وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ

قد ودعنا شهر الرحمة والمغفرة والرضوان، والعد العكسي بدأ لعيد الفطر لتهب نسمات الفرحة والبهجة في قلوب المؤمنين الذين أحيوا ثلاثين صياما وقياما، ولتعج في أصقاع العالم لهجات التكبير، ولترج قلاع الأعداء من دويها في آفاق السماء، لقد أهل الله علينا يوم الفرحة والسرور ليتنهد فيها المؤمن بعد ثلاثين يوما من التشمير إلى طاعة الله ومحبته، ولقد أمرنا الله تعالى أن نفرح بفضل الله ورحمته، وهذا يوم الرحمة والبهجة والتقرب إلى الله بطاعته والابتهال.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، للصائم فرحتان فرحة عندما يفطر بفطره وفرحة عندما يلتقي ربه، وقد أتتنا فرحة عندما نفطر بعد ثلاثين يوما من الصيام والقيام، وربما يتساءل متسائل، كيف لنا أن نفرح وقد انتقل قادتنا إلى رحمة ربنا، واليتم يؤرقنا، والبلايا قد أحاطتنا من كل الجوانب، و قد سيطرت أوبئة وفيروسات وطواعين فتاكة على مجتمعنا، وسفك للدماء وتدمير وتهجير وطمس الهوية وحرب تنخر وريد حياة المواطنين، فعليك يا أيها المؤمن أن تعلم أنه لن يصيبك أية بلاء أو وباء إلا بقضاء الله «قل لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» واعلمْ أنَّ ما أصابكَ لم يكن ليُخطِئَكَ وما أخطأكَ لم يكنْ ليصيبكَ، وكل ما كتب لك سيلحق بركبتك، وثانيا المؤمن بالله يرضى بقدره وقضائه فيشكر على نعمه ويصبر على امتحاناته فعجبا لأمره، وثالثا أن الأوبئة والفيروسات مهما تبعتك ستزول بعد فترة وستلحقك البهجة والفرحة، فالذي يؤمن بربه عز وجل لا يفسد عيده أية وباء أو فيروس، وأخيرا عليك أن تعلم أن هذه الدنيا دار بلاء ودار الامتحانات واختبار.
فلا تحزن بما حل عليك من وباء وطاعون أو فيروسات أرقت لياليك فلا تقنط من ربك العزيز وإن طال أمدها، فإن ربك القيوم سيمد يده إليك بالتأكيد، فلا تقنط من رحمة الله، وبادر بالأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة، فهنيئا لك يا أيها المؤمن، فاشكر ربك على نعمه، فإن المؤمن إذا أصابته السراء شكر، والسعادة التي تغمرك في يوم العيد ليست من خلال مظاهرك والشكليات فقط، فهي سعادة معنوية بالتضرع إلى الله وحمد عليه على ما أنعمك لتكمل العدة في طاعته.
واعظم أهداف العيد هي تحقيق أخوة بين المسلمين، في هذا اليوم تتسع قلوب المؤمنين ويفتحها لكل من إخوانه حتى ينهوا الخلافات التي طال أمدا، ويلتقون بعد الصلاة ويتصافحون ويهنؤون ويتباركون ويتسامحون حتى يدعون لبعضهم بعضا بدوام الصحة، تتجلى في هذا العيد المبارك قيم الرحمة والتسامح، فالناس يصيرون وكأنهم جسدٌ واحد، الغنيُّ يأخذ بيد الفقير والكبير بيد الصغير والقوي بيد الضعيف فعيد الفطر هو فرصة لتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية بين الناس والمعنى الإنساني في العيد، فهو أن تشترك أعدادٌ كبيرة من المسلمين بالفرح والسرور في وقت واحد، فيظهر اتحادهم وتُعلم كثرتهم باجتماعهم، فإذا بالأمة تلتقي على الشعور المشترك، وفي ذلك تقوية للروابط الفكرية والروحية والاجتماعية.
وفي العيد تذكير بحق الضعفاء في المجتمع الإسلامي حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم النعمة كل أسرة، وهذا هو الهدف من تشريع «صدقة الفطر» في عيد الفطر فالمؤمنون يبتهجون ويفرحون بالرغم من الفقر والمسكنة والديون، ويقيمون أصلابهم من طعامها.
وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في هذا اليوم إظهار السرور وتأكيده بالغناء والضرب بالدف واللعب واللهو المباح، بل إن من الأحاديث ما يفيد أن إظهار هذا السرور في الأعياد شعيرة من شعائر هذا الدين، ولهذا فقد رُوي عن عِياض الأشعريّ أنه شهد عيدًا بالأنبار فقال: ما لي أراكم لا تُقلِّسون، والتقليس هي صوت يرفع بالقِراءة والغناء فقد كانوا في زمان رسول الله يفعلونه.
فعليك أيها المؤمن أن تعلم أن هذه الأفراح ينبغي أن لا تتجاوز حدودها، وهذا اليوم يوم الطاعة والتضرع لا يوم العصيان والكفر لنعم ربك، وعليك أن تبعد عمّن يحللون ما حرم الله في هذا اليوم الذي تنزل فيه الرحمة، والطغيان في فرحة العيد قد يؤدي إلى المحظورات والممنوعات شرعا، مثل التبذير والإسراف، فإن ذلك لا يجوز حتى لو كان في أمور مباحة مثل اللباس والطعام والشراب والزينة، فإنه يؤدي إلى تجريح قلوب المؤمنين الذين يعانون كثيرا لتلاقي طرفي حياتهم.
فالعيد في الإسلام ليس ذكريات مضت أو مواقف خاصة لكبراء وزعماء، بل كل مسلم له بالعيد صلة وواقع متجدد على مدى الحياة، وفي العيد تتجلى الكثير من معاني الإسلام الاجتماعية والإنسانية، ففي العيد تتقارب القلوب على الود، ويجتمع الناس بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر، فالمؤمن ليكمل العدة فيكبر ربه ويتضرع إليه ويصل رحمه، وفقنا الله لما يحب ويرضى – آمين