أسامة الرحماني
إن الماء مما هو شديد الصلة ووثيق الارتباط بالإنسان بل أشد صلة من أي شيء آخر ولا حياة مستقرة إلا بالماء حتى لو لم يكن الطعام يمكن العيش أياما قليلة ولكن لو لم يكن الماء لا يمكن ويستخدمه في كل مناحي الحياة بل الماء هو أحوج شيء لمن دب على الأرض كما أن جميع الحضارات والتجمعات البشرية قامت بجانب المسطحات المائية كحضارة نهر نيل وكأنه عمود فقري للكائنات حتى أن الأرض قوامها عليه حيث تتكون ثلاثة أرباع الكرة من الماء.
ومن المعلوم أن الماء يشكل نسبة 60 % من جسم الإنسان وهو الذي يسهل دوران الدم في جسم الإنسان ويطهر دمائه ويساعد على تنقل الغذاء إلى جميع أجزاء الجسم كما يساعد على استخراج ما لا يفيد الإنسان وما يجب تركه بالتبول والبراز والتعرق ويدل عليه أول مراحل خلق الكائنات الحية وكان ذلك بالطين والطين هو التراب المعجون بالماء.
نفتقر إلى الماء في معظم الأحيان مثل الشرب وتنظيف الملابس وأواني الطعام والمراكب وغسل الجسم والاستحمام وللحفاظ على المنازل والأماكن نظيفة كما يحتاج إليه لنمو المحاصيل الزراعية بشكل صحي وصناعة العديد من المنتجات وتوليد الطاقة الكهربائية ولتحضير الطعام علاوة على أنه يعد طريقة للتنقل بين البلدان على متون السفن البواخر ومصدر الملح والمعادن أيضا ومصدر الغذاء للكائنات البحرية في البحار والمحيطات والأنهار وكل مجاري الماء ولذا قال العرب “إن الماء أهون موجود وأعز مفقود”.
ومن منافع الماء أننا نرى البلدان مخضرة بالأمطار الهاطلة ويأسر الزوار خضرتها الجاذبة ومناظرها الخلابة فيها حيوان وطيور بينما البلدان الأخرى التي هي أقل ماء ومطرا، صارت جرداء قاحلة ليس فيها ما في تلك البلدان من رغد العيش وطيب النفس، ويشير إليه فاطر السماوات والأرض قائلا: وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج (الحج: 5).
كل إنسان يعرف قيمة الماء وعزته وانتفاعه والمشاق والصعاب عندما يفقده ولكنه لا يحميه ولا يحافظ عليه حق المحافظة بل يتعامل معه بعشوائية ويأتيه إسرافا وبذارا ويستعمله كيفما شاء ويلوثه بحيث يجعله غير صالح للشرب وينسى أنه من أجل نعم الله التي لا تحصى وهذه النعمة تطلب منا الشكر والشكر الأول هو ألا يستعمله في غير ما وضع له، أما من يسيء إليه استعمالا فهو يكفر بهذه النعمة ويعصي مُنزله من المزن ولو يشاء جعله أجاجا.
تلوث المياه هو تراكم كمية كبيرة من الملوثات والمواد الكيميائية والضارة الناتجة عن الأسمدة والمبيدات في مياه الأنهار والبحار والمحيطات مما يسفر عن موت كثير من الكائنات الحية التي توجد تحت سطح المياه كما يضر الإنسان ويؤثر على صحته سلبا ويتسبب لتفشّ وظهور عديد من الأمراض والأوبئة الخطيرة والفتاكة ويجعل المياه غير صالحة للشرب وذلك بممارسات الإنسان المتنوعة من إلقاء المخلفات الصلبة مثل المواد البلاستيكية والبول والبراز وفضلات التنظيف والغسيل خاصة من الشركات الكبيرة ونفايا المصانع التي تلقي الخطر والضرر على النظام البيئي.
يقوم الإسلام بإرشادات قيمة وتوجيهات غير مسبوقة لاستعمال الماء وتعاليمه تحمي الماء من التلوث والإسراف وسوء الاستعمال ويأخذه بعين الاعتبار حيث يقول سبحانه وتعالى: وأنزلنا من السماء ماء طهورا (الفرقان: 48) وقال أيضا: أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون (الأنبياء: 30)، يخبرنا الله تعالى بهذه الآية بأن الماء أكثر صلة بالحي وأعظم شيء ينتمي إليه وبأني خلقت الكل منه ويؤيد هذا قوله الآخر: والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير (النور:45).
الإسلام يوجهنا إلى حماية الماء وألا نلوث موارده وينابيعه حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الملاعن الثلاث، البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل، وقال أيضا: لا يبولن أحدكم في الماء الراكد وقد نهانا خاتم الرسل عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم عن زيادة الاستعمال حتى في العبادات وإن كانت هذه الزيادة من أنهار وبحار عميقة، وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال له: لا تسرف، فقال: أو في الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار (رواه ابن ماجه).
وقد قال الله تعالى في المحكم تنزيله الذي لا يـأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، عدة أسماء للماء منها الماء المعين هو الذي يفيض ويسهل الحصول عليه والانتفاع به والماء الغدق وهو الذي فيه وفرة وكثرة والماء الفرات هوالماء شديد العذوبة والماء الثجاج هو السيل والماء الدافق هو مني الرجل يخرج في دفقات وماء سلسبيل هو ماء في غاية السلاسة وسهولة المرور في الحلق من شدة العذوبة وينبع في الجنة من عين تسمى سلسبيل والماء الحميم شديد السخونة والغليان والماء غير الآسن هو الجاري المتجدد الخالي من الملوثات والماء المهين هو الضعيف والحقير ويقصد به مني الرجل.
وفي التاريخ قصتان عظيمتان عن الماء أولاهما قصة ماء أشرف في الأرض قد نبع من أرض مقدسة من تحت رجل طفل صغير عند فقد ماء وزاد، وهذه القصة تعود إلى زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما ذهب مع زوجته هاجر وابنهما إسماعيل عليهما السلام إلى موضع قرب مكة وتركهما إبراهيم عليه السلام هناك، وكان الماء والزاد نفدا فرزقهما الله تعالى ماء فأخذت هاجر عليها السلام تحيطه بيديها وهي تقول زم زم خوفا من ضياع الماء فسمي بزمزم.
أما القصة الثانية فذلك طوفان في زمن نبينا نوح عليه السلام أرسله الله عذابا على قومه عندما لم يتبعوا ما دعا إليه نوح عليه السلام نحو ألف سنة وقليل ما هم يؤمنون وهذا يبينه الله تعالى في الفرقان الفارق بين الحق والباطل قائلا: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون (العنكبوت: 14)، وهذه القصة هي عبرة لنا أيضا، وقد تعرضنا لفيضانات عديدة خلال ثلاثة أيام وعادت هذه بخسارة فادحة في كل الأصعدة وقد أدت إلى تعطل التنقل وتقلص الوضع الاقتصادي ولم نتمكن من إنعاش هذه الأوضاع الاقتصادية ومن تطبيع الحياة اليومية، وهذه من البلاء الذي ابتلاه الله الناس لكفرهم بنعمه وعصيانهم له.
ومع ذلك كله، علينا أن نحافظ على الماء بقدر الإمكان بتعديل سلوكياتنا اليومية، منها استعماله على قدر الضرورة وألا يسرفه ويحميه من التلوث، هناك عديد من الطرق للحفاظ عليه هو عدم إلقاء المخلفات والنفايات فيه واكتشاف طريق آخر لإعادة استخدامها وعدم استخدام المبيدات الحشرية وزيوت المحركات وعلب الطلاء والأدوية، لأن هذه المواد الضارة تتسرب إلى المياه الجوفية عند الأمطار، وإعادة تدوير المياه لكي يتم استخدامها مرة أخرى والعمل على منع التربة من الانجراف، لأن هذا يلوث المياه، وفوق هذه كلها التوعية للإنسان حول ضرورية المحافظة عليه وتحذيره من فقدان الماء في مستقبل قريب ليتعظ بأمسه ويجتهد بيومه ويستعد لغده، نسأل الله المنان أن ينزل علينا ماء من السماء وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد.