الشيوعية وجه آخر لمعاداة الإنسان

صالح عوض، كاتب رأي جزائري

ظهرت في ألمانيا على يد ( ماركس المتوفي 1883م ) و( إنجلز المتوفي 1895م)، ;;واكتشفا أن لديهما مبادئ متماثلة، وفي سنة 1848 شارك الثنائي في كتابة ونشر كتاب البيان الشيوعي الذي انطلق من  نظرية راس المال لكارل ماركس.. وظاهرالشيوعية انها نظرية اقتصادية اجتماعية غربية تعالج المجتمعات الغربية وتطورها بعد جولات حاسمة في اوربا منذ تكسير سلطان الكنيسة ومرورا بتكسير هيمنة الاقطاع وصولا الى البرجوازية والنهضة الصناعية وتجسدت في الثورة البلشفية التي ظهرت في روسيا سنة (1917م) بتخطيط من اليهود ، وتوسعت على حساب غيرها بالحديد والنار.. و ( لينين 1924م) هو الذي وضع الشيوعية موضع التنفيذ ، وبعده ( ستالين 1954م) سكرتير الحزب الشيوعي .. لم تكن النظرية الشيوعية الا واحدة من عديد النظريات المنتشرة تلك الاونة وتزامن ميلادها مع ميلاد فكرة الحركة الصهيونية والمشروع الصهييوني..

إنه من العبث الذهاب الى دراسة النظرية على الصعيد العلمي والبحثي وتفنيد اطروحاتها الفكرية ودخول عملية جدل مع معطياتها لان ذلك كله انما هو هامش ما تريده الفكرة والمشروع.. فلقد تم تشجيع الفكرة وتهيئة الظروف لها وانبعاثها في رقعة جغرافية محددة لخدمة اهداف كونية تسير لتدمير الانسان وتحطيم قدرته وتحويله الى كتلة مادية يمكن توجيهها ضمن سياقات سياسية معينة ومحاولة اعادة صياغة المجتمع والاسرة صياغة تلغي الفطرة وعناصرها.. 

ومن خلال طرح اسئلة اولية على الشيوعية نكتشف انها استمرار للروح العنصرية في دول الشمال ضد الجنوب الاسلامي، ولا يحتاج الامر لادلة كثيرة فيكفي ان نستذكر موقف انجلز من هجوم الاستعمار الفرنسي على الجزائر وكيف يصوغ عمليات الابادة التي طالت المسلمين في شمال افريقيا تحت حجة الصراع الطبقي الامر نفسه يصرح به كارل ماركس ازاء عمليات الابادة التي قامت بها القوات البريطانية في الهند..

تقوم الفلسفة الشيوعية على ضرورة اعادة توزيع فائض القيمة وهنا مقتل الماركسية اخلاقيا.. فهي تناضل من اجل توزيع عادل للثروة وتكسير الحواجز الطبقية بين الفئات والطبقات الاجتماعية وذلك من خلال توزيع فائض القيمة.. لكنها لم تطرح السؤال الكبير والمهم من اين جاءت السلع الاساسية قبل ان يتم تصنيعها لتحدث فائض القيمة الذي كرس طبقات البرجوازية..

ان المواد الخام والاساسية التي تتدفق على المصانع في دول الشمال كان يتم اغتصابها بالقوة والبطش من دول الجنوب وكانت هذه هي السمة الاصيلة للعملية الاستعمارية فبدلا من طرح السؤال من اين جاءت هذه المواد الاساسية ذهبت الماركسية الى شرعنة السرقة واللصوصية والاستعمار ومن هنا تتجلى حقيقة الدعوة الماركسية الشيوعية انها باختصار فكرة صنعتها الدوائر الاستعمارية للقيام بمهمة خاصة تكميلية في هيمنة الشمال على الجنوب.. فكان الجزء الشرقي من اوربا هو ميدانها العملي رغم ان ميلادها كان في المانيا..

واصلت الدولة الشيوعية في روسيا سيرة القيصر الاقطاعي والبرجوازية الروسية تجاه المنطقة وقامت بخدمات جليلة واساسية للمشروع الصهيوني في فلسطين.. فتحركت الدولة الشيوعية للتوسع وبقوة السلاح لتحطيم الدول القومية المجاورة وتفتيت مكوناتها الاجتماعية وتحطيم شبكة علاقات المجتمع وتمكنت من الاستيلاء على الجمهوريات الاسلامية بعد ان استباحت الدماء والفتك بملايين البشر الابرياء وذلك في صمت مذهل من قبل الاوربيين الغربيين.. وعلى صعيد المشروع الصهيوني فلقد قامت الدولة الشيوعية بتزويده باكثر القادة العسكريين خبرة ودربة وكانت الكتائب العسكرية المتميزة تقاد من قبل قادة عسكريين روس.. كما تم تشجيع مئات الالاف من يهود الخزر وسواهم الى الهجرة الى فلسطين وقام الشيوعيون الروس اليهود باول عمليات الاستطيان في فلسطين فكانت مستوطنة بيت حتكفا الصهيونية في شمال فلسطين وهي الاولى في عمليات الاستيطان من صنع الشيوعيين السوفيت.

قامت الشيوعية منذ الايام الاولى بتدمير التقاليد الدينية في المجتمعات التي سادت فيها وتحطيم المقدسات والقيم والعمل على انشاء انسان جديد منقطع عن الماضي وذلك كله في محاولة عنيفة لتدمير الانسان والمجتمع وهذا في سياق صهيوني ماسوني متواصل القصد منه تدمير المجتمعات والانسان لكي تتمكن حفنة من الجشعين من اصحاب المال الذين يتحكمون في البنك الدولي والبنوك المركزية من ادارة العالم وادراة الحروب والنهب المستمرين.

وكما هو ملاحظ فان المجتمعات البشرية تتعرض لعملية متراكبة لتدمير انسانيتها وذلك في غرب اوربا وشرقها.. فالاسرة والفرد يتم تفريغهما من كل عناصر وجودهما الانساني بالقهر والسيطرة وهما المستهدف الاول في المجتمعات ويدفعان ثمن النهضة المادية وممارسة النظريات.. هذا هو الاستنتاج العلمي لممارسة النظريات الاقتصادية الراسمالية والماركسية سواء.

ليس إنكار وجود الله تعالى والامر بمحاربة الايمان والاعتقاد بوجود خالق للانسان والكون الا خطوة منهجية لتدمير الانسان بالقهر والعنف والبطش وتجريده من قدرة المبادرة والمقاومة وابراز التنوع البشري.. ولم يكن من هدف استراتيجي على الاطلاق الا تحويل المجتمعات ركاما من بشر محطمين يندفعون بقوة السلاح لقهر الشعوب وحرمانها من حرية تقرير مصيرها وهذه مهمة استراتيجية في مشروع الشمال نحو دول الجنوب.. وهنا تتفسر الافكار والمشاريع الماسونية والتي انتجت التيار الشيوعي والتيار الصهيوني في اوربا شرقيها وغربيها.

انهارت الشيوعية في معاقلها بعد قرابة السبعين عاماً من قيام الحكم الشيوعي  وبعد أربعين عاماً من تطبيق أفكارها في أوروبا الشرقية والجمهوريات الاسلامية انهارت ليس فقط كنظام ومؤسسات بل ايضا كعقيدة وانتماء ، وأعلن كبار المسؤولين في الاتحاد السوفيتي قبل تفككه أن الكثير من المبادئ الماركسية لم تعد صالحة للبقاء، وليس بمقدورها أن تواجه مشاكل ومتطلبات العصر، فاقتنع الجميع بأنها نظرية فاسدة يستحيل تطبيقها ، حيث تحمل في ذاتها بذور فنائها ، ومن أكبر ناقدي الماركسية من الماركسيين أنفسهم الفيلسوف الأمريكي أريخ مزوم في كتابه ” المجتمع السليم ” ، ومن غير الماركسيين كارل بوبر صاحب كتاب : ” المجتمع المفتوح ” ، وغيرهما ، ويجيء جورباتشوف بكتابه ” البيروسريكا أو إعادة البناء ” ليفضح عيوب تطبيق الشيوعية في الاتحاد السوفيتي “.. والذي لم يعترف به الشيوعيون ان مشروعهم اخفق عندما سقط في افغانستان التي الحقت به ضررا جوهريا وكبدته خسائر فادحة واودت باقتصاده وحولته المجتمع الماركسي الى شبه شلل اقتصادي..

انتهى المشروع الشيوعي الى غير عودة وهو بمعنى اخر فشل احد وسائل الماسونية العالمية في تحطيم الانسان الى حد ما وهو ايذان بتحطيم وسيلة اخرة وهي الكيان الصهيوني.. فلقد كان المشروع الشيوعي والمشروع الصهيوني توامين لمهمة واحدة وهي التصدي للانسان والاسلام..