يوم عاشوراء وأثره على المسلمين

عماد حمدي الإبياري، باحث في جامعة القاهرة

ومن أيام الله تعالى الفاضلة وعظيمة الأجر والثواب ومستحبة الصيام يوم عاشوراء ،  وكلمة ” عاشوراء ” تعني في اللغة العربية العاشر ، ولذلك جاء عاشوراء في اليوم الموافق للعاشر من شهر محرم ، ومن هنا تأتي التسمية أي اليوم الواقع في العاشر من هذا الشهر “محرم”،  وقال الزين بن المنير-رحمه الله –([1]) في ذلك: (( الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية )) ، وقيل : أن سبب تسيميته بذلك ؛ لأن الله تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء وهم موسي ونوح فاستوت سفينته على الجودي في هذا اليوم ويونس بأن أنجي فيه من بطن الحوت وأدم بأن تاب عليه ويوسف بأن الله أخرجة من الجب وعيس بأنه ولد فيه وفيه رفع وداود أن تاب الله عليه ويعقوب فيه رد بصره ونبينا محمد -عليهم جميعا منا الصلوات والسلام – بأن الله عفر له ما تقدم من ذنبة وما تأخر([2]) .

وصيام يوم عاشوراء مستحب لما جاء من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال :(( أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصوم عاشوراء، يوم العاشر)) رواه الترمذي .

     وقال الإمام النووي-رحمه الله- : ” اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سنّة ليس بواجب، والعلماء مجمعون على استحبابه وتعيينه “.

    والحاصل من مجموع الأحاديث الواردة في يوم عاشوراء أن العرب في الجاهلية كانت تصوم يوم عاشوراء من قريش وغيرهم واليهود أيضاً ، وجاء الإسلام بصيامه متأكداً، ثم بقي صومه أخف من ذلك التأكيد، هذا اليوم الذي نجّى الله فيه سيدنا موسى -عليه السلام- وقومة من الغرق ، وأهلك فرعون وجنوده ومن اتبعوه ، لما جاء من حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال:  لما قدم رسول الله إلي المدينة وجد اليهود صياماً فقال لهم رسول الله: ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ ، قالوا: هذا يوم عظيم نجى الله فيه موسى-عليه السلام – وقومه وأغرق فرعون وقومه صامه موسى -عليه السلام- شكرا لله، فنحن نصومه فقال- صلي الله عليه وسلم- : (( نحن أحق موسى منكم فصامه وأمر بصيامه)) أخرجة البخاري ومسلم في صحيحهما ، فلقد كان فرعون ظالماً قاهراً لبني إسرائيل، يُقتّل أبناءهم، ويستحي نسائهم ، إلّا أنّهم لم يُقاتِلوه، بل أُمروا بالصبر عليه، والتوكّل على الله تعالى، والدعاء والصلاة، فجزاهم الله تعالى على ذلك خير الجزاء ، وورد ذلك في قوله سبحانه: (وَأَورَثنَا القَومَ الَّذينَ كانوا يُستَضعَفونَ مَشارِقَ الأَرضِ وَمَغارِبَهَا الَّتي بارَكنا فيها وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسنى عَلى بَني إِسرائيلَ بِما صَبَروا وَدَمَّرنا ما كانَ يَصنَعُ فِرعَونُ وَقَومُهُ وَما كانوا يَعرِشونَ) [ سورة الأعراف – 137] .

      لذلك أود أن أعرض بعض اللمحات حول يوم عاشوراء ومدى تأثيره على المسلمين والمجتمع الإسلامي عامة ، ومن هذه اللمحات :

أولاً : الإقتداء بالنبي -صلي الله عليه وسلم- ؛ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [ الأحزاب: 21 ] ، ونحن جميعا مأمورين بإتباع النبي- صلي الله عليه وسلم- ؛ لأن طاعة من طاعة الله -سبحانه وتعالى -فهي من لزوم اتباعه .

ثانياً : وحدة صفوف الأمة الاسلامية ، وقد حث الله عز وجل لتقوية الأخوة الإيمانية، حيث قال في محكم تنزيله : ﴿ إنما المؤمنون إخوة﴾ [ الحجرات:10] ومن جانب أخر نهى عن التفرقة في كيان الامة فقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا… [ آل عمران:103] .

ثالثاً : صيام يوم عاشوراء يكفل تكفير ذنوب سنة كاملة سابقة ( سيئات عام تغتفر بصيام يوم واحد ) ، الصغائر دون الكبائر ، وهذا من عظيم فضل الله -تعالى- وكرمه على عباده المسلمين ، روى مسلم عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ) أخرجه مسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه، والترمذي في سننه ، وابن ماجه في سننه، وابن حبان واللفظ له.

      قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله- في تكفير عاشوراء للذنوب: “وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ، لِلصَّغَائِرِ فَقَط”، ويؤيّد ذلك قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: ( الصَّلواتُ الخمسُ والجمُعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ ما بينَهنَّ إذا اجتنَبَ الْكبائر)” رواه مسلم في صحيحه .َ

رابعاً : تذكرة المسلمين لأيام الله تعالى بتذكر مثل هذه الأيام التي نجي فيها موسي -عليه السلام -وقومة ، واهلك فرعون وجنوده ، قال تعالى : ﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور [ سورة إبراهيم: 5 ] .

    قال ابن كثير -رحمه الله- : ( وذكرهم بأيام الله ) أي بأياديه ونعمه عليهم في إخارجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه ، وإنجائه إياهم من عدوهم ، وفلقه لهم البحر ، وتظليله إياهم بالغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى إلى غير ذلك من النعم . قال ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد .

خامساً: إن الدعاء المسلمين في هذا اليوم مستجاب بفضل الله تعالى ، وهذا الدعاء من السُنن الواردة عن المصطفي –صلى الله عليه وسلم-، والذي أوصانا بالحرص على ترديد أفضل ادعية يوم عاشوراء .

    وأرشدنا النبي -صلي الله عليه وسلم- إلى أن هناك أدعية يُستحب ترديدها أثناء صيام يوم عاشوراء ، ومن الأدعية المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم:  «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَجْعَلَ النُّورَ فِي بَصَرِي، وَالْبَصِيرَةَ فِي دِينِي، وَالْيَقِينَ فِي قَلْبِي ، وَالْإِخْلَاصَ فِي عَمَلِي ، وَالسَّلَامَةَ فِي نَفْسِي، وَالسَّعَةَ فِي رِزْقِي، وَالشُّكْرَ لَكَ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي».

    وأيضاً : (( لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم. اللهم إني أسألك الجنة وأستجير بك من النار)).

    ومن هذه الأدعية أيضا: (( يا رحمن الدنيا والآخرة لا إله إلا أنت اقض حاجتي في الدنيا والآخرة وأطل عمري في طاعتك ومحبتك ورضاك يا أرحم الراحمين وأحييني حياة طيبة وتوفّني على الإسلام والإيمان يا أرحم الراحمين وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم)).

سادسا: إن الله -تبارك وتعالى- جعله زمانًا لقبول التوبة وإجابتها؛ فعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إِنْ كُنْتَ صَائِمًا شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ فَصُمِ الْمُحَرَّمَ؛ فَإِنَّهُ شَهْرُ اللهِ، فِيهِ يَوْمٌ تَابَ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ» رواه ابن أبي شيبة في “المصنف”، والترمذي في “الجامع” وحسنه”، والدارمي في “السنن، فهنئً لمن تام .

سابعا: إن صيام يوم عاشوراء شكر لله -سبحانه وتعالى – فهو يوم فرح وسرور بنصر الله عزوجل لإظهاره الحق بنصرة نبيه موسي عليه السلام – وإنزاله المن والسلوي وغيره من النعم ، وقهرة الظلم بموت فرعون وجنوده الذين طغوا في الأرض .

ثامنا : صيام يوم عاشوراء فيه تربية للنفس على الطاعات والسمو بها نحو الكمال والعمل الصالح والعودة الى الله -تبارك وتعالى – فلقد قال تعالى : ﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ فكل أنسان مسؤول عن نفسة لأنه سوف سيحاسب ويُسأل فرداً فقال تعالى : ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا(93)لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾   [ سورة مريم: 95 ] ، والإنسان لا يمكن أن يستفيد مما يقدَّم  له من خير ما لم يكن منه مبادرة ذاتية .

تاسعاً: ما تنعم به المسلمين الصائمين من ثواب كبير وفضل عظيم، فاحرصوا – بارك الله فيكم – على استغلاله على الوجه الذي يعود عليكم بالنفع في الدارين؛ كما قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الكَيِّس من دانَ نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني))؛ رواه أحمد، والترمذي وابن ماجه، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع.


[1] هو زين الدين بن المنير المالكي ، علي بن محمد بن منصور بن أبي القاسم بن مختار بن أبي بكر، القاضي زيد الدين، أبو الحسن بن القاضي أبي المعالي، وولد سنة تسع وعشرين وست مائة، وتوفي سنة خمس وتسعين وست مائة، يوم عيد الأضحى، وحدث بمكة والثغر، وولي قضاء الثغر مدة، وأفتى، وصنف، ودرس .

[2] عمدة القاري 17/135.