الشيخ طنطاوي جوهري: العالم الإسلامي والمصلح الإجتماعي

النهضة

بقلم محمد أنس الكولاني

قد مرّ في التاريخ عدّة من العلماء العباقرة الذين حملوا لواء الحركات الفكرية في الدين الإسلمي مع ميزاتها المبدعة التي فتحت أبوابا جديدة في تأويل القرآن الكريم حسب طلبات الأزمنة المختلفة. وكان المفسّرون في مقدّمة هؤلاء العلماء لأنّهم فاقوا غيرهم بصحّة فراستهم وجودة تأويلاتهم لكتاب الله عزّوجلّ مقتبسين الإرشادات والإشارات من السّنّة النبوية. ونجد اسم الشيخ طنطاوي جوهري في زمرة أولئك المفسرين المهرة متميّزا بدراساته النيرة واختراعاته الجلية في القرن العشرين. فسارت شهرته من المشارق إلى المغارب بعد كتابة تفسيره المشهور الجواهر في تفسير القرآن مهما كانت له عدّة من التأليفات تعالج القضايا المتفنّنة التي تحرّكت بها أفكار العالم الإسلامي وحرّضتهم للتفتيش والتحقيق في كتب جميع المجالات العلمية بعد أن وضعت العولمة أيديها القابضة على الأمة المسلمة.

ولادته ونشأته

ولد الأستاذ الشيخ طنطاوي جوهري في قرية كفر عوض الله حجازي ، إحدى قرى الشرقية سنة (م1870-1287ه) و كان عوض الله حجازي  جدّه لأمّه. وقد بدأ حياته بالزراعة مع أسرته الفقيرة التي أولعت بالمحبة العلمية والمودة الدينية لمجاورتها مع علماء جامعة الأزهر. أمّا والده الشفيق كان يشتاق ابنه أن يكون من العلماء الذين يعلّمون الدين ويزينون المجالس بالمباحث العلمية والفنية.

دراسته

تلقى الشيخ طنطاوي دراسته الابتدائية بمصر على يد أبيه وعمّه الشيخ محمد شبلي الذي كانت له قبولية في بلدته. ودرس في المدارس الحكومية حتى يلتحق بجامعة الأزهر سنة 1877م ومنها أتقن الشيخ العلوم الدينية والعربية وطالع منها كثيرا من الكتب في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله والعلوم الأخرى.وبعده انتفل إلى مدرسة دار العلوم سنة 1889م وتعلم منها مبادئ الموادّ الحديثة كالحساب والهندسة والجبروالفلك وعلم النبات والطبيعة مع دراسة الفقه الحنفي على الأستاذ الشيخ حسونة النواوي. ومع ذلك كلّها عنى بدراسة اللغة الإنكليزية التي كانت مهمة في ثقافته وسعة معلوماته العلمية.

حياته العملية

تبدأ حياته العملية من المدرسة الخديوية التي قضى فيها الشيخ عشر سنين من السنة 1900 إلى سنة 1910 بعد أن تخرّج في دار العلوم. وفي أثنائها عكف على تعلّم الغة الأنجليزية حيث أتقنها  وقرأ كتب كبار الإنجليز وترجّم بعضا من مؤلّفاتهم ولا سيما من مؤلفات “الورد إفبوري” كما ترجم بعض الأشعار لشعراء الإنجليز. وقد عين الشيخ طنطاوي مدرّسا للتفسير والحديث سنة 1911م بمدرسة دار العلوم  ليلقى بها محاضرات على طلابها في الفلسفة الإسلامية. وفي هذا الزمن ناصر الشيخ طنطاوي الحركة الوطنية في مصر ووضع كتابا في نهضة الأمّة وحياتها طبعها تباعا في جريدة اللواء.

وبعد أن هاجت الحرب العالمية الأولى تلاطمت أمواجها بمصر حتى أخرج الطنطاوي من دار العلوم باتهامه على وطنيته وعلاقته بالدول الأوربية في خطبه وكتابته وأحاديثه. ثم انتقل إلى مدرسة العباسية الثانوية الإسكندرية وأسّس فيها جمعية من الطلّاب وسمّاها الجمعية الجوهرية، و كان لها أثر عظيم في بثّ الوعي القومي والثقافة بين الشباب الإسكندريين. وفي أثنائها دعي مرّة ثانية إلى القاهرة للتدريس بجامعة الخديوية حيث انتهز هذه الفرصة لتأليف الكتب في مختلف الموضوعات.

القائد المصري

وكان الشيخ طنطاوي يشتاق حركة دينية بين المسلمين خاصّة بين الشباب في المجالات العلمية المتفننة لمعالجة جميع القضايا العلمية المرتبطة بالعلوم الحديثة التي فتحها العلماء الأوربيون مع كونها ثقافة مرهونة عند العرب. فلمّا تخلّى الشيخ عن التدريس سنة 1922م انقطع للتأليف وأخذ يواصل الكتابة بأسلوبه الفريد النادر. كما أنّه أسّس جماعة الأخوّة الإسلامية كان يجمع الطلاّب المسلمين  من الشرق الأوسط ومن الشرق الأقصى حين جاؤا إلى مصر ليتعلّموا فيها.وكان عضوا في جمعية البرّ والإجسان وفي جمعة الشبان المسلمين.

الكاتب الإسلامي

يعدّ الشيخ طنطاوي جوهري من كبار المؤلّفين. فقد ترك لنا أكثر من ثلاثين كتابا تبحث عن مختلف فروع المعرفة مكتوبة كلّها بطريقة فريدة التي تقارن بين العلوم الحديثة و العلوم الإسلامية.

فمن أشهر كتبه

1-التاج المرصع بجواهر القرآن والعلوم

2-نهضة الأمّة وحياتها

3-جمال العالم

4-جمال الطبيعة وعجائب الكون

5-جواهر العلوم

6-أين الإنسان

7-القرآن والعلوم العصرية

8-الجواهر في تفسير القرآن

الجواهر في تفسير القرآن

كان التفسير “الجواهر في تفسير القرآن” من أبرز التفاسير في مجال التفسير العلمي لكونه تناول قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بأشمل وجه ولاشتماله على عجائب وبدائع المكونات وغرائب الآيات الباهرات.

فقد صنّف فيه طنطاوي منهجا جديدا ليعتبر به المسلمون في العصر الراهن و هذا التفسير  قد فاق التفاسير كلّها باكتشافاته النادرة عن الآيات الكونية  مع دراساته في الفلك والطبّ والهندسة والسياسة والاجتماع وكلّ علم ما في السماء والأرض وكلّ ما انتهت
إليه الثقافة في مختلف عصورها.

مزيته في تفسيره

للشيخ طنطاوي مزية خاصّة في تفسيره على أنّه قام على تقسيم السورة إلى أقسام  وذكر مقصد كلّ قسم مع أنّ هذا شيئ جديد استحدثه الشيخ في تفسيره ويهتمّ بعلم المناسبة القرآنية وهو ينتقل من التفسير اللفظي إلى لطائف الدقيقة والظواهر التي تنبّه الأذهان إلى سرّ غامض.

ويستخدم في تفسيره أسلوب المحاورات ويدخل فيها أشعاره ومقالاته ما قد كتبها في الصحف والمجلات. وقد يستغرق في موضوع علمي فيملأ الصفحات العديدة حول ذلك. ويعزّره بغرائب الحوادث والواقعات ويستشهد على ذلك بجدول وتقرير رسمي.

تحقيقاته

تحقق الشيخ طنطاوي في كتابته غايتين نبيلتين:

الأولى: مكافحة دعوات الكفر والإلحاد  التي تستهدف هدم مدرسة الفكر الإسلامي الحديث. فسلك فيه مسلك الباحث في العلوم الحديثة من رياضة وفلك ونبات وحيوان وطبيعة وسائر العلوم الأخرى داعيا المسلمين إلى القرآن والتعليمات الدينية والاهتداء بها.

الثانية: هي جمع كلمة المسلمين من شيعة وسنّة على اختلاف مذاهبهم ومسالكهم الفقهية لأنّه أراد اتباع المنهج العلمي بكشف الآيات المتعلقة بالآفاق والأنفس اكتشافا كاملا مع الآيات التي تعرّض المسائل الفقهية التي دار حولها خلاف بين المذاهب والفرق وأورثت تفرّقا واختلافا عقديا.

طريقته في عرض الإعجاز العلمي:

فقد أقبل الشيخ
إلى طريقة بديعة في عرض الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وهده الطريقة تأخذ مسارات ثلاثة

الأوّل: إثبات أن بعض الآيات تحدثت بالفعل عن حقائق علمية يقينية لم تكشف إلا في العصور الحديثة.

الثاني: تأويل بعض الآيات لتتماشى مع ظواهربعض المكتشفات العلمية الحديثة.

الثالث: عرض المكتشفات العلمية الحديثة في تفسيره بصورة عرضية من باب  الاستطراد.

والمسار الثالث هو الغالب في تفسيره وطريقته هذه اتهمت بمعاني الغرور والخداع ولكنّ الشيخ طنطاوي أثبت دعاويه بالدلائل والبراهين من مختلف الواقعات التي وقعت في مختلف أنحاء العالم.

الخاتمة

كان الشيخ طنطاوي جوهري عالما مصقعا أبرز خبايا العلوم باكتشافاته وأضحى حياته للدراسات والتأليفات المتنوّعة. فصار عالما دينيا إسلاميا وطنيا مع أنّه كان اجتماعيا عالميا جمع بين الثقافة الدينية و المشاكل الحديثة ومزج المسائل الدينية بالآراء الاجتماعية والسياسية. وبراعته لاتزال تظهر في تأليفاته الني تكون مرشدة لجميع الباحثين والمتعلّمين.

المصادر و المراجع

1-الشيخ طنطاوي جوهري: دراسة ونصوص

2-مناهج المفسرين، الدكتور مساعد مسلم جعفر

3-منهج الشيخ طكاوي جوهري في تفسيره الجواهر، إسماعيل عبد الله