الأديب الهندي بوناتل كنهي عبد الله.. روائي يذكره التاريخ

بقلم عبد الرشيد الوافي

قبل أشهر قليلة فقدت الهند الروائي القاص المالايالمي بوناتل كونهي عبد الله عن عمر ناهز 77 عاماً بعد صراع طويل مع المرض القاسي، ولد الأديب في قرية أونجيم بمقاطعة كالكوت في ولاية كيرالا بالهند في اليوم الثالثِ من أبريل عام 1940، بعد الدراسة الابتدائية انتقل إلى نيودلهي لاستكمال تكوينه العلمي، فدرس بجامعة عليكره الإسلامية حيث حصل على شهادة الباكالوريوس في الطب، ثم عاد إلى مسقط رأسه ليعمل طبيباً، فقصد الفقيد أن يكون طبيبا لكن الله شاء أن يكون كاتبا روائيا قاصا، فأكب على القرآءة والكتابة حتى أجاد اللغة المالايالمية وبرع فيها وتفوق، ومنذ وقت مبكرٍ شارك كنهي عبد الله في الحياة الثقافية بفاعلية حيث كان كاتب َعمودٍ للمجلة المالايالمية ماتروبومي ثلاث عشرة سنة، فطرح آراء فكرية مختلفة ومغايرة أثارت جدلاً ونقاشاً حاداً وعنيفاً بين المؤيدين لأفكاره والمعارضين لها..

وكان كنهي عبد الله أكثر أدباء المالايالم شهرة لغزارة نتاجه وتنوعه، وجُلّ نتاجه صدر باللغة المالايالمية، وغمس الأديب الألمعي قلمه في قضايا مجتمعه ليعبر عن الكثير من حيوات ضحايا الكوارث والمصائب، وتميز بوناتل من بين أقرانه؛ وتتجلى روعة رواياته في حسه الريفي واهتمامه بقضايا شعبية، كانت قريته مصدراً أساسياً في رواياته، فترك ثروةً هائلةً من المؤلفات التي تنوعت ما بين القصة والرواية والمقالة، وأصدر سبع روايات وخمس عشر مجموعة قصصية إلى جانب المقالات والمذكرات والرحلات، وأشهر رواياته “شواهد القبر” التي نشرها في حلقات منفصلة بمجلة ماترابومي المالايالمية، وتم جمعها في هذا الكتاب وعَدَّهَا النقاد حدثاً أدبياً من الطراز الأول، وفيها يحكي قصصاً وأحداثاً مختلفة مقتطفة من واقع حياته.

 
ونالت الرواية شهرة عالمية وحازت على جائزة المجمع الأدبي بكيرالا عام 1978، وحصلت على جائزة المجمع الأدبي بالهند عام 1980، وقد ركز أديبنا اهتمامه في روايته (شواهد القبر) على رسم شخوص تتخبط في عالم كله بؤس وفقر وفاقة وتعاسة، فكانت الرواية فعلاً تصويراً للحياة المجحفة لمجموعة من الأشخاص البسطاء المكروبين الكادحين، فظل بوناتل علامة فارقة في جبين الروايات المالايالمية بوجه خاص ولا يزال أيقونة الحياة والموت مهما مر الزمان، إذ استطاع ببراعة فائقة أن يجسد في روايته المذكورة عددا من التجارب البارزة في الحياة الريفية مع الاحتفاظ بالحداثة وسماتها.. ومن رواياته الأخرى “سجين عليكراه” و”الدواء” و”الشمس” و”الخليفة”، ومن مجموعاته القصصية “السكين” و”مختارات من القصص” و”قصص عليكره”..

تقلد الأديب بوناتل العديد من المناصب العلمية والأدبية والثقافية، فقد اختير عام 1986 عضواً في لجنة الأدباء للهند كما تم اختياره عام 1993 عضواً في لجنة الأدباء لكيرالا

ويتميز هذا الكاتب عن غيره بقدرته المتفردة على السرد الذي يأسر قلوب القرآء مع تنوعهم، وأهم ما يُذكر هنا أن سرده بسيط ولغته غير معقدة واضحة، وكانت له مقدرة فائقة باهرة على السرد المدهش الذي طرح إلى قلوب القرآء أفكاراً فكاهية مع التعرض لأبعاد الحياة البشرية كلها، ولذا وصفه العديد من النقاد بأنه روائيّ نهجَ دربَ الأديب المالايالمي القدير فايكوم محمد بشير الذي أثرى الموسوعة المالايالمية برواياته التي تحمل مزيجاً من الجد والهزل..

وبالطبع من الممكن أن نعتقد أن تجلت قدرته المتفردة بكل وضوح وصفاء في الاقتصد في مضمونه اقتصاده في البناء والأسلوب على النحو الذي يمنح أدبه تفرده وواقعيته وشاعريته، كما أنه كان يخضع في المحل الأول للمعايير الفنية لا للمعايير الأخلاقية التي تدور على الوعظ والإرشاد، وكانت كتابته يتلازم فيها الجمال مع النفع وتنهل مما ينبض به قلب الكاتب من غنائية لا من قيم شكلية وبلاغية سطحية تفسد الفن بطغيان اللفظ على المعنى..

وأكثر ما كان الكاتب الهندي يضيق به في الأعمال الفنية افتقادها للأصالة والتلقائية والصدق وعدم التجويد والإتقان، لكنه مع شوقه الشديد للتجويد والإتقان كان يشترط على الأعمال الإبداعية ألا ينعكس عليها شيء مما بذل فيه من جهد وتعب..

وقد حصل الأديب الراحل على عدة جوائز محلية منها: جائزة وشواديبم عام 1988 وجائزة مؤسسة راجيو غاندي عام 1998، وجائزة متتوركي عام 1999.. ومن جهة أخرى.. تقلد الأديب العديد من المناصب العلمية والأدبية والثقافية، فقد اختير عام 1986 عضواً في لجنة الأدباء للهند كما تم اختياره عام 1993 عضواً في لجنة الأدباء لكيرالا، وكان عضواً في اللجنة العلمية لجامعة كالكوت من 1984 إلى 1988، وعيَِّنته حكومة الهند غير مرة عضواً في لجنة الحكماء لجائزة الأفلام..

في الختام.. الروائي القدير بوناتل كنهي عبد الله يرقد الآن بسلام في مثواه الأخيرة بعد أن أسس مسيرة أدبية مالايالمية فاخرة، إنه أديب هندي كبير سيذكره التاريخ وسنذكره لأبنائنا بعبقريته النادرة ولن ننساه أبد الدهر…