العالم ما بعد كورونا : آمال وآلام

بقلم محمد ثابت السعدي بن الأحسني

عندما نمعن النظر في التغيرات التي حدثت في العالم جراء جائحة كورونا التي سادت العالم كله بشكل غير مسبوق في التاريخ نرى أنها كانت مفترق طرق في اتجاه سير العالم.
فينبغي إدارة الأبصار من خلال مجالات متنوعة فإنها لم تمض دون أن تمس أي مجال وأي مكان، ولم يبق شخص أوشعب، أو ولاية أو دولة إلا وهي تتكبد شدائدها العنيفة وخسائرها الفادحة، أو تذوق محاسنها الوفيرة وأرباحها الفاجئة بشكل لم تلق مثله سابقا
وعلى ذلك كله كان العالم نقطة وضع خطوة جديدة في الدروب التقنية والرقمية؛ حيث يرتقي المجتمع عن بكرة أبيهم إلى التثقيف الإلكتروني.
العالم يعتبر منذ الآن فصاعدا بـ«العالم ما بعد الكوفيد وقبله».
كانت الجائحة قد تمكنت من إنهاض الأمة وتثقيفهم والإلقاء إليهم عبرا وفكرا لن تنسى أبدا بالرغم أنها قد عرضنا لضـربات موجعة لم ينج منها إلا بعد فسحة من الزمن.
قد أثرت الجائحة في العالم تأثيرا صارما في كل حقول من المجتمع من الاجتماعية والاقتصادية والصحية والطبية والبيئية والتعليمية والتربوية والسياسية وغير ذلك.
المجال الاقتصادي
هي التي يجب أن تعد من الأزمات والخسائر قبل كل شيء والتي تؤدي كل مجالات إلى الأزمات تدريجيا..
قد تسسبها قيود شتى وفرامن صارمة وإجراءات طارئة أجبرت الحكومات والسلطات إلى فرضها للحفاظ على صحة الشعب في دولها تماما..
ليس المصابون بانكماشات مالية مجرد أصحاب التجارة والصناعة الصغيرة والكبيرة بل فيهم من يستند إليهم ويلجأ إليهم من عمال لكن أقوى منهم إصابة بالضربة الاقتصادية هم أصحاب التجارة.
وفي حين لا تزال الأسواق العالمية على وشك الانهيار نتيجة إغلاق النطاق الواسع وحظر التجوال وانقطاع التوريد والتصدير على أثر الأعمال الكفاحية لتفشي الكورونا، لم تكد شرعت في إعادة الاقتصاد في المرة الأولى حتى تختنقها موجة ثانية لكوفيد، ومن المرموق أنه كثيراما راجت التسوق عبر البوابة الإكترونية خلال هذه الفترة التي زادت الطين بلة خاصة بواسطة خدمات التوصيل إلى المنازل.
إن طوائف التجارة الزائفة قد أوقعت البعض في أحبولة احتيالاتها بواسطة الإنترنت بأن تغريهم بوعد أكثر الأرباح.
المجال الصحي
كان أحرى بالذكر أن القطاع الصحي طالما واجهته تحديات في عملياته الدفاعية ضد الجائحة. رغم أن المؤسسات الصحية والمختبرات الطبية لم تدخر وسعا في السيطرة على تفشي كورونا وخفض عدد الإصابة واكتشاف اللقاح الوثيق له لما كان سهلا عليها أن تجهده وتدمره على الفور، وبالخلاصة تحيرت التسهيلات كلها والمخترعات الطبية المعاصرة كلها والأنظمة الأخرى أمام هذه الذرة الصغيرة، لم يكن بوسعها أن تسيطر عليها بسرعة.
تدخلات الحركية المثمنة في مقاومة الجائحة من تجاه الأطباء والممرضات ورجال الصحة والشرط وغيرها هي التي على شعب العالم أن لا ينسوها أبدا؛ لأنها منقوشة على ملامح التاريخ لإشعار الأجيال القادمة بخدماتهم الجبارة مضحين نفوسهم علاوة على المستشفيات العامة والخاصة.
إن المؤسسات الصحية العامة لعبت دورا هاما في مكافحة تفشي كورونا وأخطارها، فعلى الحكومة أن تولي اهتماما كبيرا بتطوير القطاع الصحي العام وبناء المراكز الصحية الأولية والعامة في كل أقاليم وأرياف، وبإيصال الخدمات الطارئة والتسهيلات إلى كل شخص في وقت محدد.
جدير بالثناء والتقدير أن بعض المستشفيات في فترة الإغلاق العام كانت هيأت للمرضى تسهيلات لمراجعة الطبيب بمسيرة الإلكترونية.
المجال التعليمي
صارت الجائحة ساحة لتطور ثوري وتغير حميد في مجال التعليم مع أنه تم الإضراب عنه مباشرة نحو سنتين جراء قيود كوفيد. قد تم إجراء ترقيم تام على أساليب التعليم حيث تساعد الطلاب أن تدركوا الدروس بشكل ممتع وسهل جدا.
بالنسبة إلى غير القطاع التعليمي لم يصبه شيء إلى حد كبير؛ إذ الأنظمة الافتراضية والتطبيقات والمواقع كثيراما قدمت الدعم التقني للطلاب والمعلمين وهم في أمس الحاجة إليها.
وبواسطة هذا فتحت في مجال التعليم العالي أبواب إمكانيات التعليم عن بعد. فعلى أثر ذلك قد تحققت عولمة تعليمية، ومن المؤسف والخطير أن كثيرا من الطلاب قد أدمنوا لمقاطع الفيديو الداعرة والدردشات الخليعة مع الأجانب وتطبيقات الألعاب الخطيرة حتى تبعث على الانتحار، لا تزال تستمر هذه الأوضاع الحزينة ما أطلقنا أزمتهم.
المجال الاجتماعي
ومن دواعي الفرح والغبطة أن المجتمع يتسنى له تجريد نفوسهم وأفكارهم من الأشغال الجنونوية التي لا تفسح لنفسه وأسرته وقتا للمجالسة والمآكلة والمحادثة وتبادل الأفراح وهي قطعة من الحياة السعيدة والمروءة والإنسانية، وقفت النسوة تعانق أزواجهن بعشق عميق ومحبة مخلصة، وأسرع الأطفال أن تتسلق ظهر أبيهم بحدب جميل ورفق عطوف، قد أتيحت لكل أخوات وإخوان وأمهات وآباء وأطفال وأزواج فرصة للسعادة، وقضوا أيام فترة الإغلاق العام يساعدون بعضهم بعضا في أعمال المطبخ والمزرع وغيرها، فأصبحت هي لحظات سعيدة لهم لم يحسوها حتى الآن.
هذه الجائحة قد أطلقت سراح الذين كبلوا بأصفاد المسؤوليات والوظائف إلى زمن قليل، واستطاعو مشاهدة بيوتهم وماحولها من البيئة الرائعة بما فيها من بساتين وأشجار وأزهار وحشـرات وفراشات وحيوانات… وما إلى ذلك .
في حين الجائحة قد أوقعت الكثيرين في سرداب الفقر والشدائد والأحزان؛ لأن الأجرات اليومية والرواتب الشهرية والدخل السنوي كلها قد انقطعت، مع أنهم مضطرون إلى نقود يحتاج إلى التكاليف اليومية خاصة للغذاء والقوت
المجال البيئي
البيئة والمناخ لا تزال في حالة خطيرة بسسب التلويث من الغازات السامية المتصاعدة مصانع وسيارات وقودية وماكينات فخمة وبكدورة المياه السائلة منها وبفرط الضياء اللامعة الناثرة من الأنوار المعلقة بالعمارات الناطحة السماء والمنازل الضخمة، وبضوضاء الأصوات الهائلة المزعجة تدوي منها خاصة من الشوارع..
هذا كله منفجرة من أعمال الإنسان للتطور، قد حظيت البيئة بجو سكين مريح من الإغلاق. وقد سالت المياه في الأنهار والجداول صافيا، وقد راحت الرياح في الفضاء هادئا ، وقد طاب النسيم يربت الأزهار والبساتين.
هكذ قضى المناخ والبيئة كلها هذه الفترة على السرور والطرب.
وللأسف قد تكدست نفايات الرعاية الصحية كالأقنعة البلاستيكية والأدوات الطبية المفضلة وبحسب تقرير البحث الذي أصدر عن قريب إن في شواطئ البحار تكومت كومات النفيات البلاستيكية نحو ٨.٤ ملايين خابية من ١٩٣ دولة. بمناسبة عمليات كوفيد.
إن في هذه الجائحة حكمة الله البالغة لتنظيف البيئة وإصلاح الأمة ثقافيا وأخلاقيا