الكاتب: منهاج محمد،
خرجت من بيتي إلى المدرسة في الصباح، وكان ذلك تقريبا قبل أربع سنوات، وركبت حافلة حكومية للنقل العام، وهي كانت مزدحمة بطلاب أمثالي وعمال يذهبون بحثا عن لقمة عيشهم، وكنت أجلس قرب نافذة مطِلاّ إلى الخارج كعادتي في كل يوم، لكن في ذلك اليوم وقعت عيني على بعض المناظر الغريبة، إذ رأيت صور مختلفة لأمير قطر معالي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على زجاج خلفي لبعض السيارات والحافلات، مع صورة كبيرة لعلم دولة قطر، ثم رأيت نفس هذا المنظر على سيارات كثيرة، وفي نفس هذا اليوم لما عدت إلى بيتي وفتحت الواتساب والفيسبوك رأيت نفس هذه الصور في حالات أقربائي وأصدقائي الذين يعملون في قطر، وذلك لم يكن يوما وطنيا لهذه الدولة، فانتابني الفضول لأعرف ما الذي حرك مشاعرهم تجاه وطن عملهم بهذا الشكل الكبير، فاطلعت على الأخبار العالمية، فعلمت أنه حصل في الشرق الأوسط بعض الأحداث السياسية الهامة حيث حوصرت دولة قطر من قبل أكثر دول عربية، فعرفت أن هؤلاء المغتربين الكيرلاويين فعلوا كل هذه الأشياء تأييدا لبلد رأوه كبلدهم الثاني بل أكثر من ذلك، وفي الأيام التالية ظهرت في بعض الأماكن المزدحمة العامة لواح كبيرة ليوقع عليها من يؤيد دولة قطر تأييدا رمزيا في هذه الأزمة السياسية، وامتلأت تلك اللوحات بالتوقيعات أثناء وقت قصير، تعجبت واندهشت من أفعال هؤلاء حيث إن في أكثر البلدان وقع مثل هذه الطوارئ السياسية والاجتماعية في السنوات الماضية والكيرلاويون الكثر يعملون في تلك البلدان، لكن لم يسبق مثل هذا التفاعل الكبير تجاه أي تلك المشاكل، هذه المرة تبدو كأن هذه الأحداث السياسية حصلت لأرض وطنهم.
فتفكرت أن هذه الدولة لا بد أن دخل إلى قلوب هؤلاء المغتربين ونزلت منزلة عالية من نفوسهم، تسائلت خالي الذي يعمل في دوحة منذ سنوات طويلة: “لماذا قامت الدنيا بالنسبة له ولأمثاله من المغتربين حين سمعوا ذلك الخبر؟” فبدأ يتحدث بألف لسان عما يعيشون من حسن تعامل في بلدهم الثاني، حكومتهم لا تعتبرهم كالمغتربين بل كمستوطنيها ويحافظون على عرضهم وكراماتهم، حتى في هذه الفترة الكورونية الصعبة حصلوا على اعتبار حسن بكل معانيه، بالمناسبة أذكر ما أشار به رئيس وزراء كيرلا في أحد المؤتمرات الصحفية عن تدابير قطر الوقائية في زمن كورونا حيث قال: “لا ينبغي علينا أن نقلق في أمر عائدين من قطر لأن لديهم تطبيق (احتراز)”.
قبل سنتين، لما حل بكيرلا الفيضان الجارف الذي أتى على كل شيء وقفت حكومة قطر وقفة صديق حقيقي حيث أرسل مبلغا ضخما ما يناسب 350 مليون روبية هندية للأعمال الإغاثية وليعيد البلد إلى عيشته العادية، وكان ذلك أول مساعدة من خارج البلد وأكبرها.
هذه العلاقة الودية بين الكيرلاويين ودولة قطر بدأت منذ زمان، الكيرلاويون بدؤوا يشدون رحالهم إلى دولة قطر منذ عقود كثيرة، حسب بعض الاستعراضات الأخيرة يوجد الآن في قطر تقريبا نصف مليون كيرلاويين يعملون في مختلف المجالات، وكل هؤلاء ساهموا لتقدم مادي لهذه الدولة، ومن بينهم تجار كبار يجرون شركات كبيرة، حكومة قطر أكرم أحدهم سنة ٢٠١٨ بجائزة معتبرا بإسهاماته القيمة في جعل قطر مستديمة ذاتيا لمواجهة أزمة الحصار، وهو السيد محمد أشرف صاحب شركة صفا لمياه الشرب، ويوجد للكيرلاويين منزلة خاصة في قلوب المستوطنين القطريين لأمانتهم وصدقهم ووفائهم في المعاملة معهم، ولذلك بعض التجار القطريين يستقبل اشتراكيتهم وسهمهم في مشاريعهم التجارية الكبيرة.
وتوجد للمغتربين الكيرلاويين في قطر جمعيات كثيرة في مجالات مختلفة، أكثر من بينها للأعمال الخيرية والاجتماعية، منها: INCAS, KMCC, ICF-RSC وما إلى ذلك، وهذه الجمعيات ساعدت الحكومة لتنسيق الأعمال التطوعية في زمن كورونا بشكل كبير، وهم كذلك يقومون بأعمال خيرية كبيرة في بلدانهم.