بقلم صبور سيفي- الترجمة محمد ضياء الدين الوافي
“لا يمكن أن تستمر أعمال الشغب والعنف لمدة 3 أشهر إلا في الهند حيث تتم رعايتها من الدولة وتقوم بها الشرطة وتغذيها سياسات تافهة، العدالة صارت وجهة ضبابية للمواطنين الذين فقدوا الثقة بالفعل في المؤسسة المسماة بالحكومة، إنهم يضيفون طابعا رومانسيا على هذا الظلم حتى يطمئنوا في مفاهيم القدر والقضاء، شهدت أعمال الشغب في موراد آباد عام 1980 العديد من أحداث غير إنسانية ومتعصبة، مما يؤكد مجددًا أنه لا أحد يعيش بسلام”.
نبذة يسيرة عن مدينة جيغار
تقع مدينة موراداباد(Moradabad)في غرب ولاية أوتار براديش( Uttar Pradesh)على بعد 150 كم من العاصمة الوطنية دلهي، أسسها الحاكم رستم خان في عهد الإمبراطور المغولي شاه جهان في القرن السادس عشر ،سميت على اسم نجل شاه جهان مراد بخش، من المهم إعطاء مقدمة موجزة عن تاريخ هذه المدينة وموقعها الجغرافي لفهم التركيبة السكانية التي يتم تصنيفها غالبًا على أنها أكبر سبب لأي أعمال شغب ،اشتملت مراد آباد في الثمانينيات على بلدات مجاورة مثل عمروحة (Amroha ) وسمبال (Sambhal)مع التركيبة السكانية التي تم الاعتراف بها كمناطق منفصلة الآن. وفي وقت أعمال الشغب، كانت المنطقتان بعيدتين عن باقي المناطق الهندية بأكملها حيث يسكنها أعلى نسبة من المسلمين في الإقليم والاتجاهات، والتي تظل كما هي إلى حد ما منذ الاستقلال.
اشتهرت هذه المدينة منذ الحكم البريطاني بالحرف اليدوية النحاسية، والتي تحظى بشعبية واسعة في جميع أنحاء العالم، مما يجعل المدينة مركزًا لتصدير الحرف اليدوية النحاسية، وحصلت على لقب “بيتال ناجري” (Peetal Nagri) أو “مدينة النحاس” (Brass City). وذلك لتصديرها النحاس المزدهر إذ شهدت المدينة تدفقًا للأموال الأجنبية من التصدير العالمي للحرف اليدوية النحاسية قبل فترة طويلة من التحرير الاقتصادي لعام 1991م. على الرغم من أن معظم الصناعات الكبيرة كانت مملوكة من قبل الطبقة العليا الهندوسية بانياس (Upper Caste Hindu baniyas إلا أن المسلمين شكلوا غالبية الحرف مما وفر لهم مصدرًا ثابتًا للعمل والذي أدى فيما بعد إلى الارتقاء الاجتماعي والمكانة الاقتصادية الأفضل مقارنة بإخوانهم من أي جزء آخر من الدولة. فكانت غالبية المسلمين في القوائم الانتخابية تؤدي إلى هيمنة الأحزاب السياسية مثل الرابطة الإسلامية (Muslim League) التي ازدهرت على الاستقطاب الديني المتطرف، كان لدى الكونجرس (Congress) أيضًا بنك تصويت كبير خاص به، أما حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) الذي خرج حديثًا من جانسانغ (Jansangh) فكان في حالة الطفولة السياسية ولم يحظ إلا بدعم ضئيل للغاية.
عيد الجثث
تجمع أكثر من ستين ألف مسلم لأداء صلاة الجماعة السنوية لعيد الفطر قبل يومين فقط من عيد الاستقلال بعد صيام شهر في 13 أغسطس 1980م، في مصلى واسع وفي المنطقة المحيطة به مرتدين جلابية متعطرين. ولم يكن لهم أي إلمام بما سوف يحدث وستكون ملابسهم البيضاء مبللة بدمائهم ولم يكن بمقدورهم إخلاء رائحة العطور برائحة الجثث المتعفنة ومسحوق البنادق، جلسوا في الصفوف للاستماع إلى خطبة الإمام قبل ركعتي الصلاة، والمنطقة بأكملها تحرسه من قبل الشرطة المسلحة الإقليمية والشرطة المحلية وجامع المقاطعة ومساعده أيضًا موجودون، مما غرس شعورًا بالأمان والطمأنينة بين المصلين.
بعد فترة قليلة عندما بلغ الحشد للركوع لنداء الإمام شوهد خنزير – الحيوان المدنس في الإسلام – يندفع من خلال الصفوف، حينما رأى المسلمون هذا الحيوان على أرض الصلاة في مثل هذا اليوم الورع طلبوا من رجال الشرطة المتمركزين هناك أن يوقفوه، لكنهم رفضوهم وأبوا إلا أن يصروا في مكانهم غير مبالين ما حدث للمصلين، ما أدى ذلك إلى مشاجرة بين الشرطة والشباب المسلمين، وبدلاً من تزايد خطورة الموقف، لجأت الشرطة انتقاما من ذلك إلى توجيه هراوات إلى الجمهور، ووقعت ضربات بالطوب وإطلاق نار من جانب الناس، مما أدى إلى إصابة رجال الأمن الاجتماعي بما في ذلك كبار مدير الشرطة وغيرهم.
أصيب أيضا مساعد جامع المقاطعة (ADM) دي بي سينغ بجروح ثم توفي في وقت لاحق متأثرا بتلك الإصابات، سرعان ما بدأت الشرطة في إطلاق النار بشكل عشوائي على الحشد الذي لا يحمل أسلحة، مما أدى إلى حدوث تدافع ومقتل أكثر من 400 شخص على الفور. حتى تحول مهرجان الحب والتسامح إلى مشهد دموي تتراكم فيه الجثث على رجال ملطخين بالدماء، ملأ هذا التحول المفاجئ في الأحداث السكان المسلمين بقلق شديد ضد الشرطة والشرطة المسلحة الإقليمية (Provincial Armed Constabulary)، وساروا جماعات نحو مركز شرطة جلشهيد (Galshaheed) الذي يبعد حوالي كيلومتر واحد عن العيد جاه (Iidgah)، وأشعلوا النار فيها ما أودى بمقتل شرطي. ولم يكن هناك اشتباك طائفي حتى اللحظة، بالعكس بدأت الشرطة المحلية والشرطة المسلحة الإقليمية مهاجمة منازل المسلمين: قال محمد سليم ، الذي كانت عائلته تملك محل بقالة أمام مركز شرطة جلشيد:”لقد زعموا (الشرطة) أن الكيروسين المستخدم في إشعال الضوء في محطة الشرطة تم شراؤه من متجرنا، واقتحموا منزلنا نحن حيث كانت هناك والدتي التي لاحقًا ماتت، كما قيلت إنها ماتت برصاص أطلقها بعض رجال “مجهولين”.
يقول “كانت الحالة قاتمة ومروعة للغاية، حتى إن جسدها تعفنت في فناء منزلنا لمدة ثلاثة أيام ولم نتمكن من حشد الشجاعة لإكمال طقوسها الأخيرة، يا له من عار أن نرى أمنا هكذا” سليم الذي يبلغ من العمر ثمانية وستين يدير الآن عملا ناجحا، ربما ينهار بنفسه متذكرًا تلك الأيام التي كان فيها عاجزا تمام العجز.
لا يمكن أن تستمر أعمال الشغب والعنف لمدة 3 أشهر إلا في الهند حيث تتم رعايتها من الدولة وتقوم بها الشرطة وتغذيها سياسات تافهة، العدالة صارت وجهة ضبابية للمواطنين الذين فقدوا الثقة بالفعل في المؤسسة المسماة بالحكومة، إنهم يضيفون طابعا رومانسيا على هذا الظلم حتى يطمئنوا في مفاهيم القدر والقضاء، شهدت أعمال الشغب في موراد آباد عام 1980 العديد من أحداث غير إنسانية ومتعصبة، مما يؤكد مجددًا أنه لا أحد يعيش بسلام.
الفوضى المتعقبة بها
وبعد الإحاطة علما بالموقف، قررت الحكومة المركزية تفويض قوة أمن الحدود في المدينة لإطفاء حريق العنف المنتشر في جميع أنحاء المدينة، وصلت القوات المركزية إلى المدينة في اليوم التالي، لكنها لم تنجح في وقف أعمال الشغب بسبب السلوك غير المتعاون للشرطة المحلية والإدارة التي تحولت إلى معاداة تمامًا للمسلمين.
روى طارق فاروقي الفظائع التي تعرضها مسلمو مراد آباد على يد الشرطة المسلحة الإقليمية، كان مراهقًا في ذلك الوقت، في مقال لفست بوس، جاء فاروقي إلى مراد آباد مع شقيقه الذي كان قائدًا لقوة أمن الحدود شهد هذا العمل الشنيع من العنف الجماعي الذي ما زال يطارده حتى الآن. يروي: “رأيت اللحية البيضاء لرجل مسلم عجوز محمر بالدماء تنزف من رأسه وجروح في وجهه، لكن رجال الشرطة المسلحة الإقليمية ما زالوا غير راضين بما قد حل به لكن سحب أحدهم لحيته الملطخة بالدماء بكل قوة، فقد الرجل العجوز وعيه غير قادر على تحمل الألم “.
ما روى فاروقي هي واحدة من العديد من التجارب غير السارة المحفورة في ذكريات الناس، التي يتم التعبير عنها في الوقت المناسب خلال المناقشات الدنيوية في المدينة، يمكن الحكم على التأثير من خلال حقيقة أن كل شخص لديه ما يقوله، ولا يزال التسلسل الزمني لأحداث حياتهم ثابتًا في عام 1980.
استمرت الاشتباكات الدامية بين المسلمين والشرطة لمدة أسبوع، امتنعت الشرطة عن الذهاب إلى الأزقة الضيقة للموهالا (mohallas) حيث يقيم المسلمون، بينما هاجمت منازل المسلمين المعزولة في المحليات الهندوسية، تواطأت الشرطة مع العناصر المعادية للمجتمع الذين كانوا على وجه الخصوص من مجتمعات داليت الهندوسية (Dalit Hindu) في وقت لاحق لتحويل الوضع برمته إلى اشتباكات دينية بين الهندوس والمسلمين حتى تخلق بها واجهة وستارا على آثامهم الخاصة، سار هؤلاء المشاغبون عبر موهالا المسلمين وهاجموا ونهبوا متاجر المسلمين وذهبوا هائجين تمامًا تحت حماية الشرطة، وقد أدى ذلك إلى تفاقم الوضع حيث تحولت أعمال الشغب الآن إلى طائفية، مما أدى إلى إراقة دماء كل من المسلمين والهندوس، بحيث أدت هذه إلى انتشار العنف في البلدات المجاورة مثل سمبال وعمروحة، حتى إن بعض القرى التي كانت تعتبر محصنة ضد مثل هذه الأعمال البربرية احترقت في نار التنافر الطائفي.
بدأت أعمال الشغب مع الإبادة الجماعية المستهدفة للمسلمين من قبل الشرطة في 12 أغسطس 1980 وتحولت إلى مشاجرة طائفية قبيحة بحلول نوفمبر 1980، عندما توقفت أعمال الشغب وبدأت الحياة تتحول إلى المفهوم الجديد للحياة الطبيعية، وقد قتل 2500 شخص معظمهم من المسلمين.
بقايا المذبحة
بدأت رئيسة الوزراء آنذاك إنديرا غاندي خطابها بمناسبة عيد الاستقلال من القلعة الحمراء مع الإشارة إلى أعمال الشغب في موراد آباد، وزارت لاحقًا المناطق المتضررة مع الوزير الأعظم آنذاك في أوتار براديش في بي سينغ. تم طرح العديد من النظريات وفقًا للراحة الفردية والاستفادة من الأشخاص ذوي المصالح الخاصة لأعمال الشغب وعن العناصر الأجنبية والتنافس السياسي وغيرها. قارنها سيد شهب الدين الذي كان نائبًا في البرلمان عن حيدر أباد بمذبحة جليان والاباخ((Jalianwalabagh)عام،1919 وأظهر الشكوك في ما يُروى ويزعم من ضرب وإطلاق النار من قبل الحشد المسلمين الذي استهدف الشرطة، طرح الحجج التالية:
- لم يشاهد أي أسلحة نارية قادمة في ميدان العيد
- لم يتم العثور على خراطيش خراطيش[1] مستهلكة
- لم يصب أي شرطي بأي رصاصة أو إصابات
- لا توجد آثار رصاصة على أي مبنى مقابل ميدان العيد
- لم تُترك أي أسلحة نارية إلا
- إذا كان المحرضين مسلحين مسلحين، فلماذا دافع عن عن أنفسهم بالأطواب؟
مع استمرار أعمال الشغب لأشهر، تأثرت الصناعة النحاسية التي شكلت العمود الفقري لاقتصاد مراد آباد بشدة حيث لم يتم تلبية الطلبات من الدول الأجنبية، وبالتالي تم تحويلها إلى بلدان أخرى، لم تستطع الصناعة التعافي حقًا، لم يتم الإعلان عن حزمة اقتصادية خاصة لمساعدة الحرفيين الذين أصبحوا عاطلين عن العمل، تم صرف مبلغ ضئيل لأسر الأشخاص الذين لقوا حتفهم، ولم يكن الرقم الرسمي إلا 400 قتيل، بينما قتل أكثر من 2500 شخص في الحقيقة بلا رحمة.
تم تشكيل لجنة القاضي ساكسينا (Justice Saxena panel) لإعداد تقرير عن الحادثة بأكملها، وظهرت النتائج والمكتشفات، فهي تبرأت الأحزاب السياسية من أي تورط وألقى باللوم ببساطة على عدد قليل من القادة المسلمين لتحريض الحشد، فشلت الدولة في تحديد الجناة الذين ذبحوا بلا رحمة أكثر من 2500 شخص حتى بعد 40 عامًا من الأحداث المروعة، تم دفن بعضهم دون أسماء في ميدان العيد من حيث بدأ كل شيء، بينما تم حرق القليل بالقرب من نهر رامجانجا (Ramganga) المتدفق على طول مع المدينة، ولن تجد العائلات العزاء والتعافي أبدًا، ولن يتحرر النسيج الاجتماعي من جديد، أما الجناة فنجوا وتحرروا وتمكنوا من التجول بكل حرية وحيوية.
استعادة الذكريات المرة
أفاد زعيم حزب بهاراتيا جاناتا ووزير الشؤون الخارجية إم جي أكبر (MJ Akbar) الذي كان صحفيًا شابًا في ذلك الوقت من مراد آباد، كتب في كتابه “شغب بعد شغب”(Riot after Riot): “كانت مراد آباد تتغلغل في حالة من وحشية الشرطة، حيث أطلقت قوى القانون والنظام غضبها على آلاف المسلمين الذين جاؤوا للصلاة في يوم فرحهم واحتفالات، ولقي المئات مصرعهم في المصلى وتدافع بينهم العديد من الأطفال، وأصيب المئات بجروح خطيرة، أما بالنسبة لهم فقد جاء الموت ببطء، فتح رجال الشرطة المسلحة الإقليمية النار على حوالي 40 ألف مسلم أثناء صلاة العيد. لا أحد يعرف بالضبط عدد الأشخاص الذين ماتوا. والمعروف أن حادثة مراد آباد لم تكن شغبا بين الهندوس والمسلمين، بل مذبحة للمسلمين على يد شرطة متعصبين الذين حاولوا لتستر هذه الإبادة الجماعية بجعلها شغب بين الهندوسين والمسلمين “
فشل الجميع بما في ذلك وسائل الإعلام والأحزاب السياسية الرئيسية في الاعتراف بها على أنها إبادة جماعية بدأتها الشرطة بتيسير ودعم من الدولة، كان الكونجرس الذي يدعي الآن أنه حامل عصا العلمانية وحقوق الأقليات في الهند، هو الذي كان في السلطة في الولاية وكذلك في الحكومة المركزية بنيو دلهي، وهذه الأحداث كشفت المعتقدات الفاسدة للحزب وأعضائه الذين لا يبدو أنهم كذلك حتى لا يتجاوزون من الحالة الذهنية التي يعتقد فيها الفرد أنه يمكن له أن يصبح منقذًا اليوم أو في المستقبل القريب، بل يرون الأقليات مجرد بنوك تصويت، إن ما قامت به الحكومة في الماضي وخاصة حكومة الكونغرس، هو سوء التصرف وعدم المسؤولية في صنع السياسات والتنفيذ، حيث إن المسلمين عالقون في اختيار أهون الشرَّينِ عندما يتعلق الأمر بالانتخابات، فإن أعمال الشغب في الماضي، والفظائع، والقمع المنهجي، الذي أضعف البنية الاجتماعية بأكملها للمجتمع والذي على الرغم من تواجده بأعداد ضخمة قد فشلت في أن يتم تمثيله بشكل عادل.
ف