صالح عوض
في تناقض صارخ مع حتمياتها بنت الشيوعية دولتها في الاتحاد السوفيتي.. ولقد كان الأولى بها أن تقام في بلد المنشأ ألمانيا أو بريطانيا حيث التطور الحتمي للمجتمعات من الراسمالية إلى الاستراكية.. لكنها أقيمت هناك في مجتمع لم يصل إلى مرحلة البرجوازية والراسمالية الأمر الذي حاولت مجموعات من أصحاب المال اليهود الصعاليك أن ياخذوا الفكرة إلى فلسطين وإقامة مستوطنات تجلب فلاحين ويتم تكريس حياة الصراع الطبقي..
كان ميلادها عبارة عن انبعاث فلسفة مشوهة عنصرية تجاه الآخر قائمة على النفي والاقصاء للمخالف، هذا معلوم من تاريخها الدموي في الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية والصين الماوية.. ولكن ما هو أكثر خطورة أن الناس الواقعين تحت حكم الشيوعية تم إخضاعهم لعمليات تشويه قيمي اجتماعي فأصبح الإلحاد العقيدة التي يجب أن يتبناها الأفراد بمعنى إزالة السلطان الروحي من داخلهم واستبداله باله من صنع جديد فاقد للقدرة على إحداث الانسجام والسلام الداخلي وتحول الفرد إلى عبد بشكل مباشر للحزب والمشغل مقابل القوت والحاجة كما الحيوان تماما.. وعلى صعيد المجتمع تم تدمير القيم الاجتماعية المتوارثة والتي كانت محصلة تحسينات وتنمية من خلال التجارب البشرية الطويلة.
لقد كان الإنسان أول ضحية على مذبح الشيوعية فقد حريته ومشاعره وقدرته على الاختيار وأصبح في قالب مصنع كأي سلعة إما على الصعيد البشري فكان لغياب الإنسانية في ظل النموذج الشيوعي اثر بالغ في اختلال الموازين العالمية وتحويل القضايا العادلة إلى سوق للمساومة والاختلاس كما حصل في أماكن كثيرة كفلسطين والعراق والجمهوريات الإسلامية التي سيطر عليها البلاشفة.
لقد كانت مهمة الشيوعية تجويف الإنسان من ملكة التفكير والتخيل والاعتقاد وتخريج ناس مشوهين عاطفيا ومعنويا يعيشون التناقض الحاد في وجدانهم وحياتهم لذلك عندما حصل الانهيار كان شاملا مدمرا.. أما المجتمع فرغم ترسانات السلاح التي تساوت الدول الاشتراكية فيها مع القوى الاستعمارية الرأسمالية فلقد كانت لقمع البشر وتدمير مجتمعاتهم وهي تعني بشكل أوخر مجاراة الجريمة التي ترتكبها القوى المتسلطة على المجتمعات البشرية.
إن قطع الانسان عن منشئه ومآله كما تبشر الشيوعية يعني بوضوح أن الحياة عبث لا قيمة لها وأن الحياة هي مناط الجزاء والعقاب وبذلك تتسرب إلى عميق الوجدان الانكسارات العميقة جراء جولات الظلم التي لن تجد لها معاقبة.
الحديث عن الشيوعية يتشعب من الحديث الفكري والعقائدي إلى الحديث الاجتماعي والإنساني إلى الحديث عن الصراع السياسي وفي كل هذا كانت التجربة الشيوعية شذوذ عن المسيرة الإنسانية انعطفت بمجتمعات إلى قعر الفقر والفاقة والتخلف والاستعباد.. ورغم سقوطها سقوطا مدويا إلا أنها تحولت اليوم لدى البعض إلى اطلال تعبد كاصنام قريش.
كما أن سقوطها الاجتماعي السياسي الرهيب يعطي الإشارة بأن التجارب البشرية التي أرغم عليه الانسان تقوده إلى استعادة نفسه وامتلاك خصائصه جميعا وعدم التفريط بأي منها لأنها بعثه لحياة الكرامة والسعادة.