الشعر العربي الحديث: تنوعاته وتطوراته

بقلم: صبغة الله الهدوي

الشعر من الفنون الأدبية ، بل وأروع أنواعها بالنسبة للفنون الأدبية الأخرى وإذا سمعنا كلمة ” الأدب ” أو تحدثنا عن الأدب ، فأول شيئ يخطر فى الذهن هو الشعر ، حتى صار الحديث عن الأدب هو الحديث عن الشعر ذاته والشعر عند العرب فن قديم يعرفونه حق المعرفة ، وكانوا ينظمون الشعر منذ عصر يرجع إلى ماقبل الإسلام بفترة طويلة ، وتعرف هذه الفترة في تاريخ الأدب العربي بالعصر الجاهلي لما اندثرت منه لآلي الأخلاق والآداب ، وهؤلاء كانوا يقرضون الشعر بسليقتهم وطبيعتهم، وقد حل الشعر محل دمائهم ولحومهم، وقد جعلتهم البداوة صناع الشعر الممتع.

 وبناء على التطور الذي مر عليه الأدب العربي في عصر النهضة فإن الاتجاهات والتيارات الجديدة تعددت في الشعر العربي الحديث ، واختلف الشعراء في ثقافاتهم ومناحي التأثير التي عملت على تكوينهم . فمنهم من اقتصر على الأدب العربي القديم ، ووجد فيه المثل الأعلى الذي يحتذيه . ومنهم من اطلع على الآداب الأوربية واستهوته مذاهبها ، فانصرف عن القديم ليساير الغربيين فيما ذهبوا إليه .ومنهم من جمع بين الأدب العربي والأدب الغربي ، وأفاد واستمد من كليهما ، وأصبح قادرا على أن يزود الأدب العربي الحديث بالعناصر القوية الجديدة ، ويفتح أمامه السبل للتقدم والتطور بما يناسبه العصر والذوق .

وفي هذا البحث سوف يعرض الباحث الحديث عن الشعر العربي في عصر النهضة الأدبية مع الإشارة إلى الاتجاهات الجديدة ، والعوامل التي تؤدي إلى النهضة وكذلك الآثار الأدبية التي نتجت عنها وإن كانت على سبيل الإيجاز والإختصار

معالم عصر النهضة: إرهاصات التجديد والانتفاضة                                                                    

بدأ هذا عصر النهضة بدخول الفرنسيين مصر بقيادة نابليون بونابارت سنة ١٧٩٨ م وكانت الحملة الفرنسية أول احتكاك واسع ومباشر بين مصر والحضارة الأوربيةبعد عزلة طويلة فرضها العثمانيون على مصر والبلاد العربية ، وكانت من أسباب ضعفها وتخلفها .

وكان السبب في تسمية هذا العصر بعصر النهضة هو أن الأدب العربي –شعره ونثره  نهض في هذا العصر في موضوعاته وأفكاره وصوره وأساليبه ولغته ،فصار أدبا قويا مزدهرا يختلف في شكله ومضمونه عن الأدب فى العصر العثماني الضعيف المتهالك ( البدري ص ١وبدأت هذه النهضة في مصر ولبنان ، لأنهما سبقتا كل الأقطار العربية فى

الإتصال بالحضارة الأوربية.

 ويقول الدكتورعلى شلق ولعل مصر ولبنان كانتا أسبق بلاد العرب إلى مشارف التوعية ، وأغزرها عطاء أدبيا نظرا إلى موقعهما على شاطئ البحر المتوسط ملتقى حضارات الشرق والغرب ، ولما لهما من مكانة علمية ، وينابيع للمعرفة ، يقبل عليها العطاش من مختلف بلاد العالم . ففي مصر الأزهر العتيد ، والجامة المصرية . وفي لبنان جامعتان آنذاك ،

لزرع الضوء فى الأذهان ، وأمواج البحر مافتئت تقدم لهما روادا من الغرب ، وتحمل منهما طلابا إلى مختلف جامعاته وقيل إن لبنان سبقت مصر فى الإتصال بأوربا عن طريق الإرسالياتالمسيحية الأوربية التي توافدت عليه ، ولكن دورها فى النهضة العربية كان محدودا .وكان لمصر الدور الأكبر بحكم مكانتها في العالم العربي ، وقدرتها على العطاء والتأثير وهذه النهضة تعتمد على قاعدتين .

: الأولى الاتصال بالحضارة الأوربية المزدهرة . والثانية الاتصال بالتراث العربي في عهود قوته . وقد تم الإتصال بهاتين القاعدتين عن طريق وسائل أو عوامل عشرة ، هي التعليم والبعوث والرحلات والهجرة والترجمة والطباعة والمكتبات والصحافة والجماعة الأدبية والمجامع اللغوية والهجرة والمستشرقون والمسرح والإذاعة (وكل عامل من هذه العوامل المذكوة كان وسيلة للإتصال بالقاعدتين معا ، ولكن بعض هذه العوامل كان أوثق ارتباطا بالحضارة الأوربية ، وبعضها الآخر كان أوثق ارتباطا بالتراث العربي في عهود قوته وازدهاره .

وقد تم الاتصال بالحضارة الأوربية بوسائل كثيرة ، ولكن أهمها الحملةالفرنسية وما أعقبها من نهضة تعليمية بدأت في عهد محمد علي ، وسارت على نهج أوربا وعلومها . وكذلك عن طريق البعوث والرحلات والهجرة واستقدام المعلمين من أوربا والترجمة والمستشرقين ووسائل الأعلام كالصحافة والمسرح وغيرها

وقد بين محمد عبد الحميد البدري أن هذا الإتصال بين الأدب العربي والأدب الغربي له أثر واضح في ناحيتين :

الأولى : في النثر .

ونستطيع أن نرى أثر هذا الإحتكاك الأدبي فى النثر العربي فيما يلي :

1- اتساع مجالاته ، وتنوع موضوعاته ، حتى أصبح يعبر عن حياة المجتمع وقضاياه السياسية والإجتماعية .

٢- اختفاء الفنون القديمة كالرسائل والمقامات .

٣- ظهور فنون جديدة كالمقال والقصة والمسرحية .

٤- ميله إلى التحليل والبسط .

٥- تأثره بالدراسات النفسية والإجتماعية .

٦- تجديد الأفكار والصور والأساليب

٧- التخلص من قيود الصنعة والمحسنات البديعية ، والميل إلى الأسلوب المرسل

المتحرر.

٨- سلامة اللغة مع الإتجاه إلى السهولة واليسر

في الشعر.

ونستطيع أن نرى أيضا بوضوح أثر هذا الإحتكاك الأدبي فى الشعر العربي كما

يلي :

١- اختفاء بعض الأغراض القديمة ، كالمدح والهجاء والفخر بصورها القديمة

والأغلب عليها الطابع الوطني .

٢- إتجاه الشعر إلى الأغراض القومية والوطنية والسياسية والإجتماعية ،

وارتباطه بحياة الجماهير ومشاكلها .

٣- ظهور الشعر المسرحي مع محاولات لنظم الملاحم .

٤- تأثره بالمفاهيم الجديدة كالتجربة الشعرية والوحدة الفنية أو العضوية

للفصيدة .

٥- ظهور المدارس الشعرية الحديثة كالكلاسيكية والرومانسية والواقعية .

٦- تطور بناء القصيدة ، وامتداد التجديد إلى الأوزان والقوافي .

٧- الإبتكار في الصور والأخيلة ، والميل إلى الصور الكلية.

الشعر العربي وأنواعه

بالنظر إلى اختفاء ذاتية الشاعر وعدم اختفائها في نتاجه الشعري ، فالشعر العربي له أجناس ثلاثة : جنس ذاتي هو الشعر الغنائي ، وجنسان موضوعيان، هما الشعر الملحمي والشعر المسرحي ، وفي الواقع أن هذا التقسيم قد وجد منذ عصر أفلاطون وأرسطو ، حيث كان أفلاطون يرجح جانب الشعر الغنائي على شعر المسرحيات والملاحم ، على حين لم يعتد تلميذه أرسطو بالشعر الغنائي ن فلم يعالج سوى المسرحيات والملاحم في نقده وعلى الرغم من ذلك.

فإن الشعر الغنائي والشعر الموضوعي يسيران حنبا إلى حنب ، فوجدت الملاحم والمسرحيات إلى جانب التغني بالمشاعر الذاتية ، وبفضائل الأبطال .وفيما يلي نوجه حديثنا عن الشعر العربي بأنواعه الثلاثة الغنائي والملحمي والمسرحي .

أولا: الشعر الغنائي

الشعر الغنائي هوشعر ذاتي يتغنى به الشاعر بعواطفه ودخائل نفسه، والشعر الغنائي أقدم أجناس الشعر وأكثرها انتشارا ، ومنه الشعر العربي كله من العصر الجاهلي حتى بداية العصر الحديث، ويقول الدكتور محمد غنيمي، أما الشعر العربي فواضح أنه في جملته قبل عصرنا الحديث :

كان مقصورا أو يكاد على المجال  الغنائي . وحين نشأت المسرحيات فى العصر الحديث تأثرت في طابعها العام بالكلاسيكية والرومانتيكية في بادئ أمرها ، فكانت المسرحيات الشعرية ، وأوضح مثال لها مسرحيات شوقي ومسرحيات الأستاذ عزيز أباظة ، ثم غلب الإتجاه العالمي على المسرحيات العربية ، فانفصلت عن الشعر، وصارت في جملتها نثرية ، واختص الشعر بمجال الوجدان ، شأنه في العربية شأن الإتجاه العالمي العام .

ثانيا: الشعر الملحمي

الشعر الملحمي أو القصصي هو شعر موضوعي تختفي فيه ذات الشاعر، وتظهر روح الأمة في قصة شعرية تصورمعارك الأمة وانتصاراتها وأبطالها ، وتطول حتى تزيد على آلاف الأبيات ، وتعتمد على الأسطورة والمبالغة، ومن أشهر الملاحم العالمية ” الإلياذة ” و ” الأوديسا ” في الأدب اليوناني والشاهنامة في الأدب الفارسي وقد ترجمت إلى اللغة العربية وحاول شعراء العرب تقليدها.

ثالثا: الشعر المسرحي او التمثيلي

الشعر المسرحي أو التمثيلي هو شعر موضوعي تختفي فيه ذات الشاعر ، ويقوم على الحوار والحركة بين الشخصيات وقد بدأ العرب يعرفون المسرحيات الشعرية بعد اتصالهم بأوربا وكانت الخطوة الأولى مسرحية ” المروءة والوفاء ” لخليل اليازجي ثم كتب أبو خليل القباني تمثيلات منها “ناكر الجميل” “وعنترة”، وكانت مسرحيات شوقي انطلاقا جديدا في تاريخ المسرحيات، منها “مجنون ليلى” “مصرع كليوباترا”

المدارس الشعرية في عصر النهضة

لا شك أن الحملة الفرنسية كانت نقطة تحول في توثيق العلاقة بين مصر وأوربا، فأعقبت هذه الحملة دورا جديدا في الحضارة والثقافة،  ومنذ ذلك العصر ظهرت مذاهب أدبية فكل مذهب يتجه نحو مسلك جديد ويمثل أبعادا متشكلة، ولو لخصنا ملامح العصر الجديد نتطلع إلى أهم النكات التالية

1 – تطور أغراض الشعر من مدح وهجاء وحماسة وفخر ورثاء، وغزل ووصف وشعرقومي وشعرديني وشعرتعليمي وتأملي

2- تطور الفن الشعري ، فوجدنا الشعر القصصي والشعر المسرحي

ومن هذا التطور تولدت المدارس الأدبية التي انسلكت في شتى الأنماط المدرسة الكلاسكية والمدرسة الرومانسيىة والمدرسة الواقعية.

المدرسة الكلاسكية

وهذه المدرسة انتشرت في إيطاليا حتى عمت في جميع أوربا تماما، وهي تمتاز بالخصائص والقواعد التي تجدر ببيان الجمال والزينة، ورائد هذا المنهج هو الشاعر المعروف محمد سامي البارودي، وقد أنجب هذا الشاعر عديدا من الأتباع منهم إبراهيم اليازجي وحافظ إبراهيم وعلي الجارم، وهؤلاء العباقر من مصر ومن العراق أيضا عديد من الأدباء كمعروف الرصافي ومن لبنان بشارة الخوري.

المدرسة الرومانسية

وهذه المدرسة تسمى بالمدرسة الابتداعية لأنها أطلقت نهجا واضحا، وهذه المدرسة تنتحي نحو العاطفة والخيال، وهي تجسد الخواطر والأفكار، وهي تمثل الفلسفة العاطفية، والمدرسة الرومانسية ظهرت في الشعر العربي مع بداية القرن العشرين على يد رائدها خليل مطران، ولها نزعتين في داخل الوطن العربي وخارجه، وحركة خارج الوطن العربي يمثل أدب المهجر، لأن كثيرا من اللبنانين هاجروا إلى الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، فأصبحوا فيها جالية شديدة الأوصال وموثقة الحبال، وتنفسوا حرية التعبير والرأي وأحسوا رياح الراحة والفرح في محطاتهم، حتى انعكست مخايلهم تحت عنوان قصائدهم، وهذا الأدب يبدي مآثر اشتياقهم وشدة طموحاتهم نحو الوطن.

شعر المقاومة والثوريات

وهناك موجة أخرى في درب الشعر العربي وهو شعر المقاومة، الذي يدعو إلى التسلح والتحميس ضد الاحتلال والدمار، واستقطب هذا الشعر في السياسة الحرجة المخيمة في الشرق الأوسط، مثل المقاومة الفلسطينية التي بدأت من الاحتلال الصهيوني، والمقاومة التي قادها حزب الله في جنوب لبنان ضد الهجمات الإسرائيلية، وهذه الموجة تجلت في أكثر العلاقات التي تعرضت للهجمات والعنف من القوى الدولية، مثل أفغان وشيشان وعراق وسوريا، وأيضا اصطف في هذا الرصيف الربيع العربي الذي استولى جميع البلدان العربية الإسلامية، وصارت حوادث الربيع العربي ومعقباته محورا مهما في تعنون الشعر وتصميمه، ومن أبرز هؤلاء الشعراء الذين يستخدمون أشعارهم ضد التحرشات مهما كانت جنسية أو سياسية أو دينية مثل أنيس شوشان وتميم البرغوثي وهاشم الجخ، وشعر المقاومة يحفز المرأ للحنين إلى وطنه وللقيام في سبيل حسنه، وقد أدت هذه القصائد تحريكا قويا في انتفاضة الشعب الجامد وكسر قيود الاضطهاد.

الأناشيد

الأناشيد الإسلامية التي هي من أهم بواعث الدعوة ضد اندفاع الألحان الغربية التي تحث على الخلاعة والإباحية، وقد شحنت هذه النغمات الإلهية كلمات القصائد الدينية، فأصبح كبار المغنين إنشاد هذه الأبيات في الحفلات والمناسبات العامة حتى شكلت موجة سريعة الانتشار في وجه المحرمات، وأقبل عديد من منشدي الغرب إلى مصف الإسلام وأخذوا يرتلون هذه الأبيات بحنجرة مليحة الأصوات، وقد دفعت الأنشايد بألحانها ونغماتها تعميم الأشعار وترويجها بين الشعوب.

فالشعر العربي هو وعاء حضارة وعنوان تاريخ حافل، وقد اعترته أطياف التغريب وتأثيرات العصر،إلا أنه يمتطي بكرامة تاريخه وعزته، وحتى اليوم يلعب الشعر دورا بارزا في تأدية المعنيات والمواقفن وهي ترن وتزمجر عبر المنصات والمنابر، نعم إن في البيان لسحرا.

بقلم صبغة لله الهدوي

المراجع

الشعر العربي والاتجاهات الجديدة في عصر النهضة الأدبية، نجم الدين الحاج عبد الصفا

الشعر العربي الحديث، مسعد بن عيد العطوى

تطور الشعر العربي الحديث في العراق، د. علي العباس علوان

بدايات الشعر العربي بين الكم والكيف، د.محمد عوني