القدس حيث الجمال والجلال

مجلة النهضة

بقلم فارس صالح

الشمس يعصرها المدى فتسيل

في البحر يذوي ظلُّها المبلولُ

والغيمُ غلّقَ للسماءِ نوافِذًا

وعلى فتاها ضاقتِ اسطنبولُ

ألقاهُ مُلتاعَ الفؤاد جريحَهُ

في نارِ شكٍّ بالُهُ المشغولُ

فطريقُهُ من غير حدٍ لو مضى

فيها يراها عن خطاهُ تَطولُ

يا راميَ الأشواقِ إنّ سهامكَ النّجلاءَ

 في صدرِ الغريبِ نُصولُ

مُذ مسّهُ سرُّ التصوف قد غدا

غُصنًا إذا هبَّ الغرامُ يميلُ

الوجدُ يذبحُ صبرَهُ فكأنما

بين الحنايا قاتلٌ و قتيلُ

يمضي بلا زادٍ خفيفًا زاهدًا

صبًّا حُسينيًّا مناهُ قَبولُ

مذ دار دورتَهُ المعاني حولَهُ

دارتْ وبان سبيلُها المجهولُ

فإذا تبددتِ النجومُ وأَطفأت

وجهَ الليالي.. قلبُهُ قنديلُ

وإذا تجمّعتِ الكنوزُ وكُدّست

في بابهِ سيقولُ: ذاك قليلُ

رملُ الصحارى في يديهِ بيادرٌ

والشوكُ فوق جبينهِ إكليلُ

ويرتب الدنيا على إيقاعِهِ

بيدِ البلاغةِ شعرُهُ المصقولُ

حَتّامَ يرنو للقاء وعينُهُ

ما زالَ يسلبها الدموعَ رحيلُ؟

وإلامَ يدنو و البلادُ بعيدةٌ؟

و علامَ يبكي والديارُ طُلولُ؟

القدس في جنبيهِ يُشعلُ روحَهُ

رغم الليالي فجرُها المأمولُ

وترابُ غزةَ في يديهِ وصوتُها

في قلبهِ أنّى مضى محمولُ

هذا الفلسطينيُّ فارسُ قومِهِ

و عتادُه إيمانُهُ المسلولُ

وجهٌ صبورٌ فوق جسمٍ نازفٍ

في الغار لا يحنو عليه خليلُ

انظر إلى الأغلال كيف يفكّها

والكون في سكَراتِهِ مغلولُ

الظّاهرُ السامي، على أسواره

تقفُ الغزاةُ وسعيُها مَخذولُ

يلقى البلايا باسمًا وهي التي

لما تحِلُّ على سواهُ تَهولُ

هذا فتى كنعانَ كلّ مكارمِ الأبطالِ في الدنيا إليهِ تؤول

حِملٌ تَقلّدهُ لوَ أنّ قليلَهُ

بُليَت بهِ صُمُّ الجبالِ تزولُ

والأرضُ خاويةٌ على أعقابِها

قالتْ: من الباني؟ فقامَ جليلُ

مَن يكفلُ البحرَ اليتيمَ؟ تقدّمتْ

يافا وقالت: إنني لكفيلُ

مَن يحفظُ الرحمن في آياتِه؟

هل غيرُ قدسِ الأنبياءِ وكيلُ؟

يا موطنًا في الخلدِ جلّ جلالُهُ

ما رُتّلَ القرآنُ والإنجيلُ

اخلع سرابَكَ يا ابن آدمَ قد أتى

بالحقد يشحذُ سيفَهُ قابيلُ

زيتونةُ الإنسانِ تحت ظلالِها

شعبي المفدى شاهدٌ ودليلُ

يا أمتي نادى: أليس تضمّنا

لغةٌ وتاريخٌ دمٌ ورسولُ

أجريتُ من دميَ المقدس أنهرًا

كي لا يجفَّ فراتُنا والنيلُ

وصعدتُ مقصلتي و ليس يردني

عن دربِ مجدي خاذلٌ وعذُولُ

يا أيها المسجونُ خلفَ حصونِهِ

ومن القيامةِ يعتريهِ ذهولُ

انظر مليًّا في جراحي إنها

جيشٌ كتائبُهُ تصولُ تجولُ

كم سوف يحميك الحديدُ؟ و يا تُرى

أظننتَ يُعجزُني إليك وصولُ؟

انظر مليًّا في جراحي وارتقب

من فوق رأسك يأتِكَ السّجيلُ