بقلم: عبد الرشيد الوافي
زهراء ومجيد صديقان حميمان منذ الطفولة، لكن ما جعل حبهما غريباً أنهما كانا عدوين لدودين قبل أن تنساب الألفة بينهما، فما هو سبب عداوتهما…؟. كانا جارين ويسود التآلف بين أسرتيهما، لكن زهراء ومجيداً كليهما بقيا خصمين عنيدين، بلغت زهراء من عمرها سبعة أعوام بينما كان مجيد ابن تسعة، وكان من عاداتهما أن يكشر أحدهما في وجه الآخر ويخيف كل منهما الآخر…!!!
مرت الأيام كعادتها… حل زمن حصاد الأنبج، وبدأ الأنبج الناضج يسقط من شجرة صغيرة بقرب بيت زهراء، لكنها لم تجد واحدا من الأنبج، إذا سمعت صوت الأنبج الساقط هرولت إليه فإذا مجيد يأخذه ويقضمه، وكان لا يناولها إياه…!! فإن تظاهر بأن يعطيها أنبجا كان ذاك مقضوماً بأسنانه، فإذا مدت يديها كان يمد مرفقه قائلا « اقضمي»، فوق ذلك… كلما رأى مجيد زهراء كان يحاول أن يخيفها بأن يحدق فيها بعينيه ويخرج اللسان إلى خارج فمه..!!!
لم تخفه زهراء قط، بل كانت تفعل مثلما فعل مجيد، لكنها أطرقت رأسها في شأن الأنبج، لِمَ لَمْ تجد أنبجا…؟ كانت تقف تحت الشجرة سواء هبت الريح أم لم تهب، لكن لم يسقط منها شيء حتى ورقها، وكانت تعرف أن الشجرة تحمل أغصانها عناقيد من الأنبج الناضج، إن لم يسقط فلا سبيل إلا أن تتسلق كي تقطفه، لكن النمل كثير، قد تلسعها لتقتلها…؟ فإن لم تجد جماعة النملة هل بإمكانها أن تتسلق الشجرة…؟ أليست هي امرأة…؟!…
يوما من الأيام… بينما كانت تقف وفمها يتحلب إذ سقط شيء من الأغصان محدثا صوتا دويا، وا… أسرعت زهراء إلى الوجهة التي ارتفع منها الصوت، فهمت بأخذ الشيء الساقط والفرح خيم على محياها، لكنها استحت منه…! كان ذلك جوز الهند الصغير، هل شاهد أحد ما وقع منها..؟ لا…. بل كيف يسقط جوز الهند الصغير من شجرة الأنبج…؟ نظرت إلى كل ناحية، فرأت..!! وارتجفت ضجرا وخجلا، هو…!!!
أحدث مجيد صوتا لا معنى له… جوك جوك..!! جوك جوك..!! كأنه قائد انتصر على أعدائه، ثم أتى إلى ظل الشجرة، فلم يقتصر على ذلك، بل غض طرفه، ومد نحوها لسانه ما استطاع، منظر هائل…!! إذا رأته فتيات هذه القرية ارتعشن خوفا فهربن منه صائحات… يا الله… قد وقع هذا مرات، لكن زهراء لم تكن فارة، على النقيض… وقفت ملوية برأسها باسطة لسانها محدقة بعينيها…
تطايرت سهام الحنق من عيني مجيد، أتحاول صبية أن ترهب غلاما كبيرا…!؟ ثم اقترب منها قليلا، فحدق بعينيه وحواجبه متسعة حنقا، ومنخراه منتفخان غضبا، ثم أخرج صوتا مروعا دويا، كرررر… لكن لم تفر منه زهراء خوفا وفزعا، بل رفعت حواجبها، وحملقت إليه، ثم كبرت أنفها قائلة أيضا…. كرررر، كأن مجيدا فقد صوابه وحار في أمره، صبية…!! بنت تاجر فقير يبيع الأريقة..!!! لِمَ لا تخاف ابن تاجر ثري يبيع الأخشاب…؟ مهما كان…. ألم تخف المرأة رجلا..؟ دنا مجيد إلى زهراء أكثر، بل لم تتنح عن مكانها قط، قد غض ذلك من عرض مجيد، فتحرك غضبا، كيف تجرؤ الصبية على هذا…؟!!
فأمسك بذراعها سائلا بغضب وجدية «ما اسمك…؟» ليس هذا ليعلم اسمها، فإنه كان يعرفه جيدا، ألم يكن سائلا عن شيء…؟ أليس مجيد من الرجال…؟
جرى ذلك كله موهما بأنه يفتك بها فورا، صرّت زهراء أسنانها الصغيرة وأظفارها الحادة، وظلت مترددة بين أن تعض ذراعه عضا يمزقه قطعا وبين أن تخدش وجهه، فصرخ مجيد بأعلى صوته قائلا : «ما اسمك…؟» لم ينادها أبوها وأمها بل أحد هكذا، فكيف ينادي هذا الغلام القذر الذي كشر في وجهها ولم يعطها الأنبج وقال لها أن تقضم مرفقه…؟ اندفعت قليلا وقلبها متقد حنقا ثم خدشت ذراعه اليمنى خدشا شديدا بأظفارها الحادة…
تلوى مجيد ألما ووجعا كأن جسده مخدوش بمسمار حاد، فترك ذراعها وصرخ بأعلى صوت قائلا « يا الله «، حقا… لم يكن ذلك في حسبانه، فقصد أن ينتقم منها بأن يخدشها بدلا، لكنه لم يجد أظفارا إذ كان قد قضم كلها من قبل، فما له إلا أن يعض زهراء ويلكها، لكن دبت في قلبه فكرة أنها تقابله بمثله، مهما كان… قد خدشته…!! فإن علم الناس أنها لكمته أيضا فأليس ذلك عارا عليه…؟؟ فلم يفعل شيئا، بل وقف في خجل وحياء..
المؤلف : فايكوم محمد بشير أحد من أدباء الهند، أديب روائي قصاص كما كان مفكرا إنسانيا، ولد في اليوم الحادي والعشرين من يناير عام 1908 في فايكم بولاية كيرالا، فاض عن ريشه عدد من القصص والروايات في لغة أمه (مليالم)، له مجموعات قصصية وروائية، ونقل أكثرها إلى اللغة الإنجليزية كما تحول بعضها إلى فيلم، وحاز على جوائز شتى مثل بادما سري الذي ناله عن الحكومة الهندية سنة 1982، وتوفي في اليوم الخامس من يوليو عام 1982….