فاريان كوناتو كونج أحمد حاجي وعلي مسليار: هم الوطن رغم أنف المرتزقة

عندما يتعلق الأمر بمحاربة للوطن ضد المستعمرين الغزاة أصبحوا زعماء لا مثيل لهم، ولكن عندما يحين دور الاعتراف بالتزاماتهم وتضحياتهم للأمة، فلن يتم رؤيتهم أبدًا في قائمتهم. في الواقع، ويتم طردهم من جميع سجلاتهم الصحيحة. يبدوا مألوفا؟ هذا هو مصير بعض أبطال حركة الحرية الهندية، خاصة إذا كانوا مسلمين أو من الفئات المهمشة في المجتمع الهندي.

ظهرت هذه القضية مؤخرًا عندما تم الإعلان عن فيلم بعنوان فاريان كونان (Variyankunnan) من قبل المخرجين المالايالاميين عاشق أبو وبريثفي راج في يونيو من هذا العام.  فجأة كان التركيز من قبل المناقشين في القنوات على ثورة مالابار، اختار البعض المجادلة لتكرار دوره في حركة الحرية بينما شوهه آخرون بسبب الفظائع المزعومة خلال النضال. لأنهم رأوه متعصبًا ارتكب أعمال عنف ضد آلاف الهندوس آنذاك.

اندلع خلاف آخر عندما أشير إلى أن فاريان كوناتو كونج أحمد حاجي وعلي مساليار – وهو زعيم آخر في ثورة مالابار، تم إدراجهما في الواقع كمقاتلين من أجل الحرية في قاموس الشهداء: نضال الهند من أجل الحرية 1857-1947.

وهذا القاموس المكون من خمس مجلدات والذي يحتوي على تفاصيل الشهداء من حرب الاستقلال الأولى للهند عام 1857 وحتى استقلال الهند عام 1947 في عام 2019 تم إصداره من قبل رئيس الوزراء ناريندرا مودي.  اعتبر ذلك بمثابة ضربة للقوميين الهندوس الذين بدأوا على الفور حملة ضد محتويات الكتاب.

وبالطبع تماشيا مع هذه الهتافات الكاذبة، تمت إزالة النسخة الإلكترونية على الفور من الكتاب الذي يحتوي على الجزء من الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة وكان التفسير المقدم هو أنه تم إجراء “تصحيح الأخطاء في القاموس” وسيتم إعادة إصداره قريبًا.

وأخيرا، إن لجنة مكونة من ثلاثة أعضاء من المجلس الهندي للبحوث التاريخية (ICHR)، والتي تم تشكيلها لمراجعة أسماء “المناضلين من أجل الحرية” من 1857 إلى 1947، قد استعرضت محتويات المجلد الخامس ونظرت في إزالة 387 اسماً من “شهداء مابلا” لعام 1921 بمن فيهم فاريان كوناتو كونج أحمد حاجي وعلي مسليار لعلاقتهم بحركة الخلافة في مليبار .

بدأت ثورة مالابار أو مظاهرات مابلا من 20 أغسطس 1921 إلى 1922 في ولاية كيرالا من قبل المستأجرين المسلمين لمقاومة الحكم الاستعماري البريطاني وملاك الأراضي الهندوس المحليين.  كان البريطانيون يثبتون أقدامهم في تربة مليبار ويكتسبون القوة لحكمهم من خلال منح الهندوس الإقطاعيين مناصب في السلطة. أما الهندوس الذين دعموا الحكم البريطاني فقاتلوا ضدهم ما أدت الى الانتفاضة حتى خلفت مقتل حوالي 10 آلاف شخص، من بينهم 2339 ثائر بحسب الروايات التاريخية.

فاريان كوناتو كونج أحمد حاجي كان شخصية مهمة في التاريخ الاستعماري لولاية كيرالا كزعيم ثائر عارض ضد الحكم البريطاني العظيم، ولد في عائلة مسلمة ثرية سبعينيات القرن التاسع عشر، ونشأ وهو يسمع قصص التعذيب والظلم الذي مارسه البريطانيون على السكان المحليين وعائلته. وتم ترحيل والده محي الدين كتي حاجي وسجنه في جزر أندامان (Andaman Islands) لمشاركته في ثورة ضد البريطانيين. لعبت هذه الحوادث الشخصية دورًا مهمًا في إشعال نار الانتقام في قلب كونج أحمد في وقت مبكر جدًا من حياته.

كان أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في حياة الحاج المبكرة هو افتتانه بأشكال فنية تقليدية قائمة على الموسيقى مثل الطبل بالدفوف (Daffumutt) وقصائد مثل غناء ملحمي لانتفاضة مالابرم(Malappuram Padappattu) و غناء ملحمي لغزوة بدر (Badr Padappattu)، واستخدم الفن كأداة لحشد السكان المحليين ضد البريطانيين من خلال التذرع بمثل هذه القصائد التي تحدثت عن استغلال الفلاحين من قبل الإقطاعيين في ظل حكم البريطانيين والتي تم حظرها لاحقًا من قبلهم. كان كونج أحمد حاجي يتحدى البريطانيين في نفس الوقت ويثير المشاعر ضدهم بين السكان المحليين. كانت هذه الثورة بدأت استمرارًا لسلسلة من الغضب الذي بدأ يتصاعد ضد المستعمرين، والذي يُعتقد أنه أدى إلى انتفاضة مالابار في عام 1921.

كان كونج أحمد حاجي يحظى بالاحترام لمعرفته وتفوقه باللغة الأردية والعربية والإنجليزية، وبحسب التاريخ، أنه قدم إلى دائرة الضوء أولا في اجتماع عقد في منجيري حضر فيه كبار الزعماء لحركة الخلافة والمؤتمر الوطني الهندي (Indian National Congress) أمثال كاتيلاشيري محمد مسليار (Kattilassery Muhammad Musaliyar) وأم بي نارايانا مينون (MP Narayana Menon). على الرغم من أنه كان يعتقد أنها قضية تركية إلا أنه وعد بالانضمام إليهم في حركة الخلاقة ضد الفظائع التي ارتكبها البريطانيون وملاك الأراضي.

عندما تلقى كونج أحمد حاجي نبأ اعتقال زعيم الخلافة على مسليار في تيرورنغادي (Tirurangadi) ونهب المسجد وقتل بعض ضباطه قرر حمل السلاح ضد البريطانيين وقام بترتيب مجموعة من الجيش بمساعدة بعض رجال سيبوي (sepoys) الذين احتشدوا خلفه بحماس، ذاع صيته كزعيم للخلافة جميع أنحاء كاليكوت وجنوب مالابار.

على الرغم من أن الروايات البريطانية البارزة وصفته بأنه متعصب ديني لإحداث انقسامات داخل الحركة وثوارها، كان حاجي مدركًا لقوة الوحدة بين الهندوس والمسلمين وتـأكد من جانبه الأمن الكافي لأتباع الديانات الأخرى أيضا.

أكد حاجي أن الحركة لها طابع علماني إلا أن هناك احتمال أن تفقد الحركة اتجاهها وربما تؤدي إلى أعمال شغب طائفية، لكن حاجي أعطى أوامر لأتباعه على الأمن الكافي لكل من الناس على اختلاف أجناسهم وأديانهم وألا يتعرضوا للتعذيب. لكنه في الوقت نفسه استهدف كل من ساعد البريطانيين، سواء كانوا هندوس أو مسلمين.

كتب حاجي رسالة في صحيفة دا هندو (The Hindu) في 18 أكتوبر 1921 مبينا الاهتمام الكبير في الوحدة في الصف ومنكرا كل هذه الادعاءات المزيفة عليه قائلا:

“المحرر المحترم، أطلب منكم نشر الحقائق التالية في صحيفتكم.

حسب التقارير الصحفية من مليبار التي ستحصلون عليها أنه لم تكن هناك الوحدة الهندوسية -الإسلامية في مالابار تمامًا. يبدو أن التقرير الذي يفيد بأن الهندوس تم تحويلهم قسراً (من قبل أي رجل) غير صحيح على الإطلاق. تم إجراء مثل هذه التحويلات من قبل الحزب الحكومي ورجال الشرطة الاحتياطية في لباس مدني (Reserve Policemen in mufti) المختلط مع الثائرين (متنكرين في زي الثائرين). الهندوس متأثرون إجباريًا للخدمة العسكرية. لذلك، يلتمس العديد من الهندوس الحماية مني كالعديد من مابيلا أيضا، الآن، يأمر القائد العسكري الرئيسي [للحكومة] في إخلاء الهندوس من تلك التالوك (Taluks), ولا يُسمح النساء وأطفال الأبرياء المسلمين الذين لم يفعلوا شيئًا ولا يملكون شيئًا بمغادرة المكان خلال الشهر والنصف الماضيين”

عندما بدأت الثورة بقيادة الحاج وآخرين في تالوك أرناد وفالوفاناد (The Ernad and Valluvanad taluks) في منطقة مالابار السابقة، هرب الضباط البريطانيون والشرطة المحلية الموالية لهم، تاركين مساحات شاسعة من الأراضي تحت سيطرة الثوار المحليين. لمدة ستة أشهر تقريبًا، وأعلن كونج أحمد حاجي الإقليم “دولة مستقلة” في أغسطس 1921 مع أن الحاج هو حاكمها بلا منازع وسماها مالايال راجيم (Malayala Rajyam)، أدار حاجي نظامًا موازيا للخلافة ومقره في نيلامبور (Nilambur)، مع جواز سفر وعملة ونظام ضرائب منفصل خاص بها. خلال ذلك الوقت شُكِّل جيشٌ واسع النطاق بمشاركة رجال هندوس هادفا إحباط أي محاولة من قبل البريطانيين للإطاحة بحكم الخلافة، كان لديه ما يقرب من 60000 جندي في جيشه، ومنح المستأجرين السلطة على الأراضي التي يزرعونها جنبًا إلى جنب مع الحوافز الضريبية.

لكن “دولته” لم تدم طويلا، خانه البريطانيون في يناير 1922 من خلال صديقه المقرب أونيان موساليار (Unyan Musaliyar) مستدعيا إياه للمعاهدة، واعتقلوه من مخبأه وعرضوه على قاض بريطاني، حُكم على حاجي بالإعدام من قبل العقيد همفري (Martial law Commander Colonel Humphrey.

بدأ ضابط الشرطة في تغطية عينيه بمنشفة، عندما سئل عن أمنيته الأخيرة من قبل العقيد همفري، الضابط الذي ترأس المحاكمة، طالب بإطلاق النار عليه من الأمام حتى يتمكن من السقوط على وجهه معانقًا وطنه الأم الذي قاتل من أجل حريته. بينما كان يردد كلمات “كلمة” التوحيد، قُتل بالرصاص في 20 يناير 1922 بكوتاكونو (Kottakkunnu)… كما أُطلق الرصاص على رفاقه في نفس المكان. تم حرق الجثث خشية أن يصبح القبر مصدر إلهام إضافي للثوار فيما بعد… تم حرق جميع السجلات المتعلقة بخلافة راج (Khilafat raj) لجعل الناس ينسون حكم مابيلا خلافات لمدة ستة أشهر.

لكن على الرغم من مرور ما يقرب من قرن من الزمان وإجراء العشرات من العلماء لدراسات مستفيضة حول أحداث عام 1921 العنيفة، يظل كونج أحمد حاجي شخصية غامضة، ويلتفه المنتقدون بأنه متعصب عنيف ومناضل بطولي من أجل الحرية. تتغلغل هذه الرؤى المتباينة حول حياة الحاج ومهنته في العالم الأكاديمي، حيث انقسمت الآراء حول أنشطته ودوافعه منذ أيام الثورة، وهو اتجاه لا يزال مستمراً في الروايات الأكاديمية والشعبية.