الهند في الأدب العربي

بقلم الدكتور مجيب الرحمن

الهند حاضرة بقوة في خيال العرب منذ القدم، وقد تمثّل ذلك بوضوح في الشعر الجاهلي وأدب الرحلات، التي دوّن فيها الرحالة العرب مشاهداتهم وخواطرهم عن الهند، ومنهم: اليعقوبي، والمسعودي، وابن بطوطة، وآخرون في الماضي، وعبدالناصر العبودي، وعبدالله ناصر العامري، وأنيس منصور، ونوال السعداوي، ووديع البستاني، وكثيرون من الرحالة المحدثين.

وأما البيروني فقد عُدّ إماماً للدراسات الهندية بكتابه حول الهند الذي يُعدّ من أهم المراجع للاطلاع على حضارة الهند بدياناتها وطقوسها وعاداتها وتقاليدها وثقافاتها.

والجدير بالملاحظة أن عناية العرب بالهند جاءت من منطلق إعجابهم وانبهارهم بها.. فبحرها لديهم در، وجبلها ياقوت، وشجرها عطر، وأدى هذا الانبهار إلى المثاقفة التي تمت في العصر العباسي، عن طريق ترجمة العلوم والفنون الهندية في علوم الطب والفلسفة والفلك والنجوم واليوجا والقصص الشعبية، مثل: «كليلة ودمنة»، وتأثُّر الشعراء العرب بالشعر الهندي على لسان الحيوانات، ويُعَدُّ كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع من أهم المؤثرات في تطور الفن القصصي عند العرب، ولا يزال العرب يكنون في صدورهم مشاعر قوية من المحبة والألفة نحو الهند وشعبها.

وفي العصر الحديث، دخلت عناصر أخرى لتعمل على تقوية هذا التأثر والإعجاب بالهند كالموسيقى، والأفلام والمسلسلات الهندية، وتفوّق الهند في مجال التكنولوجيا، إن هذه التمثّلات للأنساق الثقافية الهندية في الأدب العربي، تتسم في معظمها بالإعجاب والتقدير والانبهار، ولا تتطرق إلى الاستعلاء أو الاستخفاف بأي حال من الأحوال.

جاء كل ذلك في المؤتمر الدولي حول «تصوير الهند في الأدب العربي»، الذي أقامه قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة جواهر لال نهرو، بنيو دلهي، في الفترة من الـ26 حتى الـ28 من فبراير الفائت، وشاركت فيه وفود عربية من باحثين وشعراء وكتاب، وأساتذة اللغة العربية من الجامعات الهندية، وتناول المؤتمر على مدى 3 أيام، مواضيع تمحورت على تمثّلات الهند في الأدب العربي شعراً ونثراً، وأخذ فن الرحلة نصيب الأسد من اهتمام الباحثين.

وقالت الدكتورة مديحة يلاح من جامعة سكيكدة بالجزائر في بحثها بعنوان: «إعجاب العرب بحضارة الهند من الشعر الجاهلي والمدونات الأدبية»: «لم تكن حضارة الهند بعيدة عن إدراك المثقفين العرب الأوائل، سواء أكانوا شعراء، أم ملوكاً أم قصاصين عاشوا في العصر الجاهلي أو كانوا مؤلفين ومفسرين وإخباريين، صنعوا تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، ودوّنوه في عصر أمتهم الذهبي». كما لاحظ المؤتمِرون أن بقاء الهند، نموذجاً يُثنى عليه ويُحتذى به في التنوع والتعايش السلمي والحكم الديمقراطي، من أهم الضرورات الحضارية للبشرية.