بقلم الكاتبة نداء نضال العبادلة
في عصر اللهو والبذخ والانترنت وفي الوقت الذي تتفنن فيه النساء في نفخ شفاههن ودهن وجوههن بمئات مساحيق التجميل، وحيث أن هناك من تستعرض ثروتها الخاصة من الذهب والمجوهرات والملابس الفاخرة، وأخرى تستعرض على وسائل التواصل الاجتماعي المقاهي والأماكن الفاخرة التي تتردد إليها، وأخريات يمضين الوقت بالشكوى والتذمر، كنت أقف على جناحي نسر من فوق أناظرهن كما قال لي زوجي يوماً، وكنت أغرق في دوامات أسئلة كانت تخطر ببالي بشكل متكرر.
في كل مرة كنت أناظرهنّ من فوق جناحي نسر، كنت أشفق على هؤلاء النسوة، إنهن يراضين أنفسهن بهذه المظاهر الكاذبة حتى تُرضي كل واحدةً منهن الوحش الطماع بداخلها والذي لم ولن يشبع يوماً. الحقيقة هي أن هؤلاء النسوة وغيرهن ممن يعيشون تحت حكم الفراغ والضياع الروحي الذي يجرهن نحو الظنون السيئة والسلوك الغير سليم مع الناس ومع أنفسهن. هؤلاء النساء لا يحبون أنفسهنّ ولا يعلمن شيئاً عن الرضى سوى بضع حروفٍ يرددهن على ألسنتهن حتى يكسبن موافقة الاخرين على طهارتهن. إنهن في نظرة دائمة لما يملكه غيرهن لذلك هن يلبينّ هذه الثغرات بالكلام الغير هادف والسلوك الغير سليم أو بجعل الجميع مثلهنّ.
في الزمن الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصر الفتنة، لا تتركي للشيطان مأرباً يتسلل منه لنفسك. النفس أمارة بالسوء فإن لم تشغليها بما يفيدكِ ستشغلك بما لا يسمن ولا يغني من جوع. ابحثي دائماً عن طرق تستغلين فيها فراغكِ بالطريقة الأمثل. ولا تقولي ابداً لا أستطيع، فكل الذين استطاعوا تغيير العالم كان يومهم عبارة عن 24 ساعة فقط. لا تقولي أنا صغيرة فهناك ناجحون ابتدؤا من عمرٍ أصغر. كوني كما قال علي رضي الله عنه، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل للآخرتك كأنك تموت غدا.
كتجربة شخصية، كنت دائماً أقول لنفسي بأنني لا أستطيع وبأنني لازلت صغيرة ولازال أمامي من الوقت الكثير لكي أنجز به ما أريد تحقيقه، وفجأة أرادت لي الحياة أن أصبح في مكانة مسؤولية ومهمة كبيرة كزوجة وشريكة، ثم أماً وصديقة أولى لشخصٍ بالغ يبلغ من الحكمة أضعاف ما أملك وطفلين صغيرين يبلغان من البراءة أضعاف ما أملك. كما يقول دائما خبراء التنمية البشرية كلما ازداد الضغط كلما ازدادت الإنتاجية، وهذا حقاً ما تعلمته في فترة الابتلاء الإلهي. في حين أن الجميع من حولي يعتقدون بأنني لا أجد الوقت الكافي حتى لأجالس أطفالي، فأنا حين نظمتُ وقتي بالورقة والقلم، أصبح عندي من الوقت الكثير لأنجز به الأشياء الإيجابية والإنتاجية في حياتي، أصبحتُ أُصاب بضيقٍ شديد إذا ضاعت دقيقة من عمري من دون أن استغلها في شيء قد يفيد شخصي، وهنا لا أقصد بأنني لا أمرح ولا ألعب، فلنفسي عليا حق، ومن حقها علي أن أكافئها بجلسة جميلة مع من تحب لتُسقي روحها وتترعرع ولو لفترة وجيزة، أو بلعبة مجنونة مع أطفالي الصغار.
مختصر الكلام، أن كونكِ أمأً ليس بالضرورة عليكِ أن تصبح حياتكَ عبارة عن المرأة العادية التي لا تعرف سوى الثرثرة ومقارنة نفسها بالغير أو تحويل علاقتها مع زوجها لشيء لا يُطاق. أيضاً، كونك أمرأه عاملة ليس بالضرورة أن تهملي نفسك وبيتك وأطفالك وأسرتك. تسير الأمور بشكل جيد في قاربكِ إذا وازنتِ حمل الأعباء بشكل متساوٍ وسليم على القارب، وحين تنظمين وتخططين وقتاً لكل صغيرة وكبيرة، وصدقيني حين انشغالك بكل هذه الأشياء لن يعد بإمكانك أن تحزني وإذا سيطر عليكِ الحزن مرة فتأكدي أنه مرحلي أو عبثاً يحاول معك لأنك ستنتصرين عليه بالانشغال والتنمية السليمة لشخصك.
بإمكانكِ اللعب مع أطفالك وبنفس الوقت تعليمهم أساسيات الحياة الاجتماعية من أدب ولباقة وعلوم حسابية وغيرها عن طريق اللهو والألعاب الإبداعية. بإمكانكِ أن تستغلي نوم طفلكِ في الصباح لتمارسي الرياضة لنصف ساعة. أيضاً بإمكانك استغلال قيلولته في النهار لتمارسي هواياتك المفضلة من رسم أو كتابة أو غيرهم.
إذا شعرتِ بضغطٍ متراكم على جسدك المنهك من العمل، عليك بالتلوين والماندالا واجعليها عادةً لكِ ولأطفالكِ بحيث تحصلين على وقتٍ جميل معهم وتطمأنين بأنهم أمام ناظريكِ ولا يلهون بالأجهزة الخلوية أو يعبثون بأشياءٍ أخرى، هنا أيضاً بإمكانكِ ممارسة الحوار معهم ومعرفة ما يخبئون داخل صناديق أدمغتهم الصغيرة.
من وقت لآخر حاولي تطوير نفسك من بيتكِ، لا داعي بأن تتحججي بأنكِ لا تستطيعين الخروج، بإمكانك الوصول لأي مادة تعليمية ترغبين بها عن طريق اليوتيوب أو الصفحات التعليمية. كما بإمكانك بأن تستغلي المسافة الصغيرة بين نومك ونوم أطفالك بقراءة بضع صفحات من كتابٍ ما، ولا بأس ببعض التصفح الإلكتروني حتى تواكبي تطورات العصر وتبقي على إطلاع بما يحدث حولنا من أحداث سياسية، علمية، اجتماعية وغيرها.
بين هذا وذاك، لا تنسي روحكِ، غذيها بالباقيات الصالحات وأجعلي لسانك يداوم على نطقها في كل فترة بينية: في الطريق إلى السوق، حين انتظار القهوة، في وقت ترتيب المنزل وغيرهم. واجعلي لنفسك ورداً مخصصاً لكل يوم لتطير به روحك لأعلى السماء فتُقّبل به عبق نسيم الجنة الذي تحلم في الوصل إليها. أطيلي صلاتك وحدثي الله عن كل شيء يؤذيك وتتمنينه لنفسك وتأكدي بأن كل ما تقولينه في السجدة ستراه عينيكِ يوماً ما في دروب الحياة، فتوكلي على الله حق توكلاً، فلا يضل ربي ولا ينسى.
بإمكانك أن تستغلي أنجازك لشيء، بعمل شيء آخر في ذات الأثناء، فحين غسل الأطباق والصحون بإمكانك إحضار أطفالكِ لجانبك لكي تتعلموا معاً الحروف الأبجدية أو الألوان أو الأرقام عن طريق أغنيةٍ ما! بإمكانك ممارسة الرياضة واللعب مع أطفالك بنفس الوقت. بإمكانك تخصيص وقت التفريغ النفسي لكِ مع أطفالكِ بأن تفرغوا جميعاً عما بداخلكم عن طريق اللعب والصراخ والضحك العالي، فلا شيء يمنعك، ولا يحق لأحدٍ إيقافك.
ما أحاول الحديث عنه هو أن لا شيء يمنعك من الخوض في طريق المثالية، غير أن تعلمي أنك لن تحصلي عليها أبدا فالكمال لله وحده، لكن خوضك في هذا الطريق والسعي نحوه بحد ذاته هو حصولك على المثالية البشرية. فما أردت الوصول إليه هنا، بأن الثرثرة وانتقاد الغير والحسد والنكد وجرح الآخرين بسكين لسانك والمجوهرات وأدوات التجميل والألقاب لن تجعل منكِ أنثى.
ما يجعل منكِ أنثى هو لطفكِ، لينكِ، قلبكِ الطاهر، لسانك النظيف، وعقلك الرزين. ما يجعل منكِ أُنثى هو اجتهادك في تحسن نفسكِ وتطويرها. سعيك دائماً نحو الأفضل. تحديكِ العقبات والصعوبات، وقوفك بجانب من تحبين، استماعك لغيرك وقت أنينهم من ضرب الحياة، تغافلك وتجاهلك لجلد الآخرين، التزامك بواجباتك وحقوق الغير عليكِ، القراءة، القرب من الله، الأمل، التفاؤل، التوكل، الرضى والصمت، ولكن عليك أن تعلمي جيداً بأن وصولكِ لهذه المرحلة سيفتح عليك جهنم القلوب المختبئة خلف الأقنعة، وسيجعلكِ عرضةً للنقد والإيذاء، فيمكن للبشر أن ينسون أي شيء إلا نجاحكِ ستدفعين ثمنه غالياً. لذلك كوني مستعدة فلا شيء يحدث في هذه الحياة من غير مقابل.