تأملات على هامش الانتخاب

د.فوتور رحمان

يناقش قادة رابطة اتّحاد المسلمين ومؤيّدوها على حدّ سواء حول أسباب الهزيمة في انتخابات المجلس التشريعي، ولكنّ الفشل لا يعتبر أبدا نهاية لأيّ حركة، بل هو فاصل لإعادة النظر والنقد الذاتي والتجديد، وللرابطة حضور تفاعليّ مستمرّ في الحياة السياسيّة للمسلمين الهنود، وقد أظهرت قوّتها بتقدّمها بشراسة كبيرة في أوقات إيجابيّة وبمضيّها على قدمها دون تردّد في مراحل صعبة، وقد كانت سياسة الأقلّيّة التي تحتضنها الرابطة أيدولوجيّة واجهت مراحل التاريخ المختلفة وحدّدت هويّتها حسب متطلّبات الوقت، وستتعلّم الرابطة من إخفاقاتها الحاليّة وستعود بقوّة مضاعفة من جديد.

الآن، مرّة أخرى تعيش  هذه الحركة السياسيّة المسلمة مرحلة عنيفة في بلاطها السياسي ولاية كيرالا، وهذه الهزيمة بارقة إنذار للرابطة لانبعاثها من رقادها العميق، وما يحدث الآن مفترق تاريخيّ ، ويعلم الجميع أنّ المشكلة لا تكمن في فشل الانتخابات فقط، ويمكن أن تكون هناك أسباب عديدة لهذا الفشل الانتخابي من تخلّل معادلات الحلفاء السياسيّة، ولكن هناك حقيقة يعترف بها كلّ ناشط في الحزب أنّ الحزب لا يعيش الفشل  فقط بل يواجه اضمحلالا سياسيّا أيضا، ولم يحدث ذلك بالانتخاب بل يتواجهه منذ زمن قديم في منهجه وسياساته، والهزائم السياسيّة تابعة لذلك، ولذلك يجب على الحزب تغيير فوري فكريا وعمليّا في تحديد وتصحيح أوجه القصور، وقد أوصلت الحزب هذه الهزيمة إلى مفترق تاريخي، ومن الضروري التعامل مع هذه المرحلة المفصليّة على مستوى بنّاء وفاعل في أرضيّة الأيدولجيّات الأساسيّة للحزب. 

ومن الضروري اعتبار هذا الفاصل فرصة ذهبيّة سنحت لحزب الرابطة، ويكفيها أن تستعيد ماضيها المجيد من خلال حماية القيم الديمقراطيّة التي  تطمح إليها كيرالا ومعرفة الظروف المعيشيّة الأساسيّة في المجتمع لأن لا يتسائل أحد عن أهميّة وجود هذا الحزب في المجال السياسيّ، ويجب أن تنزل القيادة من الأعلى وتستمع للناس العاديّين وتصبح أكثر شعبيّة، ويجب أن تنعكس في قرارات الحزب وسياساتها الاحتياجات الأساسيّة للشعب وتطلّعاتهم ، السبب الرئيسي وراء اعتقاد مؤيّدي الرابطة العاديّين حاجة التغيير في داخل الحزب هو أنّ الحزب في مستوى لا يمكنهم التكيّف معه، ولا بدّ من إقناع مؤيّدي الحزب العاديّين والمجتمع بمثل هذا التغيير لإحراز مزيد من التقدّم.

ويجب أن يكون هناك تغيّر شامل في اللجان على مستوى الولاية حتى المقاطعات والدوائر المحلّية، إذا تمّ النظر إلى النكسة الحاليّة على أنّها فرصة ذهبيّة لمثل هذا الإصلاح الشامل فإنّ الرابطة ستتحوّل من جديد إلى حصان متسارع في غبراء الحرب، عندها ستكون قياداتنا قادرة على الارتقاء إلى مراتب القادة السابقين الذين أظهروا للذين وصفوا بأنّها حصان ميّت أنّها أسد نائم في عرينه، يجب أن يرؤس اللجان قادات من العاديّين المحليّين الذين يتعاملون مع الناس، ويجب تجنّب النظام الأرستقراطيّ بالكامل، ويجب أن تكون في اللجان العمليّة والمؤتمرات مقاعد لعامّة الناس ومعارفهم مع ترشيح الأغنياء والمشاهير كمستشارين لتلك اللجان والمؤتمرات، على عكس العمّال الذين يعملون تحت إشراف رئيس تنفيذيّ لشركة، يجب أن يكون  مؤيّدو الحزب كرجال يعملون تحت إمرة أمير واحد، وينبغي أن تكون لهم فرص للإشارة إلى نواقصه وعيوبه، ولا بدّ أن تستمع القيادة هذه النصائح لتصحيح المسار، ونقد الذات هو في نفسه فضيلة كبيرة.

ويجب أن تتولّى اللجنة العليا زمام الحزب، ومن الضروريّ تكوين لجنة استشاريّة تتضمّن أعضاء ممّن لهم اهتمام بقضيّة الأقلّيات في الهند وممّن لهم فهم راسخ وعميق في قضايا الدّين الإسلاميّ، ويستغرب الناس من لجنة عليا تأخذ مقاعدها بدون مشاورة ويعطي الباقي للآخرين أثناء تحضير القائمة النهائية للمرشّحين في الانتخابات، وأولئك لا يقدرون أن ينصف للمستحقّين، بل يجب على القيادات في اللجنة العليا عدم المشاركة في الانتخابات، والفرض عليهم هو قيادة الحزب والأخذ بلجامها في مسيرتها إلى الأمام، وهذا التغيير المنهجي يحصر في السياسة البرلمانيّة فقط، ما نحتاجه أكثر هو رسم خطّة منهجيّة سياسيّة حول كيفيّة قيام الرابطة بتعزيز سياسات الأقليات في السياق الهندي المتغيّر.

شكّل قائد الملّة الصاحب محمّد إسماعيل وأتباعه رابطة اتّحاد المسلمين باقتناع تامّ لضرورة وجود حزب سياسي خاصّ لبقاء الأقليّة المسلمة بكرامة في الهند المستقلّة، يتمّ التأكيد على ضرورة وجود هذه المنصّة للمسلمين يوما بعد يوم، ولكن باستثناء ولاية كيرالا لا توجد الرابطة فاعلة في أي ولاية، في وقت تشكيلها عام 1948 كانت الرابطة موجودة في مدراس فقط، ثمّ في أواخر الستّينات صارت حاضرة في شمال الهند أيضا، وعندما صارت جزءا من السلطة الحاكمة في عام 1967 حازت السلطة أيضا في بنغال، كانت هناك أعضاء في المجلس التشريعي من ولاية تاميل نادو وبيهار وكرناتكا وسبعة نوّاب في البرلمان، وكانت الرابطة صوتا للمسلمين الهنود آنذاك، وانتهت ذلك العصر الذهبي في التسعينات، وعلى الرغم من استعادة مشاركة السلطة والمقاعد الضائعة يقع على عاتق الرابطة تصحيح هذا التحوّل من الجادّة الصحيحة، ونحن في حاجة ماسّة إلى استعادة تلك الرابطة القديمة التى كافحت من أجل الحقوق في المؤتمر الدستوري الهندي وإلى ذلك الزمن الذي حوّل فيه الرابطة البرلمان ساحة للحصول على حقوقها وإعلانها، ويجب اتّخاذ الخطوات ولم يعد من الممكن مواجهة المستبقل بتزيين الوجه.

كان أجدادنا معتزّين بمعتقداتهم وشعائرهم، وكان قادتنا السابقون هم الذين جعلوا فراش المجلس سجّادة للصلاة أثناء مشاركتهم في مؤتمر “ناير سرويس سوسايتي”، ولم تقع علمانيّتهم أبدا تحت عدسة الشكّ، ولم يتّهم بهم أحد بالعصبيّة على عقيدتهم والقيام بواجباتهم الدّينيّة، وكان السيّد المرحوم عبد الرحمن البافقيه يصلّي في بيت كرناكرن وبيبي جون، وما رفع ذلك إلّا قدرهم في أعين الإخوان غير المسلمين، وما يرون زيارة الهيكل لإثبات الرابطة بالعلمانية إلّا صورة زائفة، ويجب أن نكون حقيقيّين روحيّا وأخلاقيّا، ويمكن لأي طفل التمييز بين الصورة الحقيقيّة والزائفة في هذا الزمان.

والجيل الجديد هو الجيل الثاني أو الثالث لتلك الأجيال السابقة التي أخذت بأيديهم الرابطة الى أوج الرقي والتعليم وأسّست لها المدارس والجامعات، ويقع على عاتق الحزب تفهّم حوائجهم، إنّهم مقتدرون ويمكنهم معرفة التاريخ في لحظات مع أطراف أصابعهم، سيفقدهم الحزب إذا لم يتمكّن بالتواصل معهم في لغتهم لأنّ هناك أحزاب كثيرة ليحتضنهم، ولن ينجح التفاعل مع المجتمع النسائي بالطريقة القديمة لأنّه سينتهي قريبا عصر تلك الأمّهات البريئة التي يصوّتن لعلامة “السلّم” من غير تردّد، تؤكّد النساء المسلمات في الجيل الجديد حضورها في جميع المجالات، وقد شاهدناها في النضال ضد قانون المواطنة، ولا يجدي النظر إليهنّ كمجرّد مصوّتين في الأعوام المقبلة.

وقد قال كي.اس. مولوي أنّ الاجتماعات القديمة لرابطة منطقة المليبار كانت تستمر حتّى الفجر،ويتمّ اتّخاذ القرارات بعد الاستماع والمناقشة مع الجميع، الديمقراطيّة ليست فائدة نحصل عليها من الآخرين، إنّها قيمة أساسيّة يجب أن نحافظ عليها، ويجب أن تجتمع لجنة العمل مرّتين في السنة على الأقلّ وأن يجتمع المجلس مرّتين في كذلك على الأقلّ، وينبغي أن تتاح لجميع المشاركين الذين لهم رأي فرصة للتعليق، ولا بدّ من مناقشة السياسة الوطنيّة والقضايا الإقليميّة على حدّ سواء، ويجب أن لا يقع الحزب أصلا تحت اتّهام أنّ المال هو السائد والحاكم في المجال السياسيّ، ولا يستطيع الحزب للحصول على دعم كلّ المسلمين والعلمانيّين الحقيقيّين إلّا إذا رفع عقيرته في وجه مودي أنّه لا يمكن تطبيق قانون المواطنة إلّا إذا لفظ النفس الأخير آخر مسلم في الهند كما  رفع صوته الصاحب أبو بكر  في قضيّة قانون الزواج الخاصّ في وجه  جواهر لال نهرو عام 1948