بقلم: صبغة الله الهدوي
أخيرا ظهرت الصورة على الساحة، صورة المناضل الشهيد ورايان كونات كنج أحمد حاجي، الذي أقض مضاجع الاحتلال البريطاني، وبدد طموحاتهم، وتأتي الصورة نتيجة سعي متواصل من الباحث وكاتب السنياريو رميس محمد الذي قضى عشر سنوات ليزيح الستار عن التاريخ المنسي، وفي هذه المناسبة الجميلة نطل إلى سيرة البطل واريان كونات ومسيرته النضالية.
حركة الخلافة الإسلامية التي انطلقت في شبه القارة الهندية لم تك مجرد ردة فعل لأعمال العنف التي مارسها الاحتلال البريطاني في الهند بل كانت لها أبعاد متشعبة، إنها كانت تلبية لنداءات الوقت الذي كان يتسعر بالصراعات المسجورة،
ويضربه رياح الثورة والنضال التي أودت بطموحات الإمبراطوريات الكثيرة، وكان لمليبار الهندية، حظ كبير في تلك الأحداث التي غيرت بوصلة التاريخ والزمن، وكان لأعلامها حضور فاعل في سجل الثورات والمعارك، وشهدت مليبار في تلك الفترة العصيبة لميلاد بطل ثائر سليل المجد والشموخ الذي مثل في سيرته ومسيرته حياة المجاهد المغربي عبد الكريم الخطابي، إنه المناضل من أجل الكرامة والوطن وارينان كنات كنج أحمد حاجي، شيخ وقور مهاب في عباءته، وطربوشه الأحمر يعبر عن الثورة والمعركة، وخنجر بخاصرته يرمز إلى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
الاحتلال البريطاني في الهند بل كانت لها أبعاد متشعبة، إنها كانت تلبية لنداءات الوقت الذي كان يتسعر بالصراعات المسجورة، ويضربه رياح الثورة والنضال التي أودت بطموحات الإمبراطوريات الكثيرة، وكان لمليبار الهندية، حظ كبير في تلك الأحداث التي غيرت بوصلة التاريخ والزمن، وكان لأعلامها حضور فاعل في سجل الثورات والمعارك، وشهدت مليبار في تلك الفترة العصيبة لميلاد بطل ثائر سليل المجد والشموخ الذي مثل في سيرته ومسيرته حياة المجاهد المغربي عبد الكريم الخطابي، إنه المناضل من أجل الكرامة والوطن وارينان كنات كنج أحمد حاجي، شيخ وقور مهاب في عباءته، وطربوشه الأحمر يعبر عن الثورة والمعركة، وخنجر بخاصرته يرمز إلى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
وحياة البطل وارينان كنات كنج أحمد حاجي يلهم الكثير من عشاق الحرية والكرامة، رجل في منتهى البساطة يصبح كابوسا لأكبر جيش لا يقهر، ويكبد خسائر فادحة في ممتلكات الاحتلال ليكون مثلا سائرا للشجاعة والثورة فيما بعد، ويملأ اسمه وكفاحه آفاق الصين الشيوعي والاتحاد السوفيوتي التي شهدت لثورات الفلاحين والكادحين.
والجميل في سيرة هذا البطل هو تلك العمليات الثورية التي قام بها ضد الاحتلال البريطاني وضد نظام الطبقية التي صنعت في المجتمع سياجات من العنصرية والعرقية واستغلت الكادحين والفلاحيين، وذلك مما خلف في المجتمع الكادح موجة من الغضب والتمرد ضد الذين استغلوهم زمانا طويلا وداسوا كرامتهم بأقدام الذل والخذلان إلى أن انتفض الشعب وثارت ثورتهم حتى انهدت الصروح التي بنيت على أشلاء الطبقات المشردة وانهارت إمبراطوريات الأثرياء التي طالما امتصت دماء الفقراء والعمال.
ولد واريان كنت كنج أحمد حاجي في عائلة اتسمت بالنضال والكفاح ضد الاحتلال والاستعمار، وكان أبوه أحد أبرز قيادات المعركة التي جرت في “ماناركاد” المليبار حتى تم نفيه إلى جزيرة آندمان ومصادرة ممتلكاته عقابا عليه، فنشأ في بيئة محترقة مضطربة بالمشاكل، يتحدى العقبات، ويقاوم الظروف القاسية التي كونت فيه شخصية تطمح إلى الحرية الكاملة وعدم الاستسلام لأي نوع من أنواع الخنوع والخضوع، وأدرك مبكرا أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن الاحتلال البريطاني الغاشم هو العدو الأكبر للأمة المسلمة أولا وللهند ثانيا، فلم يمض طويلا حتى خاض المعارك وقاد عمليات المقاومة ضد الاحتلال ليطير اسمه طيران النار في الهشيم، وأصبح نذير شر لكل الذين وسعوا دائرة طموحاتهم على ربوع مليبار، فقام بتوعية العوام عن مناهضة القوات التي تنهب مواردهم ومقاومة الخونة التي يطعنون الشعب من داخله، ووقف في وجه الذين باعوا القضايا الوطنية بثمن بخس سدا منيعا يدفعهم أولائك الخونة إلى هاوية الذل والخنوع، واستحث الشعب عن بكرة أبيه على الخوض في المعارك والصراعات من أجل الكرامة والحرية، وبعث في أرواح الفقراء الذين استولى عليهم اليأس والهلع العزم ووحي الإباء، وجندهم لمقاومة الاحتلال وحاشيته، ودربهم تدريبا عسكريا حتى لا يسقطوا أمام الدبابات النفاثة ذيبانا.
فحياة وارينان كنات كنج أحمد حاجي خلفت في الأجيال الصاعدة ذكريات أسد الصحراء عمر المختار، وأسد المعارك الريفية عبد الكريم الخطابي، وجددت فيهم العزة التي لا تداس والكرامة التي لا تنسى، وكان حضوره القوي مما بخر أحلام الاحتلال، وأزاح أقنعته، وتبدأ سلسلة حياته في المعارك بعد أن نفي أبوه إلى جزيرة آندمان نيكوبار، إلا أن الابن البطل واصل مسيرة أبيه الثائر، فأصبح غضبة أعين البريطانيين حتى قاموا بعدة تفتيشات عسكرية للعثور عليه لكنه تنصل منهم وغادر إلى المكة المكرمة وقضى هنالك ثلاث سنوات ليكون عالما يجمع بين النضال والمعرفة، وأبى الاستسلام حتى بعد أن قدم أمامه حكومة الاحتلال عرضا مثيرا وذلك لو طلب الحاجي من الحكومة العفو والسماح سوف تتركه في المكة آمنا مطئمنا بلا أي تضييقات قانونية، لكنه رفض رفضا باتا ليعود بعد ذلك كابوسا على الاحتلال وأربابه.
هنا في مليبار حيث يعانق سماءها النضال والثورة منذ زمن بعيد رسم الحاجي خطته الكبيرة التي تنامت من حلم صغير إلى دولة كبيرة مستقلة أمام أعين الاحتلال رغم ما طوقها عيون الزمينداريين الذين امتلكوا الأراضي الواسعة والغلة والمزارع واستثمروا جهود الكادحين في الحقول، وأجبروهم على مزاولة العمل رغم حرقة الشمس التي ركعت ظهورهم ورغم بلل العروق التي تتصبب من جباههم العالية ومن وجهوهم الأبية، ثم أذلوهم بعد أن حان وقد الحصاد، فقام فيهم البطل يردد فيهم “الآن الآن وليس غدا”، ليملأ في قلوب الملايين نشوة الجهاد والنضال ضد كل الذين شردوهم وهزموهم، حتى فتحوا البوابات العالية المنصوبة أمام القصور المنيفة، وفتحوا الخزائن التي ملأها الأيادي العاملة بينما كان أرباب القصور يتمتعون بالملذات ويرتعون في الشهوات، فلم يمض طويلا حتى دق ناقوس الجهاد وارتفع في الجو تكبيرات الثورة، وانتقل الموكب الغاضب من حارة إلى أخرى، ومن قصر أسس على عروق الفقراء إلى آخر، فانهارت أمام تلك الجيوش المدججين بالعزم والصمود كل القصور والدور التي كانت تعكس جبروت الطغيان والاحتكار، ورأى الطغاة ذلك المشهد الذي أرعبهم وتحيروا من تغير الحال الذي حدث أمامهم بين غمضة عين وانتباهتها، فتآمروا على الحاجي وأرادوا إيقافه لكن السيل لم يقف بل زاد موجة ورغوة إلى أن أسس مملكة سماها ب”مالايالا راجيام” الذي تحدى الاحتلال، وتحدى كل الذين ظنوا في أنفسهم أنهم حماة الوطن وسدنته، وكان لمملكته الصغيرة جواز سفر خاص بها، ودستور خاص وحكم خاص يعد الجميع بالعدالة والإنصاف، ونشر طيلة دولته ظلال العدالة وعاقب كل من تطاول على الحرية والكرامة ولم يرحم أحدا شارك في الخيانة والطعن من الداخل.
ورغم ما قدم البطل الشهيد خدمات جليلة من أجل الوطن والوطنية تعرض لهجمات شرسة من قبل العصابات المدعومة من آر أس أس وبي ج ب حيث قاموا بعدة جهود مضنية لتشويه سمعته وتصويرها بأبشع الوجوه، وملؤوا كتبهم ومنابرهم بلهجات الحقد والكراهية ووصفوه بالإرهابي والقاتل والمهووس الديني وسعوا في محو الآثار التي تعبر عن مدى تأثير هذا البطل إلى وقتنا هذا.
وتصدر البطل عناوين الصحف والقنوات بعد أن أعلن فريق سينيمائي من كيرالا لإخراج فيلم يسلط الضوء على سيرته ومسيرته في الكفاح والنضال لتثور الأوساط الهندوكية المتطرفة وتقود حملات الإساءات وتوقف الشهيد في قفص الاتهام ولتحمل عليه أثقال القتلى والجرحى الذين راحوا ضحايا الشغب والفتن التي اندلعت في ربوع مليبار في عشرينات القرن الماضي على أعقاب الأحداث التي جرت عام 1921م، فرسالة الحاجي الشهيد كانت واضحة تماما، فإنه لم يك متعصبا ولا متهورا حتى يقتل إخوته ويقضي على أعداءه لمجرد مصالح شخصية تافهة إلا أن أقطاب الهندوكية المتطرفة استغل المشهد وأججت نار الحقد والكراهية لتعتيم هالته التي أضاءت دروب الحرية والكرامة، لكنه لم يرحم أحدا خان قومه وأمته، وعاقب كل الخونة عقابا يليق بهم، لقد كانت كلمته صريحة ومبادئه صارخة.
فمن مقولته الشهيرة التي قالها للجنود لحظة إعدامه ” كنت سمعت عنكم أنكم تطلقون علينا النار من الخلف، لكني أنا أفضل أن أموت وطلقاتكم تصب على صدري”، ووقف البطل شامخا منتصب القامة، لم يستسلم حتى آخر أنفاسه، وأبى الخضوع أمام وعود قطعها الاحتلال له بشرط أن يستعفي منه، ورحل الحاجي بهدوء إلى عليين التاريخ، تاركا أمامه ذكريات المجد والإباء في وقت كان قيادات آر أس أس يتبجحون في بلاط الاحتلال، ويحبون صاغرين على استهم، ورحل من الدنيا بعد أن أسس دولة وأمة، وأنشأ جيلا يجدد فيهم ذكرى أسد الصحراء عمر المختار، والشهيد الذي لا قبر له العربي التبسي، والبطل الذي ألهم تيشغفارا عبد الكريم الخطابي، وخاف الاحتلال حتى رفاته فأحرقه حتى لم يبق أي أثر من جثته، رحم الله شهيد الأمة وأحسن الله إليه جزاءه.