الباحث / عماد حمدي أحمد الإبياري
باحث ماجستير بكلية دار العلوم جامعة القاهرة -مصر
ويعد الإهتمام بالمشكلات الزوجية اتجاها عالميا حديثا إذا ارتبط بالمجتمعات المعاصرة التي أخذت بأسباب التنمية والتحديث ويسبب ارتفاع معدلات الطلاق بصوره عامه ، والطلاق الصامت بصوره خاصه في العالم مما يجعل الخلافات الزوجية موضوعا مهما في مجال علم النفس.
والطلاق الصامت أحدي صور الطلاق المعروف الذي ظهر في مجتمعاتنا بشكل جلى واضح ، والتي اتجهت إليها علماء الاجتماع بالبحث والنظر ؛ لأنه أكثر أنواع الطلاق خطورة ، وأشدها ألما ، كون الشريكين يعيشان تحت سقف واحد ، لكنهما مطلقان من دون شهود ، ويظهر بين الزوجين ، عندما يغيب الحب والتفاهم والانسجام المتبادل والثقة ، والرغبة الحقيقية في البقاء معا فتتدخل الحياة الزوجية في حالة موت سريري، وهى حالة مرضية ننوى بذور جراثيمها في جسد الحياه الزوجية وروحها ببطء شديد في غالب الاحيان حتى تتمكن من أركانها فيلتفت الزوجان بعد غفله ليشهد العشق الزوجي بلا ضحكات وصمت خانق يصيب المشاعر في فؤادها فإذا فقدت الحياه الزوجية الكلمات العذبة فليس ثمة إلا الجفاف الذي يسهم في استنبات شجره الطلاق الصامت الخبيثة إذا يضعف الترابط بالتدريج ثم يسقط فجاه .
إذاً الطلاق الصامت هو حالة يعيش فيها الزوجان منفردين عن بعضهما البعض رغم تواجدهما منزل واحد ، ولكنهما يعيشان في الغزال عاطفي ، ولكل منهما عالمة الخاص البعيد عن الطرف الأخر وينتج عنه بروده الحياه الزوجية وغياب الحب والرضا من العلاقة بين الزوجين .
وهناك العوامل التي أدت الى ظهور هذه الظاهرة عديدة منها : مشكلات ذاتية وتتمثل فى عدم التفاهم بين الزوجين وعدم طاعه الزوجة لزوجها مثل الخروج المتكرر من البيت ….. وقله اهتمامها بالواجبات الأسرية بزوجها ، ومشكلات اقتصادية وتتمثل في التقصير فى تلبيه احتياجات الأسرة سبب الفقر والبطالة وغلاء المعيشة، ومشكلات اجتماعية وتتمثل فى الزواج المبكر بين اسبابه كثره انجاب البنات لدى الأسرة التي تسعى لتزويج بناتها خشيه بقاء هذا العدد الكبير دون زواج ، والمشكلات المادية الذي يلعب المال فيها دور هاماً في صميم العلاقات القائمة مع الزوجين بصفه خاصه حينما يؤدى اسراف الزوج أو الزوجة الى الاستدانة ، وهناك عوامل أخري تظهر بالبحث والتقصي.
الزواج في الشريعة الإسلامية رباط مقدس وميثاق غليظ بين رجل وأمراه ، ورباط شرعه الله -سبحانه وتعالى- ليستمر النوع البشري وتتم به خلافه الله على الأرض ، والعلاقة الزوجية علاقه انسجام ؛لأنها رابطه بين قلبين وواصله بين جسدين ، وهي من اسمى العلاقات بين البشر فعليها يقوم بناء المجتمع بأكمله وهي علاقه مستمرة ومتصلة لها متطلبات متبادلة تقضي الاشباع المتزن عاطفيا وجنسيا واقتصاديا ، ولا يحصل السكون والاطمئنان في الحياه الزوجية إلا إذا كانت العلاقة بين الزوجين في إطار المودة والرحمة .
ومما لا شك فيه أن الطلاق الصامت مصدراً رئيسياً لمعاناه الزوجين وحجر عثر في المجتمع وينعكس بشكل أو بأخر على جميع أفراد الأسرة ، الحديث عن الانفصال الصامت بين الزوجين أو يمكن تسميته مجازاً (الطلاق الصامت) يتطلب معرفة منهج الاسلام في الزواج فكثير من الناس يظن أن الزواج في الاسلام لا يقوم على العاطفة وأنما ينظر الرجل إلي المرأه أولا ينظر إليها في بعض الواسط فان اعجبته ذهب إلي بيت أبيها ليطلب زواجها ويتم الاتفاق على المهر والتجهيز ثم يكون البناء وتبدأ عجله الحياة الزوجية ومن المعلوم أن معرفة أي حكم يرجع فيه إلي كتاب الله وسنه نبيه (صلى الله علية وسلم ) كمصدرين للأحكام الشرعية في الاسلام بل وكمنهج حياة للمسلمين ؛ لأن حصر فأئده القران والسنه في معرفة الحكم الشرعي … من التقليد المرفوض بل هو منهج متكامل للحياة والدين.
وحين ننظر القران الكريم في آيات الزوج يكاد ينطق بإقامة الحياة الزوجية على الحب والعاطفة وعلى الاحترام المتبادل بين الزوجين لبعض كل منهما إلي الاخر والمعاشرة وأحاسيسه ووجدانه في جو من النظافة النفسية ولتتغذى الارواح بكل الحب الذي يثاب عليه الزوجان، ومن ذلك قول الله تعالي ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ﴾[ سورة الروم: 12] – معنى المودة والرحمة : عطف قلوبهم بعضهم على بعض ، وقال ابن عباس-رضي الله عنه- : المودة هي حب الرجل إمراته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء ، والعاطفة تأتي من خلال الإرتياح النفسي لكل من الرجل والمرأة ، ولذا اباح الشارع الحكيم النظر إلى المخطوبة قبل خطبتها ، فيخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم – أحد الصحابة فقال : ( أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) -، وقال أيضاً : ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾[ النساء : 19] قال ابن كثير -رحمه الله- : (( أي طيبوا اقولكم لهن ، وحسنوا افعلكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ))، وكل ذلك يشير إلي بناء الاسرة على السكن والمودة والرحمة وكلها معانٍ تدخل في دائرة العاطفية والحب وتكرر هذا المعني في أية أخرى حيث قال الله : ﴿ هو الذي خلقكم من نفس واحدةٍ وجعل منها زوجان ليسكن إليها ﴾[الأعراف : 189 ] ، ويحب على المرء ذلك أيضاً كما قال تعالى : ﴿ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ﴾[البقرة : 228]، وعليه فليس هناك ألفة بين إثنين كألفة الزوجين، ولذا جعلها الله تعالى في آية من آياته التي يجب أن يتدبر فيها .
وذلك أن النظر أولى رسائل القبول بين الرجل والمرأة ، ويتأكد هذا المعني فكان لنا المصطفي -صلي الله عليه وسلم – خير الدليل والتأييد ، فقد صرح الرسول – صلى الله عليه وسلم – بحبه لنسائه على ملأ من الصحابة ، فعن عمرو بن العاص قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ قال: أبوها، قال: ثم من…. ، ولأن كان الحب لابد في من التعبير ، فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يظهر هذا الحب لزوجاته-عليهم السلام- .
وكان في النبي -صلي الله عليه وسلم – الإسوة الحسنه فقد كان يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ثم تنصرف كل واحدة الى منزلها ، وكان إذا صلي العشاء يدخل منزله فيسمر مع اهله قليلا قبل أن ينام يؤانسهم بذلك .
ولقد كان النبي قدوة في إثراء مظاهر الحب بين الزوجين فقد كان يلاعب عائشة : بل ويترك لها أحياناً لعباُ تلعب بها مراعاه لسنها بل لما قام الاصاش في المسجد يلعبون وفقت عائشة -رضي الله عنها- خلفه لتشاهدهم فلما ملت استأذنت الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفي ذلك مراعاه للزوجة الصغيرة وكانت إذا شربت من الأناء امسكه ووضع فمه في موضع فمها وشرب بل كان يمسك العظم الذي به اللحم بعد أن تأكل عائشة فيضع فمه في موضع فمها وكان كثيرا ما ينام في حجرها بل ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم -أنه كان يجري مسابقة جري بينه وبين عائشة أكثر من مره فسبقته أول مره ثم سبقها مره أخرى فداعبها قائلاً هذه بتلك ، ويهدي إليهن بعض الهدايا ترقياً لقلوبهم وتطيباً لخاطرهن فتظن كل منهن أن لها الصدارة في قلبه -صلى الله عليه وسلم- .
فأن كان هذا شأن نبي الأمه- صلى الله عليه وسلم- الذي أرشدهم إلي منهج الحب بين الزوجين وأعطائهم نماذج ليست للحصر للاقتداء والزيادة ، وهذا يعني أن العاطفة لها شأن كبير في الحياة الزوجية في الاسلام وأن العيش مع الانفصال العاطفي هو أشبه بالموات أو الفراق .
ولئن كان الانسان روحاً وجسداً فإن انفصال الروح يأذن بانفصال الجسد غير أن هذا لا يعني أن الحياة بين الزوجين مستحيلة كما لا يعني عدم جواز المعاشرة فقد أمر الاسلام الزوجين أن يصبر كل منهما على الاخر وأن ينظر إلي وسائل العلاج التي تعيد الحب بينهما وتقوية في حياتهما ليهنئا بياة سعيدة كما أرادها الاسلام .
وواجبنا نحو هذه الظاهر هو تدخل أهل العلم والحكمة بين الزوجين واسترضاءهما ، وهذا الصلح من الأمور التي نادت بها الشرع الحنيف ، لقول الله تعالى: ﴿ فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْر﴾ [ النساء:128] ، ولكن أصبح اليوم يكاد يكون مهجوراً .