باسم اللّٰه الرحمٰن الرحيم، الحمد للّٰه الذي جعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعل نومكم سباتا وأسقٰنا من ماءه ماء فراتا، والصلاة والسلام على من يستحقّ منّا صلاةً وزكاةً وعلى آله وأصحابه الذين صدعوا من أجل الحق أصواتا – أما بعد
إن من بديهي الكلام أن الموت والحياة مرحلتان دقيقتان جعلهما اللّٰه ربنا على طريقنا طريق العباد الذين أقبلوا مذ خرج آدم أبوهم من الجنة إلى كوكبة الأرض أو مادية الوجود لطاعة اللّٰه وعبادته وحده بامتثال أوامره واجتناب نواهيه طوعا وكرها، وهو يختبرهم بالامتحانات تختلفت إليهم مع أنواعها وألوانها إلى أجل مسمّى، فاللّٰه ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَیَوٰةَ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلا، لكنهما برزخان حائلان يقطع الإنسان عما قبلهما تماما وينقل بهما إلى مسلك ينفرد عما قبلهما بكثير، فيحسب الإنسان أن ما يخوضه يفضي به إلى نهاية مسيرته لكن الحقيقة إنها نهاية إلى بداية الطريق فالحال كقوله «وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَعِبࣱ وَلَهۡوࣱۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ»، نعم هناك عوالم بعيدة عن المفاهم الفكرية والمدارك الإنسانية، فهذا العالم عالم الشهادة ما ليس إلا توافه زينت مظاهرها وهناك عالم الغيب كمثل إشارات الآيات بكلمة «الدار الآخرة» فالسيرة الإنسانية مجسدة من هذه الديار كلها بساطة، فليتعلمها عاملوها وليأخذوا أهبتهم لسير طويل أزف بالأوان.
إنما اللّٰه – جلّت عزته وتنزهت منزلته – جعل هاتين المرحلتين الدنيويّتين أو المحنتين الّتين تعلّقتا بهذا العالم عالم الوجود معدودتين من جملة العوارض والمصاعب التي كان على الإنسان أن يعبرها في صراطه ذاك فيقيم أوده بصلاح ما يعمله وينير سواده ببياض ما يكسبه فيجعله الصراط المصقول المستقيم كمثل الصراط الذي يدعى لأجله في فاتحة الكتاب «ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰاطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ صِرَ ٰاطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ» حتى يتوسل به من عالم الفناء والانقضاء إلى نعم ما لا موت فيه نعمة من اللّٰه وفضلا منه له لَا یَذُوقُونَ فِیهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ
ها هو ذات البقاء الأبدي…!، أُو۟لَـٰىِٕكَ جَزَاۤؤُهُم مَّغۡفِرَةࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِینَ
المرأ مهما فعل خيرا كان أم شرا إنما يتذرع بما يجمعه زادا في دنياه لعالم ليس فيه موت أي حائل يمنع بينه وبينما يجزى ويعطى، فالذين أحسنوا جمعهم فعملوا لما بعد الموت لهم العقبى كما خبّر به الذكر الما قبل، والذين جمعوا فأساء جمعهم أُو۟لَـٰۤىِٕكَ جَزَاۤؤُهُمۡ أَنَّ عَلَیۡهِمۡ لَعۡنَةَ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ خَـٰلِدِینَ فِیهَا لَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ، فالذين عاشوا وماتوا أو يموتون هذه الأيام فهم في طريقهم بما كسبت أيديهم ونحن أيضا في طريقنا الذي وعدنا به لأن نكون ميتين في جزء من أجزاءه بما جمعناه من هنا وكسبت أيدينا لا ريب، فلا تكوننّ من الممترين، فلا ندب ولا نحيب لمن سبقوا بما لديهم من الصالحات والسيئات بل الأجدر أن يدعو ربه لهم بالخير والمغفرة، ويعتبر منهم أن هذا المتاع ليس بخالد لأحد ولعل أوانه قد اقترب.
بالأمس القريب فقد الشعب الكيرالاويّ رائد سياسة المودة والمحبة السيد حيدر علي شهاب – رضي اللّٰه عن خدماته وصالحاته وجمعنا معه في جنته – كالكثيرين الذين تنجدل أجسادهم في هذه التربة، تركوا من قبلنا تاريخا حافلا بالمجازفات والمكافحات من أجل قضية يقدسونها، كالكثيرين كانوا أمهات المجتمع وآباءه فودعهم بدمع بارد كالأطفال إذا منعوا رضع الحليب فلا فسوق ولا جدال بالدموع إلا بتكملة ما بقي على دربه وأن نبني عليها كما علمونا وأن نطبق ما كمله اللّٰه تعالى به آياته الكريمة «وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ غُرَفࣰا تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ نِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِینَ ٱلَّذِینَ صَبَرُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ»
لا جرم أنما المؤمنون الذين اصطفوا من الأعمال الصالحات واختاروا من الكسب الخير سيبلغون ما وعدوا من لدى الرب العزيز من الأجور والثواب وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَأَجۡرٌ عَظِیمࣱ
إنه الشهر الحرام رمضان موعد الثواب الوافر مربع الغفران والرحمة من لدى الرحمٰن بين أيدينا والذكر عن خيراته وفضائله أمر ملأ الأذن تكراره فأبه به واغتنم ما فتح لك قبل فواته وفوات الأوان وَلَیۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ حَتَّىٰۤ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّی تُبۡتُ ٱلۡـَٔـٰنَ وَلَا ٱلَّذِینَ یَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰاࣰا