“الأمة التي لا تقرأ تاريخها لا تصوغ مستقبلها”.. رغم المشقة التي تتعبها الصيام أنفسنا، رغم الجوع الذي يأكل أحشاءنا ويضيق أنفاسنا، هناك قصص روائع مثليات تحكي لك عن عمق هذا الشهر المبارك العظيم، في كل أمم، توجد تواريخ خالدة وأيام لا تنسى ولا تمحى من سفر حياتها لما كانت لها أهمية كبيرة في توجيه مصيرها ومسارها، فللأمة الإسلامية أيام خوالد، وذكريات شواهد، حدثت في عمق هذا الشهر المبارك، موسم الخيرات والبركات، وإن سمينا هذا الشهر العظيم بشتى الأسماء مثل شهر الأمة، أو بشهر المواساة، أو بشهر التراويح، فإنه هناك تروايح أراحت أفئدة المسلمين وأزاحت عنهم عبأ الهموم والأزمات، فحقا لهو شهر الانتصارات الكبيرة، التي غيرت وجه التاريخ وأجراه من جديد، بدء من غزوة بدر الكبرى وفتح مكة، ومرورا بفتح الأندلس ومعركة بلاط الشهداء، وفتح عمورية، والحطين وعين جالوت ونهاية بحرب أكتوبر العظيمة.
وما حدث في مالابرم -كيرالا جنوب الهند- التي قلما مستها أقلام الجرائد والإعلام العربي من انتفاضة زاحفة هاجت ضد طغيان الحكومة الشيوعية التي رسمت خطة مشؤومة لاجتثاث جذور اللغة العربية من المدارس هدفا إلى إساءة الأمة واستفزاز مشاعرها حتى انتفضت أمة كيرالا عن بكرة أبيها وهاجت وثارت وأقامت ثورة كبيرة في السابع عشر من رمضان تجديدا لذكرى غزوة بدر الكبرى حتى ارتقى من المظاهرين السلميين ثلاثة شباب غضة وسقط عدة جرحى، فتلك كانت معركة نبيلةٌ غايتها وبطولةٌ نهايتها، فرمضان لا يتضيق جدرانه في أن تكون معتاد المساجد، ومقيم الموائد، وتالي القرآن ومصلي التروايح بل تتسع دائرته إلى عمق التاريخ المجيد، إذ كسر المسلمون شوكة الهوان وصنعوا من التعب والصعب أحلاما ناضجة، وحطموا قيد المستحيل لحد أن أفاض هذا الشهر المبارك لهذه الأمة كل الانتصارات العظيمة التي لا تمحى أثارها ولا تبلى جدتها، فلنسير برهة في ثنايا تلك المعارك فالأمة التي لا تقرأ تاريخها لا تصوغ مستقبلها.غزوة بدر الكبرى
أم المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام العظيم، حدثت غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان من العام الثاني للهجرة، فقاد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثمائة من أصحابه لاعتراض قافلة لقريش يقودها أبوسفيان بن حرب، إلا أن القافلة اتخذت طريقا آخر، مما طمّع كبار قريش على الخروج من مكة والتخطيط على مواجهة المسلمين في معركة مباشرة، ظنا منهم أنها ستكون لهم نزهة عسكرية محضة، وكانت هذه المعركة هى الانتصار الأول للمسلمين في تاريخهم الحربي، وأكسب الانتصار في تلك الغزوة روحا معنوية عالية للمسلمين، أعطتهم الثقة في أنفسهم لمواجهة أعدائهم من يهود المدينة الذين كانوا يكيدون للمسلمين، وكذلك مواجهة قريش أخرى، فإن القوة الروحية التي غذتهم غزوة بدر لكانت سامية، حتى زال من قلوبهم الوهن وقذف في قلوب أعدائهم الرعب القاتل.
فتح مكة
في 20 رمضان عام 8 هجرية، قاد النبي صلى الله عليه وسلم 10 آلاف مقاتل لفتح مكة بعد أن نكث قريش العهد ولم يتعهد حلفاءهم بشروطه، ودخل مكة بعد أن استسلم أهلها وعلى رأسهم سيد مكة أبوسفيان بن حرب، وكان فتح مكة هو بداية سيطرة الإسلام على الجزيرة العربية بأكملها إذ أثر تعامل الرسول مع أهالي مكة من الصفح والعفو الجميل تأثيرا كبيرا أدى إلى انتشار الإسلام بين العرب.
فتح الأندلس
وفي 28 رمضان عام 92 هجرية كانت جيوش المسلمين بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير تقرع أبواب أوروبا عن طريق الأندلس (إسبانيا والبرتغال حاليا)، فعبر طارق بجيشه المضيق الذي عرف باسمه -جبل طارق- ليلاقي جيوش القوط ويهزمها في معركة وادي لكة والتي فتحت الباب أمام المسلمين لفتح شبه الجزيرة الأندلسية، حتى ظلت الأندلس عروس الأمة وبوابة ومعبرا لدخول الإسلام في عمق أوروبا.
معركة بلاط الشهداء
بينما فتح المسلمون نصف فرنسا الجنوبي كله، وكانوا على بعد كيلومترات قليلة من باريس، وفي رمضان 114 هجرية، التقى جيش المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي ضد جيوش أوروبا بقيادة شارل مارتل في معركة بلاط الشهداء أو كما تسمى في الغرب بمعركة بواتيه. ودارت مناوشات عديدة بين الجيشين كان الانتصار حليفا للمسلمين فيها، إلا أن المعركة لم ترجح أي كفة، بل استشهد قائد المسلمين عبد الرحمان الغافقي، فاضطر المسلمون للانسحاب من الميدان، وكانت هذه آخر محاولتهم لفتح فرنسا.
فتح عمورية
في رمضان من العام 223 هجرية، قاد الخليفة العباسي المعتصم بنفسه جيشا كبيرا لفتح عمورية بعد أن استنجدت به امرأة بقولتها المشهورة “وامعتصماه”.
معركة عين جالوت
جاء المغول كالجراد المنتشر على حد تعبير الشيخ أبي الحسن علي الندوي من الشرق ليهدم في طريقه كل الحضارات والدول، فاحتلوا بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم آخر الخلفاء العباسيين، ودمروا مكتبات بغداد حتى وصلوا إلى ديار الشام، لكن الله قيض لهم جيش مصر بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز وقائده الباسل ركن الدين بيبرس حتى خيبوا ظنون المغول في معركة جالوت في 25 رمضان سنة 658 هجرية، وكان هذا الانتصار بداية فرار المغول من العالم الإسلامي.
معركة حطين
المعركة التي أعادت للأمة هيبتها وقبة قدسها، وأصبح غضب المسلمين بمفرده جيشا جرارا، حدثت في 26 من شهر رمضان الموافق 27 شهر نوفمبر للعام الميلادي 1188 بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي.
حرب أكتوبر
وفي العصر الحديث نجد أن أعظم الحروب التي حدثت في رمضان هى حرب السادس من أكتوبر 1973، والتي وافقت العاشر من رمضان عام 1393 هجرية، حيث هزم الجيش المصري أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”، وأشعل في الجزيرة العربية والعالم الإسلامي تباشير الأمل والثقة في النفس بعد أن خارت قوة الأمة وطار طيرها بعد النكبة الكبرى والنكسة النكراء.
انتفاضة مالابرم 1980
هذا التاريخ الخالد لا تنساه ذاكرة مسلمي كيرالا ولا ينبغى أن ينساه كل من امتزج قلبه بالأمة الإسلامية وأحب اللغة العربية حبا جما، إنه التاريخ الذي غير وجه كيرالا، والذي لم يطلع عليه الإعلام العربي لا قديما ولا حديثا، وترى لك آثاره العصية على مر الزمان واضحة جلية في محطات الباص ومواقفها في منطقة مالابرم، مالابرم هي مقاطعة يشكل فيها المسلمون نسبة ستين في المائة، فللمسلمين في أرضها دور كبير سياسة واجتماعا وثقافة ودينا، أمتها تمتاز بأخلاقها الشفافة وسلوكياتها السليمة التي لا تميل نحو التطرف والتشدد، وقد خابت المنظمات الإرهابية في تفكيك هذه المقاطعة المتراصة والتي تتمسك بعزة دينها وقوة وحدتها، حتى أصبحت هذه المقاطعة وحيدة في الميدان السلمي تقاوم كل من تربص بها من صناع الدمار والتخريب، بل عطفا على ذلك لقد قام بعض الإعلام الهندي الداعم لأهواء حزب بهارتيا جنتا المشوب لحمه بلحم التطرف الهندوسي في تشويه سمعة هذه المقاطعة وفي تصوريها في مرآة باكستان، حتى شاعت وفشت في بعض المناطق الهندية النائية شائعات لا أصل لها عن هذه المنطقة الشامخة، إذن ما هي قصة انتفاضتها حتى تكون مصنفة في قائمة الانتصارات الكبيرة في شهر رمضان، وما أهميتها ودورها الفاعل في تشكيل مستقبل الأمة لتكون جنبا بجنب لغزوة بدر الكبرى.
يوليو 30 السابع عشر من رمضان يوم أن هاجت أمة كيرالا جمعاء، وحناجرها تصدح بعشقها الصافي للغة العربية، قلوبهم نابضة حية، وقد أثارتها تصريحات حكومة كيرالا عن إقصاء اللغة العربية ومعلميها من المدارس، وكانت هذه التصريحات بمثابة قيامة كبيرة، فما كان لها إلا أن هبت وهاجت وثارت ثورتها الكبيرة التي لم تشهدها ولاية كيرالا في ذلك القرن، وكان لحزب رابطة المسلمين فرع كيرالا مشاركة فعالة في تحميس مشاعر الأمة وفي توعيتها عن هذا القرار الخطير الذي يسبب في رفض حقية المسلمين لتعلم اللغة العربية التي كانت مدارهم ومعيارهم، وكان من شعاراتهم يومها “تريدون مال الخليج ولا تريدون لغتها”، وانتهت الانتفاضة السلمية بسقوط شهداء ثلاثة، وتراجع الحكومة من قرارها المشؤوم، وكان لهذه الانتفاضة صدى واسع في توحيد صف المسلمين والانطلاق بهم إلى أفق التغيير، ولولاها كان مسلمو كيرالا تائهين وهائمين على وجوههم، بعيدين من ثقافتهم التي احتضنوها بصدورهم، وتخليدا لتلك البطولة وتجديدا لتلك الذكريات الباسلة سميت عدة مباني ومشروعات خيرية باسم أولائك الشهداء الأبطال الشباب، ويتذكرهم مسلمو كيرالا بكل احترام وإجلال، شبان ضحوا بحياتهم لإحياء اللغة العربية وإعادتها إلى ربوع مليبار، فكيف لا تكون امتدادا لغزوة بدر الكبرى، أمة استشهدت للغتها الدينية ووقفت في وجه طغاة الفاشية.