عيد الأضحى- ذكريات القربة والفداء

هو العيد الذي يحتفلُ به جميع المُسلمين في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وهو العيد الأكبر عند المسلمين، عيدٌ يقام فيه أَعظم وأكبر فريضةٍ عندهم وهي فريضةُ الحج، الركن الخامس من الاركان الاساسية للإسلام، ويأتي عيد الاضحى المبارك في اليوم العاشر من ذي الحجة من كل عام. وقبله يومُ عرفة؛ حيث يقف فيه المسلمون على جبل عرفات ليؤدوا بذلك الرُّكن الأساسي في الحج، ويَحتفلون في اليوم الذي يَليه بعيدِ الأضحى المبارك، حيث تَستمر مناسكُ الحج حتى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى المبارك.وقد شرعه الله -تعالى- لعباده؛ ليفرحوا بما وفّقَهم إليه من عبادة فيما سَبقه من أيّام العَشر الأُوَل من الشهر نفسه كصيام يوم عرفة، والتكبير، والتهليل، والصدقة، وغير ذلك من العبادات. 

أمّا تسميته بالأضحى منسوبة إلى الأُضحية؛ إذ الناس يذبحون الأضاحي في هذا اليوم في ذكرى ابراهيم (ع) الذي أراد التضحية بابنه إسماعيل (ع) تلبية لأمر الله، ولذا يقوم عديد من المسلمين بالتقرب إلى الله في هذا اليوم بالتضحية بأحد الأنعام (خروف، أو بقرة أو ناقة ) وتوزيع لحم الاضحية على الأقارب والفقراء وأهل بيته، ويُسمّى هذا اليوم أيضاً بيوم النَّحر؛ لأنّ الهَدي والأضاحي تُنحَر فيه.تُعرَّف الأُضحية في اللغة بأنّها: ما يُنحَر في عيد الأضحى، أمّا تعريفها في الاصطلاح الشرعيّ، فهو لا يخرج عن التعريف اللغويّ؛ إذ إنّها تعني: ما يُذبَح؛ تقرُّباً لله تعالى في أيّام الأضحية بشروطٍ مخصوصة، وقد جاءت مشروعيّتها في القُرآن الكريم، والسُنّة النبويّة؛ فقال الله -تعالى-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، وورد في السُنّة النبويّة كثير من الأحاديث التي تحثّ على الأُضحية وتُبيّن فضلها، وتُحذّر من تَركها، ومن ذلك فِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا)، كما نُقِل الإجماع عن كثير من العُلماء في مشروعيّة الأُضحية .يأتي هذا العيد كذكرى لقصةِ إبراهيم عليه السّلام عندما عزم على ذبح ابنه اسماعيل بعدما أمره الله تعالى بذلك، فأخذه إلى الصّحراء لينفذَ الأمر، لكن الله تعالى فداه بكبشٍ من السّماءِ، فبذلك أصبحت الأضحية سنّةً على جميع المسلمين. 

وقد بكت الملائكة عليهم السلام عندما كان اسماعيل عليه السلام مستعدا للتضحية بنفسه. وزلزلت الارض زلزالا وسكتت الاشياء كلها وبدؤا جميعا يدعون الى الله تعالى. فرفع الخليل عليه السلام سيفه ليذبح ابنه فنزل الملك من السماء واعلن ان الله سبحانه وتعالى فرح بعبادتك وانزل شاة للذبح بدلا من ابنك. فلذلك يحتفل العالم اليوم عيد النحر بتجديد هذه الذبيحة العظيمة للنبي إبراهيم عليه السلام.ويبدأ وقت صلاة العيد من بعد طلوع الشمس، وينتهي وقتها قُبيل زوال الشّمس. ويُسنّ للمُسلمين تعجيل أداء صلاة عيد الأضحى؛ ليتّسع الوقت لذَبْح الأضاحي، والأكل منها.وممّا يُسنّ في حقّ المُسلم فِعْله يوم الأضحى؛ الذّهاب إلى مصلّى العيد ماشيا، وترك الرُّكوب في ذهابه إلى المُصلّى، وإيابه منه، والحرص على مخالفة الطريق؛ فيكون الذّهاب إلى المُصلّى من طريقٍ، والعودة من طريقٍ آخرٍ، لثبوت ذلك من فعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام ويؤدّي المسلمون صلاة العيد ركعتيَن، ويخطب الإمام بعد الصلاة خُطبتيَن كخُطبتَي الجمعة يُبيّن فيهما أحكام الأُضحية، والحَجّ. وبعد الصلاة تُذبَح الأضاحي، ويُتَصدَّق منها على الفُقراء، والمساكين، ويُسَنّ الاكثار من ذِكر الله تعالى، وخاصّةً التكبير، وشُكر الله تعالى-على نِعَمه بشكلٍ عامّ، وبشكلٍ خاصّ على نِعمة الإسلام، وهو يوم يحرم الله الصوم فيه مطلقا، كما يحرم صيام أيّام التشريق الثلاثة التي تليه إلّا للحاجّ الذي لم يجد الهدي، فإنّ صيامها جائزة له، وعيد الأضحى يوم واحدٌ تلحق به أيّام التشريق، وممّا يدُل على ذلك حديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (يوم الفطر، ويومُ النحرِ، وأيامُ التشريقِ، عيدنا أهل الإسلامِ).ويُستحسن بالمضحّي التحلّي بالسنن المشروعة يوم النّحر، يُذكر منها:ترك حلق الشَّعَر، وقطع الأظافر؛ وذلك لمن نوى ذبح الأُضحية، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وأَظْفارِهِ).

ويمتنع المضحّي عن الحلق وقطع أظفاره من حين ثبوت رؤية هلال شهر ذِي الحِجّة، أو من حين إتمام شهر ذِي القِعدة ثلاثين يوما، فإن ثبتت رؤية هلال ذي الحجّة؛ امتنع المُضحّي عن الأَخْذ من شَعْره وأظافره من غروب شمس آخر يومٍ من أيّام ذِي القِعْدة.ومن السنة أيضا تأجيل الذَّبْح بعد صلاة العيد، استدلالا بما ورد من صحيح قوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ أوَّلَ ما نَبْدَأُ به في يَومِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَن فَعَلَهُ فقَدْ أصابَ سُنَّتَنا، ومَن ذَبَحَ قَبْلُ، فإنَّما هو لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأهْلِهِ، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ). 

ومن سنن عيد الأضحى التجمل يومها وتبادل التهنئة بيوم العيد بين المسلمين وتأخير الأَكل إلى ما بعد صلاة العيد؛ لما ورد من فعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وحتى يأكل المضحّي من أضحيته.ويسنّ للمسلم باتّفاق أصحاب المذاهب الأربعة أن يجهر بالتكبير عند خروجه إلى صلاة العيد يوم الأضحى، كما يُشرع في حقّه التكبير من فجر يوم عرفة، إلى عصر آخر يومٍ من أيّام التّشريق، وذلك بعد أداء كلّ صلاة، ومن الصِّيَغ المشروعة في التكبير: قَوْل: (كان عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ يُكبِّرُ من صَلاةِ الفَجرِ يومَ عَرَفةَ إلى صلاةِ العَصرِ من يومِ النحْرِ يقولُ: اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ وللهِ الحَمدُ)، والتكبير يوم العيد الأضحى إمّا أن يكون تكبيرا مُطلقا؛ حيث يُشرع في جميع أوقات اليوم، من ليلٍ، أو نهارٍ، كما يُشرع في جميع الأماكن التي يجوز فيها ذكر الله؛ من بيوتٍ، وأسواقٍ، ومساجد،وإمّا أن يكون التكبير مقيّدا؛ يُشرع عَقب الصلوات.ومن أجمل طقوس عيد الأضحى المبارك وأروعها هي تكبيرات المساجد في صبيحة العيد، وصلاة عيد الأضحى المبارك، التي يجتمع فيها الكبار والصغار فرحا وبهجة، ويرتدون أجمل ما لديهم من ثياب ولباس، لِيكبروا تكبيراتِ العيد، ويبادروا بتهنئةِ بعضهم البعض، فتذهب كل الخصومات وكأنها لم تكن، وتتبع الزيارات بين الأقارب والأرحام والأصدقاء، ويفرح الصغار بعيدياتهم، ويكثرُ العطاء والتوزيع على الفقراء والمحتاجين ليشارك الجميع في فرح العيد.وفقنا الله لما يحب ويرضى…. وجعلنا الله من الفائزين…..آمين يا رب العالمين