بسم الله الرحمن الرحيم.. بسم اللذي أودع في القلوب شكيمة الصبر والانتظار.. بسم اللذي شرح الصدور على قدر الثقل والأوزار.. والصلاة والسلام على الرسول اللذي علّم أصحابه معنى الصمود في وجه الإعصار.. وعلى آله وأصحابه اللذين اقتدوا به رغم الحزن والأخطار.. أمّا بعد..
إنه الزمن اللذي يتمادى في تغضناته وتقلصاته، ويتصرف كالملك الأبله في أقسى تصرفاته، ويبتسم في وجوه ويهب لها الأمل والحياة، ويكفهرّ في وجوه أخرى ويداعب بأحلامها.. إنه الزمن اللذي لا يغلبه إلاّ الصابرين.. اللذين يكرّسون حياتهم رغم الالام والمواجع بغير تركيز اهتمامهم إليها.. اللذين يبرّدون مشاعرهم بالصبر والانتظار في واجهة الأقدار الملتهبة.. لديهم عزة وعزيمة مشوبة بالصبر اللذي لا يفتر ولا يضعف.. وإن استفادوا جميع قواهم.. فصبرهم يقوّي عضلاتهم ويسكب عليهم زمزم التقدم والتحريض ……….
نعم.. كل من يلهث بحثا عن الحلم البعيد اللذي يريد أن يحققه ويتمّمه ولو كان الثمن باهظا، ربما يكون طريقه محفوفا بالأخطار والأشواك.. فتزل قدماه مرارا من طريقه الطويل، لكن ينهض وينفض غباره ويمشي إلى الأمام كأنه لم يعثر في طريقه.. كالطفل اللذي يمشي في تجربته الأولى فيعثر لكن يحاول القيام بعد أن استجمع قوته وطاقته بلا ملل وتعب.. ومن الأسف المشدد أن نرى بعضنا يستسلمون للقدر ويركعون دونه.. و يخطّطون طريقهم أخيرا إلى القبر كي يدفن فيه جميع آمالهم بعد أن ألمّ بهم الهمّ والمرارة.. فيتوارون خلف فضاء التعاسة هباءا منثورا.. فلا يتركون أثرا كي يستديم به ذكراه تحت أديم السماء… كما قال الشاعر أبو القاسم الشابي..
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر . .
دائما يمرّ بخاطري تلك الآية اللتي جعلتها وسيلة مقنعة عندما تضيق بي الأرض.. قوله الله تعالى « إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب» .. الصابرون هم اللذين يجعلون أيامهم مطية إلى آمالهم.. واللذين يخفّفوت عبئهم الثقيل بالتوكل والدعاء إلى رب العالمين.. واللذين ينزّ من فؤادهم سلسبيل الصبر والانتظار.. واللذين شربوا من كأس الزمن عسرا ويسرا.. وشبعوا من حلو الحياة بعد العقبات المتواصلة شمّا ولمسا.. والذين تشبثوا بأحلامهم في عواصف البلاء تشبث الأطفال بكفّ آبائهم في الأوقات الحرجة.. الفوز للصابرين الكادحين فقط.. إذا لم يربط الصبر بأيوب (ع) في غاية مرضه وشدة صعوبته، ليكون مصيره مصير الهاربين من القضاء.. لكن صبر فجعل الله جزاءه أحسن الجزاء.. إذا لم يولع الانتظار بيعقوب(ع) إذ جاءوا مع قميص ابنه بدم كذب.. لما يسترد إليه حدّة بصره.. فالدموع المرقرقة لا تسترد الضائعين ولا المفقودين….
كما قال النبي ( ص) في حديث بدايته هكذا « إن عظم
كما قال النبي ( ص) في حديث بدايته هكذا « إن عظم الجزاء مع عظم البلاء « يدلّ على توزيع الجزاء بقدر البلاء.فالبلاء أحيانا يأبى الانسحاب ويمتنع المغادرة من رأس صاحبه.. ويضع صولجان السلطة في يمينه… هنا يملون الحياة والأمل…. وهنا يفرّون من ميدان الحياة فرار الجنود بعد حلول الهزيمة الكبرى… و يجعلون مرجعهم إلى الهلاك والإرهاق بدلا أن يتخذوا من تحديات الحياة ذريعة قويّة لتعود المياه إلى مجاريها.. لكن ينتحرون قتنتحر أشواقهم ويموتون فتموت آمالهم…
لكل المصائب المعقدة اللتي نواجهها في طريقنا هذه، عقبها يسر وصباح مشرق بالتفاؤل،كما قال الله تعالى» إن مع العسر يسرا» العسر واليسر مثل التوأمين.. يتبعان في كل خطواتك كالظل الملازم.. فاجعلهما حظين وفيرين.. الواحد منهما يبشرك ويكون جزاؤك وحدك لصبرك وروح انتفاضتك القوية. والثاني منهما ينذرك ويعلمك دروسا اللتي ستشق من معانيها طريقا جديدا… حتى يأتي الأوان لحصاد الفوز الأحرى اللذي تستحقه.. فاصبر صبرا جميلا.. سيعينك كل ما يلاحق من القدر أن ترى دربك بشكل أوضح.. فتقدم بصبرك القويم… وبقلبك الانشراح الفياض.. اللذي لا يعكره نزغات الغافلين الماكرين.. فا الصبر يعيد إلى أفق سماءك النجم اللذي غاب عندما خاب ظنك.. و انتظارك سيحث على الخطوات الجديدة المتوالية إلى الأيام السعيدة… ألا بالصبر والانتظار نبلغ ما نريد…
منبع ، السيد منور علي شهاب الحسيني