بقلم: عبد القادر سعد محمد (محاضر جامعة آسام، سيلتشار)
قد صور شاعر الهند المرموق الأقدم “كالداسن” في شعره “ميك سنديش” تنوعية الهند وتعدديتها. فالشعر قصة جن يحكي رسالة عشق وغرام لزوجته الحبيبة للسحاب الذي يجري من الجنوب إلى الشمال. يصور فيها الشاعر تعددية الثقافة الهندية وحضارتها وطقوسها ورسومها ورواجها للسحاب بأسلوبه البارز وشاعريته المرموقة. ففي هذه الأيام نرى حكومة الهند التي يشكلها حزب بي.جي.في تتوجه إلى تشكيل الهند علي قالب واحد باسم تطبيق قانون مدني موحد على جل سكانها. ومن الأسف الشديد أن خطتهم السرية التي أخفوها تحت نعر “تقوية وطن الهند” هي في الحقيقة تقوية العصبية والطائفية الهندوسية والسعي الحقير لها.
لا يخفى على أحد من العقلاء أن الخطر العظيم مخفي تحت عنوان “الهند القوي” كما أشار إليه الأديب الكرناتكي يو. ار أننتمورتي المتوفى حاليا. فالأمر الذب يوقع حزب الهندوسية في مخافة وحرج هو تعددية الهند الدينية والإجتماعية و تنوعيتها وبقائها الأبدي واستدامتها السرمدية .فآمالهم تبديلها إلى ما توحي لهم أهواء أنفسهم بمساعيهم المكيدة وغررهم الفاحشة. فليتلقينّ هذا الحزب الملعون خطرا عظيما جزاء لمساعيهم الفاحشة لتغيير تعددية الهند الدينية والحضارية والإجتماعية والثقافية لسوء نياتهم الهالكة باسم الهند القوي ضد طبعية الهند النقية وهويتها الممتازة الفاخرة.
فالسعي لتوحيد التعددية والتنوعية مهما يكون جمالا للنظام الهندي سعي مذموم لأداءه إلى هدم دستور الهند وتقليب نظامها واستئصال عمليتها التعددية بالتمام. فخصوصية الهند اللامثيلية ومزيتها العليا محافظتها على التعددية كالأزهار الملونة المتنوعة واستدامتها مع بيئة السلامة الإجتماعية والدينية تحت رعايتها.
دستور الهند يصدق هذه التعددية و يوافقها مائة في المائة. البنود للنظريات الأصولية التي تعتبر ركنا أساسيا للدستور يستوعب و يصدق هذه التعددية الوطنية. لكل مواطن حرية دينية للاعتقاد بأي دين ونشر مفاهيمه التي لا تعارض نظام الوطن الجماعي وإستدامة الأخلاقية والنظريات الأصولية الأخرى وفقا لمادة 25 كما يسلط عليه الضوء ما في السطور التالية: (Subject to public order, morality and health and to the other provisions of this part, all persons are equally entitled to freedom of conscience and the right freely to profess, practice and propagate religion (article 25)
يحقق الدستور لجميع مواطني الهند حرية الثقافة والحضارة مع ما يوفرهم حرية الدين والاعتقاد، وتؤسس مادة 29 للدستور هذه الحقوق الأصلية. فهذه الحقوق تقوم كمساعد على محافظة اللغة والحضارة الأقلية والدفاع عن السيطرة عليها
(Any section of the citizens residing in the territory of India or any part thereof having a distinct language, script or culture of its own shall have the right to conserve the same).
قوانيننا الشخصية معتمدة على الحقوق الدستورية ومبنية عليها. فالمراد بهذه الأصوات البشعة التي ترتفع بدعاية تشكيل “قانون مدني موحد” هو توحيد القوانين الشخصية النادرة مثل القوانين الأخرى. ومن الحقائق الواضحة مثل رابعة النهار أن للهند قانون الإجراءات المدني ((Civil procedure code. فهي التي تتعلق بعملية المحاكم الهندية لحل القضايا المدنية وفق قانون الإجراءات المدني.
فلا دخل للقوانين الشخصية إلا في بعض أحوال المواطنين الشخصية التي لا ينبغي أدائها مع اعتناء الطقوس الدينية وعقائدها وقواعدها الخاصة. فليس لها انعقاد ولا عبرة إلا إذا كان الطرفان من فرقة واحدة ومفاهيم مطردة. وتبقي هذه القوانين الشخصية مختلفة لأغلبية الوطن. وتستمر قوانين الأحول الشخصية للهنادك والمسلمين والمسيحيين بدون عائق ولا مانع. فقانون الأحوال الشخصية للمسلمين وفقا لمادة الشريعة الإسلامية والتي تم إقرارها منذ عهد البريطانيين وتحصر على معاملات قليلة مثل النكاح والأمور التي ترتبط به، والإرث ، والتبني والوقف. فبالإضافة إليه قانون الزواج الخصوصي مروج في الهند لأن يتزوج على طريق اللادينية بدون إعتناء الطقوس الدينية والعمليات الزواجية المذهبية لمن لا يهتم بالعقائد الدينية.
فاالآن بعض الأحزاب تعرق جبينها وتكد يمينها لتنفيذ القانون المدني الموحد تحت خطة سرية قبيحة وتسعى كل جدهم وجهدهم لهذا المرام الفاحش في وطن الهند المقدس محرث الثقافة التعددية ومنبع التنوعية. ولما أعلنت المحكمة العليا للهند سنة 1984حكمها في قضية “شابانو بيكم” وفقا لفقرة 125 لقانون الإجراءات المدني وبحثت عن القانون المدني الموحد، شاهدنا أن جميع الأحزاب السياسية آن ذاك عارضتها معارضة شديدة. فساعدت حكومة السيد راجيف غاندي الإسلام والمسلمين لحل هذه الأزمة بأن يسمح للعضو البرلماني السيد بنات والا المحترم لتقديم مشروع قانوني خاص في برلمان الهند.
وقد صارت مادة 44 التي هي من النظريات المقترحة موضوعة للمناظرة والمجادلة في مجلس إنشاء الدستور، وأشكل بعضهم عن أصالتها وجدارتها لإمكانية تسببه لهدم الحقوق الأساسية الدستورية. فمنهم كان قائد الملة السيد إسماعيل صاحب والسيد في فوكر صاحب وبعض قواد الهندوسيين. فأجابهم مصور دستور الهند الدكتور السيد أمبيدكر” لا حاجة للتفكر عن هذا القانون إلا إذا صار ذلك مقبولا عند سائر فرق الهنود وأشياعهم”. الجدال والشجار على اسم هذه القضية التى ارجئت بأعضاء مجلس إنشاء الدرستور إلى زمن مستحيل وعصر متعذر، السياسة الفاحشة المختبأة تحته هو الأخطر والأرعب بالنسبة إلى علمانية الوطن. على أن انعدام التسامح ونعره أخطر وأرهب من انعدام هذا القانون المدني الموحد. قتل الإنسان ضربا بإلزام أكل لحم البقر وإطعام بائع البقر السرجين والاضطهادات الشائعة ضد القبائل السفلى صارت لعن الهند السرمدي وعرضة للطعن الأبدي دوليا.
فهذا الإنعدام التسامحي هو آمالهم الفاحشة ورغبتهم القبيحة لتبديل الهند وفق خطتهم السرية وإطارهم الديني والشيوعي. فهذه التعددية والتنوعية التي حصلتها الهند طول قرون طويلة هي ميزتها الخاصة وشيمتها السامية. نرى حتى في الدين الهندوسي إعتقادات متنوعة و طقوسا متعددة. ومن اللازم المحافظة على بيئة الهند الحضارية و الثقافية وإبقائها مزينة بهذه التعدÉدية وملونة بهذه التنوعية. فالتعددية الحضارية الهندية بسيطة مثل تعدديتها الجغرافية وكتعدد البحار السبع وسبعة ألوان .
فهذه الأصوات المرتفعة والضوضاءات المتضاعفة لتطبيق القانون الموحد خطة سرية للحزب الهندوكي المتطرف وجدول أعمال أعداء الإسلام والمسلمين وأعداء العلمانية لتهديم هذه التعددية الهندية المتفاخرة أمام الدول العالمية. أتذكر الآن جواب زعيم حزب سياسي علماني كان من جملة الزعماء السابقين بالهند نحو تطبيق هذا القانون قبل عشرين سنة لما سأله الصحفيون “أي قانون قدوة تقترح لهذا القانون المدني الموحد؟” فكان جوابه “القوانين الهندوسية كافية له”.
فهذا هو جدول أعمال سريية للهندوكين المتطرفين وأحزابهم السياسية لتهديم ميزة وطن الهند وتعدديتها الجذابة. لمن الأرباح والفوائد بهذا الإسراع السفيه لتطبيق أضغاث هذه الأحلام الأوتوبية قبل حلول أزمات متنوعة وقضايا متعددة التي تواجهها الوطن الهند وأبنائها؟ بإطباق هذا القانون الذي ليس من الإمكان تطبيقه حتى في الهنادك على سائر شعوب المتعدة الهند وأديانها المختلفة تظفر بالحقيقة جدول أعمال سريية للهندوكين المتطرفين وأحزابهم. فها هو الوقت لمكافحة هذه الحركة الخطيرة حاسمة نظام الوطن الأم مع معاونة سائر أحزاب العلمانية والديموقراطية واللادينية.