مسيرة الشيخ أبي الحسن الندوي مع رابطة العالم الإسلامي

بقلم منهاج محمد

أكاديمية الإمام أبي بكر بن سالم

الهند منذ قديم الزمان أنجبت علماء كثيرة وفضلاء عديدة، ومن أشهر هؤلاء الذين عاشوا في القرن الماضي الشيخ أبو الحسن الندوي، كان عالما قديرا وداعيا شهيرا وأديبا ماهرا،أترع الندوي رحمه الله المكتبات الإسلامية والثقافية بتأليفاته القيمة حتى فتح له جناح خاص في بعض معارض الكتب العالمية الشهيرة، كان يملك أسلوبا آسرا في إعداد المواضيع وأدائها، فانجذب إليه الناس كما ينجذب الحديد إلى المغناطيس، المسلمون في شبه القارة الهندية كلها يفتخرون بهذه الشخصية الفذة، وكان له حركات دعوية بناءة في البلدان الإسلامية عامة وفي الهند خاصة، كثير من تلك الحركات كان تحت أنشطة رابطة العالم الإسلامي حيث كان بينه وبين الرابطة صلة وطيدة منذ تأسيسها وهي استمرت على هذا المنوال إلى أن وافته المنية، شارك الندوي في أكثر مشاريع علمية ودعوية أطلقتها الرابطة في حياته، وتحدث عنه الندوي نفسه في سيرته الذاتية ‘في مسيرة الحياة’ بالتفصيل، وتجاربه كشخصية إسلامية شهيرة مع الرابطة تكون بمثابة وثيقة تاريخية تبين لنا حركات الرابطة الدعوية وتأثيرها في المجتمع، وكذلك يبين لنا مراحل تطورها إلى أن صارت منظمة عالمية ذات تأثير كبير في الحركات الإسلامية والدعوية على المستوى العالمي، عبر هذا المقال سنتعرف على بعض جولاته العلمية والدعوية مع رابطة العالم الإسلامي مما ذكر عنها في سيرته الذاتية،

تبدأ رحلة الندوي مع الرابطة منذ تأسيسها في سنة ١٩٦٢، كان الندوي أتى إلى السعودية ملبيا لدعوة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للمشاركة في جلستها الإستشارية الأولى، وقبل حضوره في الجلسة ذهب الندوي إلى مكة المكرمة لأداء الحج، بينما هو ينتظر الحج وجهت إليه دعوة من قبل أحد أعيان مكة المكرمة الشيخ محمد صالح القزاز (تولى الأمانة العامة للرابطة فيما بعد) للحضور في مؤتمر إسلامي يعقد بتاريخ ١٤ ذي الحجة في القصر الملكي مع حضور الملك سعود، وانعقدت الحفلة مع حضور كبار الشخصيات من العلماء والدعات والملوك والأمراء من مختلف أنحاء العالم، وقد أسست هناك منظمة إسلامية عالمية باسم رابطة العالم الإسلامي، واختير الندوي كأحد من الأعضاء المؤسسين، فمن هنا شرعت صفحة جديدة في حياة الندوي مع هذه المنظمة المباركة، وذلك وهو في عمر ٤٨، منذ هذا اليوم كان للندوي مكانة طيبة بين أعضاء الرابطة، اتفق مرارا أن رئيسها الدائم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -شيخ الإسلام بالمملكة ورئيس القضاة آنذاك- إذا قام لحاجة من الحاجات أو لم يشرف بالحضور كان الندوي يترأس على الجلسات، وألقى في جلسة الرابطة الأولى مقالا حول عنوان ‘الأخوة الإسلامية فوق العصبيات’.

وبعد ثلاث سنوات من تأسيس الرابطة في سنة ١٣٨٤ه الموافق ل ١٩٦٥م انعقد مؤتمرها الأول، دعيت إليه كبار الشخصيات من البلدان الإسلامية وغيرها، وقد كان الجلسة الأولى تحت رئاسة الملك فيصل رحمه الله، والباقي تحت رئاسة الملك فهد رحمه الله، ألقى الندوي في هذا المؤتمر مقالا بعنوان ‘تمثيل الحياة الإسلامية الصحيحة مسؤولية البلد الأمين، ذكر فيه أهمية الحفاظ على خصائصه ومكانته ومميزاته، عندما تحدث الندوي عن هذا المؤتمر ذكر عن خطبة الشيخ أحمد وبلو الداعية المجاهد والقائد المسلم ورئيس وزراء نايجيريا آنذاك، كانت خطبة إيمانية مثيرة باللغة الإنجليزية، انتقد فيها القومية العربية انتقادا صريحا.

الرابطة في إطار أنشطتها الدعوية قررت أن ترسل وفود إلى مختلف بلدان في القارات الخمس، وكان هدفها الرئيسي الاطلاع على أوضاع المسلمين ومؤسساتهم وحاجاتها وأعمالها، وكذلك لتعريف أهلها بأهداف الرابطة ورسالتها، فوجهت إلى الندوي قائمة البلدان التي تتوجه إليها الوفود ليختار نفسه البلدان التي يريد زيارتها، فحبب إلى الندوي -لصلاته الثقافية والفكرية وصلاته التعليمية- أن يشارك في الوفد الذي كان يتوجه إلى أفغانسطان وإيران ولبنان وشرق الأردن والشام والعراق، فاختارته الرابطة كرئيس لهذا الوفد، وكانت تلك الرحلة بين ٤/ حزيران ١٩٧٣ و٢٠ من آب ١٩٧٣، يتحدث الندوي عن هذه الجولة التي اشتملت على ستة أقطار إسلامية والتي استغرقت أياما طويلة بشكل مفصل في سيرته الذاتية مع بيان تجاربه الجميلة والغريبة، ويسلط الضوء على أهمية تاريخية لهذه البلدان في الصحوة الإسلامية.

وشارك الندوي رحمه الله في عدة مشاريع أخرى للرابطة ومؤتمراتها مثل مؤتمرها الآسياوي الأول المنعقد في كراتشي بباكستان وغيره من المؤتمرات، وهو مع صلته الوطيدة مع رابطة العالم الإسلامي وجد صعيدا رائعا لتطبيق علمه وفكره في خدمة الأمة المحمدية، وذلك في جانب وأما في جانب آخر هذه الصلة ففتحت له أبوابا جديدة لتوسيع حركاته العلمية والدعوية حيث توفرت له فرص غزيرة لإلقاء كثير من الخطب والمحاضرات في الجامعات والمؤتمرات والإذاعات في مختلف بقاع الأرض، فذلك بالدعوات الموجهة إليه من قبل الشخصيات الذين كوّنوا المعرفة معه عبر الرابطة.

ومما يجدر بالذكر أنه مع كل هذه الشعبية الواسعة والمكانات الرفيعة عاش نقيا تقيا زاهدا في الدنيا، قال علي الطنطاوي فيما ذكر عن زهد الندوي وتواضعه: “عرفت أبا الحسن من قريب في مكة وفي المدينة وفي دمشق، وعرفته قبل ذلك في الهند، فوجدته في الأحوال كلها مستقيما على الحق، عاملا لله، متواضعا زاهدا زهدا حقيقيا، لا زهد المتغفلين الذين يعيشون وراء أسوار الحياة لا يدرون ما الدنيا ولا يعرفون ماذا فيها، بل زهد العالم العارف بالدنيا وأهلها، فقد رأى الشرق والغرب، وزار الحواضر والأمصار، ولقي الكبار والصغار، وعاش صدر حياته في قصر الأمير نور الحسن، أسكنوه فيه بعد موت أبيه، فذاق حياة الترف والنعيم، ولكنه زهد فيه، فزهده ليس زهد الحرمان، ليس زهد الجائع الذي لم يجد الطعام، فوطّن نفسه على فقده، بل زهد الذي فقد شهوة الأكل والأكل أمامه، يحضر المؤتمرات، ولكنه يجتنب الفنادق الكبار التي ينزل فيها الوفود، وينزل في بيوت تلاميذه، وما أكثر هؤلاء التلاميذ”. وكذلك لما حصل على جائزة فيصل لخدماته الدعوية وزع مكافأتها المالية الضخمة كلها بين بعض المؤسسات الإسلامية.