كيرالا حلم يتحقق أم كابوس قادم

في الوقت الذي تتجه كيرالا وبعض الولايات الهندية نحو الانتخاب التشريعي تعلو من عدة منابر أصوات ملؤها العنف والكراهية، إلى جانب ما تنشر في خانات الجرائد وتبث على شاشات القنوات صور مخجلة تبدي سوءات الكثير الذين سموا أنفسهم بحماة الوطن وحراس الدولة، فتلك محاولات مكثفة لبناء السور بين المسلمين والنصارى، ومؤامرات ممولة مدعومة من قبل الأحزاب القيادية الهندية لبث الذعر في أوساط المسلمين واستغلال الهندوس تحت ستار إسلاموفوبيا، ليتورط الكثير في تلك الورطة التي نصبها آر أس أس وولاتها أمثال في أتش ب وبي ج وب وبعض العصابات التي تدعي أنها تنتمي إلى الهندوكية.
وفي الوقت نفسه، هنا في كيرالا، يتغير المشهد بكثير، حيث وجهت الأحزاب الشيوعية شطرها نحو نفس الفكرة التي تنبتها تلك الأحزاب الهندوسية المتطرفة، وعرضت نفسها كأقوى ولي الهندوس طمعا وحرصا على الأصوات المكدسة من الهندوس، وعبثت بقدسية الانتخاب التشريعي بشعارات نارية، وذلك أن ادعت أنها في رباط ضد قانون المدني المتحد لتخدع ملايين المسلمين بديار مليبار، ثم توجهت تلقاء المسيحيين فأخبرتهم بأن المسلمين هم أنفسهم وراء جهاد الغرام الذي يضل سبيل الفتيات المسيحيات، واستوقفت الهندوس بقوانين جديدة التي تسعد الطبقات العلوية الهندوسية بمنح مقاعد محجوزة لهم في المناصب الحكومية، فهذه اللعبة الثلاثية التي لم تك كيرالا معهودة بها من قبل شكلت خطرا كبير على المجتمع ليتسع خندق الخلاف بين أصحاب الأديان المختلفة وتنتشر فيهم ظاهرة العنف والعنصرية.
والذي يبحر في تراث كيرالا، ويحفر في آثارها الخالدة التي تعبر عن التضامن والسلام والأمن يندهش مما يرى من الصور المضادة التي تحارب روح كيرالا الحقيقية، إذ يرى قيادات الأحزاب السياسية تنافس الأخرى بعبارات ساخنة تموج بالعنف وإسلاموفوبيا مع أن كيرالا لها ويلاتها الخاصة وأحاديثها الخاصة لكن الجشع والطمع المفرط لنيل الأصوات والاستواء على عرش الحكومة نسيت الماضي الجميل، ونسجت أطماعها المشؤومة من بث الذعر ونشر العنصرية والطائفية بين الفئات، وأشعلت نار الفتن في كل قرية ومدينة بحثا عن سلالم وطرق قصيرة نحو القوة المطلقة، وهناك مرشح يحث المسيحيين ضد المسلمين ويستهويهم بعبارات خداعة، وواحد يجعل الشعائر الدينية والمقدسات لافتات للانتخاب وآخر يستمد قوته من إسلاموفوبيا حتى أصبح جو كيرالا الذي كان وما زال حاضنة السلام والأمان يعج اليوم بنداءات تحت نبرتها نذير شر ينتظر.
ولا يخفى دور الأحزاب الشيوعية في توسيع نطاق الخلاف بين الفئات كما توقع عليها تلك الحملات الشرسة التي تشنها أبواقها في الفترة والأخرى، فكلها مؤشرات واضحة إلى أن الأحزاب الشيوعية وحلفاءها طرحت تلك القيم والأخلاق التي كانت في زمن من الأزمان تفتخر وتعتز بها، وأنها اندفعت وراء التيارات الزاحفة التي تدفعها أمثال آر أس أس وبي جب ب، وأنها هزمت أمام تلك الرياح ولجأت إلى حضن الطبقات الهندوسية العلوية إلى أن احتلت مكان بي ج ب لتكون خير بديل لها، فالفكرة اليسارية تضائلت وتلاشت ولم تستطع لها الوقوف في وجه الزحف الزعفراني الذي يسيطر على كافة الأصعدة الاجتماعية، فرغم تراشق الألفاظ ورمي التهم بين القيادات تتحد الروح والفكرة خلف الستار، وتلك تنحية المسلمين وإبادة أحلامهم في سياسة كيرالا.
فرغم كل هذه الحملات الآثمة تمضي الحكومة في محو عارها بإعلانات ممولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنفق آلاف الدولارات لتلميع صورتها أمام الناخبين وتأتي إلى الجمهور بوعود جوفاء تبهر السامعين حتى إذا دنوا منها رجعوا خائبين، فإن من أطل على تلك السنوات الخمس التي مرت على جمهور كيرالا يرى حجم الاعتداءات التي طالت على الأقلية المسلمة، ويرى أن المسافة بين الأحزاب الشيوعية وبين المنظمات الطائفية الهندوسية تتقلص رويدا رويدا ليتححق مثل ” وافق شن طبقه”، استراتيجيات متشابهة، وحملات مشتركة لإقصاء المسلمين من جادة السياسة وتهميشهم وطردهم من الساحات العامة، وتصويرهم كحملة الإرهاب وصناع الفوضى، ونشر شائعات عنهم في الولايات الهندية الأخرى ليواجه مسلمو مليبار تحديات كثيرة في قطاعات العمل والدراسة، ولا نخطئ لو قلنا بأن جميع محاولاتهم نجحت لحد كبير وأنبتت نباتا حسنا ليكون مصير كيرالا في أخطر مما كان، فالباحث عن السلام والمشتاق إلى تلك الأجواء المطمئنة لا بد أن يجهض أحلام الخونة وأن يقطع تلك الأذرع الآثمة قبل أن تطول نحو أعناق المجتمع وإلا فسوف تشهد كيرالا بعد كل هذه المسرحيات أبشع مشاهد لم ترها من قبل، “ستعلم حين ينجلي الغبار، أفرس تحتك أم حمار”.