حوار مع الدكتور بهاء الدين محمد الندوي

إعداد: د.منصور الهدوي

بداية نحب أن نتعرف على بعض المحطات المهمة في مسيرة فضيلة الأستاذ الدكتور بهاء الدين محمد الندوي؛ الدراسة والعمل ومواقف مؤثرة في الحياة.

  1. من هي الشخصيات التي تأثرت بها وكيف استفدت منها؟

من أبرز الشخصيات التي تأثرت بهم في مسيرتي العلمية الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق والشيخ الدكتور  علي جمعة محمد مفتي الديار المصرية  السابق والعلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي  والعالم الأديب محمد الرابع الحسني الندوي رئيس مجلس الأحوال الشخصية لمسلمي الهند،  والشيخ سعيد الرحمن الأعظمي وأمثالهم، فتلمذت على أيديهم واقتبست منهم أنوار العلوم الشرعية والأدبية.

ومن الشخصيات التي استوقفتني في ولاية كيرالا- وفيها ولدت وترعرعت-   فضيلة الشيخ  الأستاذ شمس العلماء إي.ك  أبوبكر المسليار  والأستاذ الزاهد العارف بالله  سي.اتش. عيدروس المسليار والشيخ أبو بكر المسليار الكوتمالي كما كنت متأثرا منذ نعومة أظفاري بشخصية والدتي التى انطبعت بوالدها – الذي كان عالما روحانيا وداعية مخلصا مشهورا –  وبشخصية والدى الذي لقنني الثقافة الاسلامية و التعاليم الدينية والكتب العلمية الابتدائية

وأيامي  في الأزهر الشريف كانت هي  نقطة تحول في حياتي حيث إنها ساعدتني في توسيع نظريتي حول القضايا الإسلامية العالمية وتقدم فكرتي في طريق البحوث حولها  كما أنني استفدت كثيرا من صحبتي مع العلماء الهنديين في ندوة العلماء وجامعة عليكرة الإسلامية، والفترة الدراسية التي قضيتها في ندوة العلماء أسهمت في تطوير قدرتي في  اللغة العربية والأدب العربي،  وإن علاقتي الوطيدة مع العلماء المذكورين في كيرالا ساعدت في تثقيف شخصيتي وتربيتها بإرشاداتهم وتوجيهاتهم.

  • من المعروف أنكم رحلتم إلى جامعة الأزهر؛ فماذا أضافت لكم تلك الرحلة؟ وما هو تقييمكم للجامعات الحديثة؟

الحمد لله، قد زرت جامعة الأزهر عدة مرات في غضون ثلاثين سنة،  كل رحلة إلى تربتها العتيقة  أضافت لي معالم جديدة في طريق الدعوة حيث إنني كنت أحضر الدورات التعليمية المنعقدة هناك وأستمع إلى محاضرات العلماء المتضلعين، وبالخصوص وفقت للمشاركة في الدورات التدريبية للأئمة والدعاة والوعاظ وحصلت على شهادتها كما وفقنى الله سبحانه للمشاركة في عدة مؤتمرات عالمية المنعقدة بمصر وللتجول في محافظاتها المتعددة

 وأكثر ما استفدت من تلك الرحلات  مرافقة العلماء المشاهير  في الأزهر الشريف وغيرهم من الأساتذة المتمهرين والدكاترة المتضلعين  في العلوم المتنوعة، وفي أرضها المباركة وفقنى الله سبحانه للقيام بترجمة  كتاب الأدب المفرد إلى لغتنا المحلية حيث إنني كنت أخصص أوقاتي الشاغرة المعينة لهذه المهمة، والجدير بالذكر أن رحلتي الأولى إليها كانت من أجل إجراء حوارات مع فضيلة شيخ الأزهر ونحوه في موضوعات ترتبط بازدهار جامعتنا دار الهدى وتطويرها وترقيها

والجامعات الحديثة أراها منارات الأمل والتعليم القيم، فكل جامعة تتميز عن غيرها بمنهجها في التعليم والبحوث وتفاعيلها الأكاديمية  وتسير على أهداف لها وأكثرها تقدم للأمة  جمعاء  قيما تعليمية مستجدة وكتلة من الفتية العلماء المتقنة المفبركة وأصبح من الضروري أن يتوافق بعضهم بعضا في مشاركة أحدث الوسائل التعليمية ومشاطرة توسيع عالم البحوث لا سيما فيما بين الجامعات الإسلامية في أنحاء العالم لتنشئة جيل متيقظ يتمشى مع احتياجات المجتمع الحديث وضروريات العالم الجديد

  • يتركز ما يسمعه المسلمون في العالم عن إخوانهم في الهند في الصدامات الدينية وأخبار المسجد البابري، بحكم معايشتكم لأوضاع المسلمين في هذا البلد، كيف ترون مستقبل الإسلام وأوضاع الدعوة الإسلامية بشكل خاص؟

الإسلام في جمهورية  الهند ثاني أكبر ديانة وأكبر أقلية، والمسلمون فوق 15% من مواطنيها أي حوالي 172 مليون نسمة، وهم  في الهند وإن كانوا  معدودين في الأقليات  متيقظون في أكثر المجالات ومتحمسون في الأمور العامة وإسهاماتهم وخدماتهم في شأن الوطن ورقي المجتمع جلية، ويؤدون  العبادات وما يتعلق بها في كثير من المناطق إلا أن بعض الأماكن يكونون في حضيض الفقر والجهل ويخضعون لاضطهادات المتطرفين في أكثر الأحيان وينتبهون تماما لما يتعرضون من المشاكل بمختلف أنواعها في الوطن مع أنهم يحفظون القيم العالية للهند مثل الديموقراطية والعلمانية.

ولكن، أنا لا أنكر حقيقة أن المسلمين يمرون هذه الأيام بأصعب الأحوال  اجتماعيا ، أي نرى إجحافا بحقوق الأقليات لا سيما المواطنين المسلمين بسبب تقنينات وتشريعات للحكومة الجديدة. أكثرها غير متسمة بالعدل وغير مراعية لموقف جماهير الديموقراطية ونفسانية الشعب  ولذا للأسف، نرى حاليا المشاكل القائمة فيما بين المجتمعات نتيجة المحاولات المتضمنة  للمتطرفين الذين لا يعرفون الإسلام حق المعرفة فيحاولون لكي يشوهوه ويقللوا من شأنه، أما المسجد البابري فالحكم ببناء معبد رام مكانه نفسه كان حكما وقضاء مؤسفا للغاية بالنسبة إلى المواطنين غير المتحيزين كما أكدت  الأخبار ذلك ، ونرجو إشراق النور من جديد مع ما نحترم الآن قضاء المحكمة العليا.

والإسلام أصبح دينا أسرع نموا وأكثر قبولا فى الهند، ومن العناصر الرئيسية التي أدت إلى سرعة انتشاره الأنشطة الدينية بين المسلمين والفعاليات الأخرى المتعددة، وكل هذه المبادرات  تجري بشكل منظم  بالتركيز في المساجد والمدارس والكليات وحتى الجامعات.

 ومن الجدير بالذكر، ما تساهم به الكليات والجامعات الإسلامية في نشأة جيل يهتم بالدعوة الإسلامية داخل البلاد وخارجها، وهناك مؤسسات تعليمية كثيرة مثل المدارس والجامعات الحكومية وغيرها، كلها تهدف تكوين شباب قوي يعمل لازدهار الدولة ونموها مع الحفاظ على مبادئها وقيمها وبذل الجهود  في نشرها حتى يتعايش الشعب في أرضها بسلام وأمان فيما بينهم بغض النظر عن اختلافهم ديانة وجنسا وطبقا وما إليها

  • كيف تقوم المؤسسات التربوية والمراكز الإسلامية هناك بدورها في تثقيف الشعوب من أجل ترقية الحياة، وما هي إيجابياتها وسلبياتها؟

المؤسسات التربوية والمراكز الإسلامية الهندية تؤدي دورا بارزا في رفع مستوى حياة الشعوب وتثقيفها وترقيتها، ولا تخلو منها ولاية من ولايات جمهورية الهند لأنه حيثما يوجد المسلمون توجد معهم المساجد والمعاهد والمدارس

وأرى ولايتنا كيرالا كنموذج مثالي في هذا المجال، ذهاب الطلاب يوميا في الصباح إلى المدارس الإسلامية أصبح منظرا عاديا، ومنها يتلقون العلوم الشرعية من ألفها بإرشادات وتوجيهات معلمين ماهرين لمدة ساعتين كحد أقصى وهذا النظام المدرسي يجري منذ سنين تحت إشراف جمعية العلماء لعموم كيرالا التي حققت نجاحا باهرا بقيادتها الرشيدة ونشاطاتها المتنوعة من أجل هداية الأمة إلى سواء السبيل

وهذه صورة عديمة النظير لأن جمعية العلماء المذكورة تبدأ بثورتها التعليمية والتثقيفية منذ مرحلة روضة الأطفال وتشرف عليها لجنة روضة البر وأما المدارس فيبلغ عددها فوق عشرة آلاف ومائتين وتقسم إلى الإبتدائية والثانوية والثانوية العليا . يشمل منهج هذه المدارس القرآن والحديث والفقه والعقائد والتاريخ الإسلامي وعلم الأخلاق واللغة العربية باسم لسان القرآن كما تشرف على كليات وجامعات إسلامية وكلها خصوصية أهلية  يُنفق عليها المجتمع الإسلامي كما هناك تحتها معاهد وكليات أخرى على منهج الحكومة

 وبعد أن مضى هذا السعي التعليمي  بالطلاب عشر سنين تتاح لهم الفرص للالتحاق بإحدى الكليات الإسلامية الخاصة بالأولاد وبالبنات على حدة ليحصلوا على العلوم الدينية والمادية معا وليتخرجوا فيها بعد سنوات معينة، فجامعتنا دار الهدى الإسلامية هي أول ما قدمت  لمسلمي كيرالا هذا النوع من التعليم وهي الآن تقدم خدماتها في ولايات هندية  أخرى أيضا من أجل تربية الطلاب هناك وتوفيرهم التعليم بتأسيس مدارس وكليات في قرى مختلفة داخل الولايات ويشرف عليها الخريجون.

ومن إيجابياتها كما أشرنا التأثير البالغ الذي نشعر به في المجتمع والرقي المستدام له نتيجة المبادرات التي تقوم بها المراكز التعليمية أما السلبيات فلا نراها كثيرة إلا أن هذه الأعمال والأنشطة لا تتلقى اهتماما ومساندة كافية كما تستحقها من قبل الحكومة من حيث إنها علمانية

  • معروف عن الهند أهميتها من حيث مساحتها وكثرة عدد المسلمين مقارنة بعددهم في دول أخرى، فهل ترون أن مكانتها الإسلامية تتناسب مع هذا الحجم بالنسبة لوضعية الهند في العالم الإسلامي وعلاقاتها؟

الهند أكبر دولة بعد إندونيسيا من حيث عدد المسلمين في العالم، ومن الواضح، أن المسلمين في الهند لا يتمتعون بكل ما للمسلمين في الدول الإسلامية والعربية من الأنشطة والفعاليات، لأن الهند كما تعرفون منبع ومصدر لعدة ثقافات، فهذه التعددية الثقافية حتما تسبب في تحديد الفرص والمبادرات وتقليلها من أن تتعايش المجتمعات الأخرى أيضا بما لديهم من الطقوس والعبادات بشكل آمن، بخلاف الدول العربية مع أن المسلمين  أكبر أقلية كما وضحت سابقا.

فطبعا، المسلمون في الهند  ينتهجون منهجا يختلف عن الدول الأخرى العربية ويختلف شرقها من غربها وجنوبها من شمالها باختلاف ثقافات ولاية عن أخرى  وبتنوع طبقة وديانة وتراث وعادات عن أخرى فما نراه في كيرالا من أحوال المجتمع الإسلامي، يغاير عما نراها في مناطقها الشمالية أو الشرقية، وعلى كل حال، يقوم العلماء فيها بخدمات حميدة لإثراء عقيدتنا السمحة وإعلاء كلمة الله  والناس تحت قيادة العلماء والزعماء والأمراء يشتغلون بأنشطة الدعوة الإسلامية ويشغلون مناصب تخص بهم  في معظم المجالات.

وعلى كل حال من حيث إن هناك نشاطات دعوية واعمالا تربوية وتعليمية  سوف تكون الصورة مشرقة والأمور مزدهرة فيما بعد على حد قول الشاعر:

إذا  لاح عســـر فارج يسرا  فإنه       قضى الله أن العسر يعقبه اليسر

ولكن، أؤكد بأن الشعب الإسلامي في الهند لا يمكنهم الآن استعادة ما كانوا يتمتعون من الفرص الوفيرة والإمكانيات الموافقة  التي حصلوا عليها فيما مضى من القرون بالمعاملات التجارية والثقافية حينما كانوا في عهد إمبراطورية مغول الهندية والسلطنات الأخرى وأما يقومون به حاليا من النشاطات والفعاليات والمهام الدعوية حتى في الأوضاع الحرجة لا محالة تفتح أبواب الرقي للمجتمع الإسلامي في المستقبل إن شاء الله.

  • ما أهم المهامِّ التي يضطلع بها معهدكم جامعة دار الهدى الإسلامية حاليًّا؟ وما أبرز المسؤوليات التي تصديتم لها سابقًا وما هي الأولويات لديكم مستقبلا؟

إن جامعة دار الهدى الإسلامية جامعة مستقلة أهلية  تقدم منهجا دراسيا ممتازا، يجمع بين العلوم الشرعية والآداب العصرية مع التركيز على تعليم بعض اللغات المهمة لتمكين أبنائها للدعوة الإسلامية تماشيا مع المقتضيات الحديثة

وأبرز المسؤوليات التي قام بها جامعتنا هي توعية الأمة بضرورية نظام تعليمي أفضل وتوفير الطلبة مناخا صديقا لهم لاكتساب العلوم الدينية والمادية معا وليقدروا على معالجة القضايا المعاصرة بطريقة ناجحة وفعالة وبحمد الله تخرج في جامعتنا كثير من العلماء وهم يقومون الآن بخدمات تعليمية مثمنة في أنحاء العالم حتى تمكنت الجامعة  من تحقيق ثورة تعليمية جديدة للمسلمين.

وما تتركز به الجامعة حاليا وترجو أن تحققها في المستقبل هو ترويج هذا النوع من التعليم المثالي على مستوى الوطن بتأسيس مراكز ومعاهد تنتهج منهج دار الهدى في ولايات مختلفة وكذلك ترويجه وتقديمه حتى في الدول الأخرى المتخلفة دينيا وثقافيا مثل الدول الأفريقية لنهوضهم بشعائر الإسلام واهتدائهم إلى الصراط المستقيم.

  • أرجو أن تتفضلوا وتقدموا لقرائنا الكرام لمحة تعريفية عن جامعة دار الهدى ضمن المعاهد المختلفة في تربة كيرلا ومكانتها في الساحة التعليمية العالية؟

تأسيس دار الهدى في 1406 هـــ  كان نتيجة المناقشات الطويلة حول مستقبل المجتمع الإسلامي في كيرالا بالخصوص وفي الهند بالعموم لأن النظام السائد آنذاك كان التعليم والتربية متمركزا في المساجد حيث يملي الأساتذة العلوم الدينية والشرعية ويتلقاها الطلبة سنوات  غير معينة ولا تتاح لهم الفرصة للمسايرة مع النزعات الحديثة في عالم التعليم، وحينما دعت الضرورة إلى التركيز في العلوم المادية أيضا تشكلت الجامعة و تم توظيف الأساتذة والعلماء البارزين في فنون مختلفة لتحقيق هذا المرام المنشود

ومما يميز معهدنا من الكليات الأخرى أنه لاقى نجاحا باهرا وأصبح أكثر شهرة وقبولا  بين مسلمي كيرالا ومن ثم تم تأسيس كثير من الكليات التابعة لدار الهدى في مناطق مختلفة داخل الولاية وخارجها وتشرف على نشاطاتها جامعتنا بنفسها، وخير دليل على نجاحها أنه قد تم تأسيس عدة مدارس وكليات أخرى بعد في ولايتنا وهي تنحو نحو الجامعة في التدريس وتتبع منهجه ونظامه في التعليم، ومن الجدير بالذكر، أن خريجي دار الهدى هم الذين يشرفون على النشاطات التعليمية في كثير من هذه الكليات كما أن فيهم أساتذة وأساتذة مشاركين وأساتذة مساعدين في المعاهد والجامعات الحكومية أيضا. ومن جانب آخر تهتم الجامعة بتعليم الأجانب من عامة الناس ويشرف عليهم قسم خاص- وهو مركز التعليم والتدريب العمومي – وذلك بعقد دورات خاصة لغير الطلاب العاديين وللدعاة وللنساء وغيرهم كما تشرف على تأسيس مكاتب للطلاب الصغار في انحاء الهند.

  • حدِّثْنا عن إمكانية وجود الانسجام الديني الذي ينبغي أن يتمسك به المسلمون مع أتباع الديانات الأخرى في الهند؟

طبعا، الدستور الهندي يدعم ويشجع الانسجام الديني والوئام الاجتماعي بشكل كبير لأن التعددية في الثقافات والنظام العلماني هو ما يميز الدولة، والمسلمون يتحتم عليهم مساعدة الشعوب من الديانات الأخرى وتلبية احتياجاتهم كمواطنين كما يلزم على أصحاب المجتمعات الأخرى التعايش السلمي مع الإسلام وأصحابه، والمسلم الحقيقي هو من يصبح أسوة حسنة للجميع حتى يتأثر به إخوانهم وأصدقاؤهم وجيرانهم

 ولكل دينه ومعتقداته ولا داعي لأن نخلط ما لنا بما لهم لأن لهم دينهم ولنا ديننا ومن حيث إننا مسلمون لا بد من أن نبلغ رسالة ديننا وشريعتنا الحنيفية إليهم من غير إكراه ونسمح لهم ليعيشوا بأمان وهذا ما يتطلبه الشعب الهندي وأما ما نشاهد من أعمال العنف والكبت بالحرية من قبل المتطرفين فنتأسف عليهم وندعو جميعا لهدايتهم وعلينا وعلى المسلمين في كل مكان أن يلتزم بالإنسانية والأخوة ونعطي لكل ذي حق حقه بلا أي إجحاف ولا تقصير.

  • لقد أغنى علماء العربية الهنود العربية بمؤلفاتهم ومصنفاتهم وخدماتهم لها، فهل ترى أن المسلمين قد أجادوا تقدير هذه الجهود وأفادوا منها كما ينبغي؟

إسهامات علماء العربية الهنود وخدماتهم لإثراء اللغة العربية وثقافتها  في الهند جلية ومصنفاتهم ومؤلفاتهم في الأدب العربي قد أشاد بها إخواننا العرب قديما وحديثا وفاقوا أحيانا الأدباء في مختلف البلدان في الكتابة والخطابة وذلك بكثرة مرافقتهم مع أهل اللغة وعلاقتهم الوطيدة مع العلماء العربيين والتزامهم الثقافة العربية،  ولهذا اهتم علماء الهند بنشر  هذه اللغة الفصيحة اهتماما كبيرا وأنفقوا كل ما كانوا يملكونه من مواهب وكفاءات في تطويرها ونهضتها وقد أنجبت الهند عددا كبيرا من العلماء والأدباء والشعراء أمثال الإمام شاه ولي الله الدهلوي وأبو الحسن علي الحسن الندوي وغلام علي البلغرامي وغيرهم

وليس ثمة شك في أن اللغة العربية موضع احترام وتقدير لدى مسلمي الهند منذ أقدم العصور، كما أنهم تأثروا تأثرا بالغا بأنماط الحياة العربية، وقد أفادوا الأجيال القديمة والحديثة وقد تمكن المسلمون من استخدام اللغة بشكل جيد ولا يزالون يبدعون فيها حتى الآن ولكن حاليا أنا أعتقد أن اهتمامات مسلمي الهند بها قد قلت، واعتناءاتهم بهذا الكنز الثمين قد ضئلت،   ولا يستفيدون من أسلافهم حق الاستفادة ولا يعتنون بشأنها مع توفر الفرص كما كان القدماء يفعلون، والذي نرجوه  من الطلاب والباحثين والمتخصصين فيها أن يقبلوا نحوها بجدية ويستعدوا لثورة عربية جديدة

  1. لقد كانت لكَ زيارات علمية وثقافية كثيرة للدول العربية خاصة السعودية. فبماذا تصف هذه الزيارات؟ وماذا قدمت لك من مكونات معرفية وتواصلية وفكرية؟

بتوفيق الله تعالى وكرمه قمت  بزيارة أكثر  البلاد العربية وجلها أكثر من مرة، وأسباب الزيارات كانت مختلفة إلا أنني كنت كثيرا  ما أتلقى الدعوات  للمشاركة وإلقاء المحاضرات في المؤتمرات والندوات وورشات عمل، وكنت أسافر أيضا لعقد مذكرات اتفاقية بين جامعتنا دار الهدى والجامعات الشهيرة الأخرى، وكل رحلة إلى أراضي الدول العربية زودتني بكثير من التجارب الدينية والثقافية وتعزيز العلاقات الثنائية مع مشاهير الرجال منها كولاتها ووزرائها وعلمائها وقضاتها وكنا بحمد الله نشاطر أفكارنا وخواطرنا حول العالم الإسلامي ومستقبله

إن عالم العرب عالم وسيع ومبارك بثقافاتهم الأنيقة وتراثهم العتيق وأعمالهم الخيرية وخدماتهم  النبيلة للإسلام والمسلمين في كل مكان، وأنا شخصيا أحفظ علاقة وطيدة مع المملكة العربية السعودية  ولا سيما مع رابطة العالم الإسلامي بزياراتي لها ومناقشاتي مع علمائها وأمرائها  وكانت زيارتي الأخيرة لها قبل سنة ونصف حيث إنها كانت استضافت مؤتمر رابطة الجامعات الإسلامية بمكة المكرمة وبكل احترام أقدر الجهود المثمنة لجلالة ملك المملكة السعودية للحفاظ على تراثها العربي وكيانها الأصيل ولا أشك أن علاقاتها مع المسلمين وخدمات الرابطة في البلدان الأخرى ستبقى وتستمر لإعلاء كلمة الله في أنحاء العالم.

  1. عرِّفنا بإنتاجكم من المؤلفات والأبحاث العلمية، وما الإضافة النوعية في أعمالكم العلمية؟

الحمد لله بفضل الله ومنته العظيمة قمت بتصنيف وتحرير أكثر من خمسين كتابا كما كان لي حظ أوفر في ترجمة بعض الكتب العربية أيضا وإعداد رسائل خاصة بالمؤتمرات والندوات الدولية وغيرها، ومعظمها تتمحور في الدعوة الإسلامية والعلوم الشرعية والمواضيع المعاصرة التي تتعلق بمبادئ الإسلام ومحاسنه ومعتقداته، ولم آل جهدا في معالجة القضايا الاجتماعية والدينية التي تعرض بين الفينة والأخرى فأكتب مقالات تخصها في الصحائف اليومية والشهرية ونحوها  بولايتنا.

فأكثر ما أحب وأفضل في التصنيف هو تفسير كتاب الله تعالى وشرح الأحاديث النبوية  ومن أبرز مصنفاتي وشروحي كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم في اللغة المليبارية، اللغة الأم، لأن التصنيفات بخصوص التفسير في لغتنا كانت قليلة فبذلت كل الجهد لمدة سنوات  لإصدار  هذا النوع من الترجمة وأكملتها بنجاح والحمد لله، كما ألفت كتاب قطاف ثمار الملخين في شرح صحاح الشيخين وفقه الأطفال ككتاب دراسي في الفقه الشافعي  وتاريخ الأدب العربي وترجمة الأدب المفرد للإمام البخاري إلى اللغة المليبارية ومختصر رياض الصالحين مع الشرح والتعليقات ومختار الأخلاق والآداب من أحاديث رسول الوهاب  وكتاب الإسلام والمسيحية كدراسة مقارنة بينهما، وقد تمكنت من  تعليق وتحقيق بعض الكتب الأخرى وكتابة المقالات في المجلات العربية والإنجليزية وغيرها والله ولي التوفيق.

  1. ما موقع المرأة المسلمة داخل البنية العلمية الفكرية والأدبية بالهند؟

كانت المسلمات في الهند تحتل مكانة خاصة بهن في الأمور الدينية والشؤون الاجتماعية منذ ظهور الإسلام فيها، وكان لهن دور ريادي في المجال العلمي والأدبي وقد أنجبت الهند عدة عالمات وكاتبات ومعلمات  وروائيات وأميرات  اشتهرن بإسهامات وخدمات جلية لديننا الإسلامي وللوطن، والمسلمات في الهند تتمتعن بالفرص والتسهيلات لتلقي العلوم والفنون مع أن بعضا منهن أخذن أمور الدولة بعين الاعتبار وصرفن إليها عنان العناية من غير تجاوز للحدود التي رسمها لهن الإسلام.

والآن، هناك  مؤسسات دينية خاصة بالنساء في مختلف أرجاء الهند وأنحائها، وهي تهدف رفع شأن المرأة وتثقيفها وتمكينها فكريا وعمليا لتربية الأجيال القادمة وذلك بتلبية حوائجهن الأساسية وتغذيتهن العلوم الدينية والمادية، مثل كلية فاطمة الزهراء الإسلامية التابعة لجامعة دار الهدى الإسلامية، كيرالا والكليات العربية للوفيّات التابعة لتنسيق الكليات الإسلامية في كيرالا فهي تواصل مسيرتها النجاحية بمبادرات مبتكرة كما تأسست كليات خاصة بالفتيات منذ سنتين تحت جمعية العلماء لعموم كيرالا

والبنات اللاتي يكملن دراستهن ويتخرجن في تلك الكليات كالزهراويات والوفيات ، لديهن مقدرات فائقة ومهارات متنوعة للقيام بأنشطة الدعوة الإسلامية، وكذلك نرى مؤسسات متعددة خاصة بالنساء في مناطقنا فهي كلها توفر لهن الفرص وتفتح أمامهن عالم الأفكار والإبداع وهذه هي الطريق الوحيدة والمناسبة في عصرنا الحديث لزيادة وعيهن حول الإسلام وترسيخ عقائده وتعليم العلوم المعاصرة.

  1. بشكل عام.. كيف ترون حالة الأمة الإٍسلامية في ظل المشكلات والأزمات التي تعصف بالعالم الإٍسلامي؟

الأمة الإسلامية ما زالت تواجه  المصائب  منذ بدايتها إلى عصرنا هذا من حين إلى حين، بدءا من أقسى أنواع التعذيب من المشركين بمكة، ومرورا بوقائع أليمة في التاريخ الإسلامي وتعاني هذه الأيام من أزمات ومشاكل يختلف قدرها وحدّتها باختلاف البقع والمناطق  والبلاد، فالذي يتوجب على المسلم في مثل هذه الأحوال، أن يتوكل على الله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وأن لايفقد إيمانه بمولاه -عز شأنه وجل – وأن يصبر في الآفات والبلايا فإن له ربا سيثيب له قدر صبره، وقد علمنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم “يأتي على الناس زمان الصابر فيهم كالقابض على الجمر  ”  وعليه ألا يحيد قيد أنملة عن تنفيذ أوامر الله ولا يتجرب القهقرى في تبليغ رسالات الدين الحنيف بالموعظة الحسنة. ونرى الإمام الشافعي – مثلا – يسلى هؤلاء المضطهدين:

ولا تجــــزع لحـــــادثة الليــــالي فما لحـــــوادث الدنيا بــــقاء

ولا تـــر للأعــــــادي قـــــط ذلا                فإن شــــماتــــــة الأعــــــــدا بـــــلاء

فعلى العالم الإسلامي أن يتيقظ كل حين ويبذل قصارى جهده في توحيد كلمته ومساعدة الإخوان المؤمنين مهما كلف الأمر لأنه إذا انقطعت وصلتنا ولم تتقو رابطتنا فلا يبقى لنا -نحن الأمة المحمدية- مستقبل باسم وينبغي أن نبقى شامخين متكاتفين في تحقيق أحلامنا، أما المصائب والأزمات التي تترى وتتوالى  فنصبر صبرا جميلا وفي كل خير مصداقا لما قال قدوتنا وأسوتنا محمد  صلى الله عليه وسلم”عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له” والله يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

  1. كيف ترون جهود رابطة العالم الإسلامي في الوقت الحاضر؟

إن تواجد هذه الرابطة أمام الأمة الإسلامية محمودة من حيث أهدافها السامية وجهودها النبيلة ونشاطاتها المتعددة وخدماتها المتنوعة، وبالخصوص أعمالها في المجالات الإسعافية والإغاثية والتثقيفية. ومما يتطلب المجتمع الإسلامي العالمي من الرابطة – بخصوص هذه الآونة الراهنة – تفاعلها مع الهيئات العالمية في مواجهة الإسلاموفوبيا مع أشكالها المتنوعة وضروريتها المختلفة ورفع مشاكل المضطهدين انحاء المعمورة إلى المنصات الدولية والمحاكم العالمية والاتصال مع حكومات بلاد الظالمين المتطرفين المعتدين تجاه المستضعفين بالأساليب الوحشية وحث تلك الحكومات ودعوتهم إلى اتخاذ المواقف الإنسانية العادلة والمعاملات المنصفة كما يجب على الرابطة استلفات نظر حكام البلاد العربية وأعيانها وشعوبها – حتى يأخذوا حذرهم-  إلى المعاملات السلبية من المتطرفين المقيمين في بلادهم لإشاعة العنصرية الضيقة والأفكار التهميشية الفظيعة.

  1. هل من رسالة أخيرة تودون توجيهها للمسلمين في الهند أو المسلمين في سائر بلاد العالم؟

يجب على المسلمين – من حيث انهم مجتمع له مزايا عديدة يقودهم الدستور القرآني  ويسودهم ذلك الزعيم العبقري الرسول محمد صلى الله عليه وسلم – مهما كانوا يعيشون في أي بلد، ومهما كانوا مسيطرين على أي تقدم علمي وازدهار تقني ترسيخ الإيمان في قلوبهم حتى يستحقوا النصرة الربانية حيث يقول: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم: 47) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  ( آل عمران: 139)، وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ( محمد 35)  ثم العزم على مواجهة المشاكل والعراقيل والاضطهادات بكل صبر ومثابرة مثل الأمم العابرة ”  مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ  أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” ( البقرة 214) ويداومون على طلب الإستعانة من الله سبحانه لأن النصر والغلبة لا يكون إلا من عنده كما قال الشاعر:

إذا لـــــــم يـــــــــعــنــــك الله فــــــــيــــمــــــا تريــــــده               فــليـــــس لمــــــخـــــلوق إلــيــــه سبيل

وإن هو لم يرشدك في أي مسلك                 ضللت، ولو أن السِّماك دليل