب جَاوزت مَرحلة الشَباب والقَوّة، ودخلت في مرحلة التَّدهور والشّيخوخة”.
قد يكون من الأسبابِ، هو الانفتاح على ثقافات العالمِ المُختلفة، والإطلاع على نظريات الفلاسفة، والمليئة بالإلحاد من خلالِ الكُتب والأفلام ، ولا شكَ أن كلامَ الفلاسفة له تأثير عجيب فعَّال، وله رونق وجمال، ولكنَّ عاقبتَه شرّ ووبال، فهم يُعظّمون العقل وينسون خالق العقل، ويؤمنون بالأشياء الحِسيَّة ويكفرون بالأشياء الغيبية، فيبقى الشَّاب والفتاة في صراع نفسيّ بينَ إيمانه وبين تلك الكلمات الرَّنانة.
قد يكون من الأسباب، هو كبت ذكاء الطِّفل وهو صغير، وزجرُه عندما يطرح السؤالَ الخطير، من هو الله؟، كيفَ يرانا الله ونحن داخل البيت؟، وغيرها من الأسئلة الصَّعبة والتي توافق خيال الطَّفل الواسع.. فإذا وجد الصُّدود في الإجابة عن أسئلته، فإنَّه قد يذهب لمصادر غير صحيحة للحصول على المعلومة، أو سيبقى في شكّ وفي حيرة، وهذا قد يُؤثر على كلّ ما يتلقَّاه مُستقبلا من مسائل الإيمان والعقيدة.
فما أجمل أن تقول له إن كُنت لا تعلم: لا أعلم، ولكنَّه سؤال جيد، وسأبحث عن إجابته، ولا تتركه هكذا يتخبَّط بينَ الشُبهات، قد تكون من الأسباب، هو حبّ الشهرة ومخالفة المألوف، وصرف النّظر إليه وجمع المتابعين بالألوف،وقد يكون لأجلِ الانغماس في الشَّهوات، وقد يكون لعاملٍ نفسيّ كموقف شخصيّ، وقد يكون لسببٍ مَرضيّ كوسواس قهريّ… وقد يكونُ ..
إنّ أعظم ما يواجه به فِكر الإلحاد في كلّ زمان ومكان، هو تربية أنفسنا وأبنائنا على الإيمانِ والقرآن.. ففيه الهدى والنور وانشراح الصدور، وأخيراً: مساكينُ هم الملاحدةُ؛ فإنَّ من أنصف الحُكم على كلامهم وحالهم، فإنَّه سيصل إلى النَّتيجة التي وصل إليها من قضى عمره معهم، ثم وصف حالهم في بيتين:
لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ الْمَعَاهِدَ كُلَّهَا *** وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ
فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ *** عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِمِ