الفاشية منذ نبعتها من فوهات إيطاليا ومن هضباتها أصبحت رايات العنف والشراسة خفاقة وظلت غايات التضامن والتسامح متغيبة من أفق الزمان، فاستبيحت دماء الإنسانية ورخصت قيم الآداب والسلوك وحلت مكانها شعارات خالية من خلاصة الحب والسلامة والمواساة، وانتهكت محارم المعتقدات والديانات ونسفت آثارها في مهب الرياح العاديات، ولكن أصبحت الفاشية تنحل وتتوغل في عروق الحركات والمنظمات المستمدة من حب الوطن وبناء الحضارة والثقافة من أصول الدين والتقاليد والطقوس، وقد قامت الهند في بداية أمرها مكافحة جريئة ضد تموجات العنصرية والعصبية والنخوة ودعت الشعب إلى السلم والتضامن الاجتماعي والأمن والهدنة، ولكن بعد مضي فترة من استقلال الهند ارتفعت في وديانها دعايات لا تلتصق بروحها، وهاجت في بحارها هتافات النخوة والتميز العنصري والديني، وتولدت في رحمها حركات وكتلات تستخرج قوتها ونبضتها من أعماق المعتقدات، وطرحت معنيات الاتفاق والمواكبة مع الديانات الأخرى، وشكلت هذه الموجة مأزقا كبيرا في دولة تنتمي إلى الوحدة في التنوع ولكن الفاشية بعثت ونشرت بألوان وأشكال شتى وطليت عليها شحوم الوطنية والعلمانية، فأنجبت تعريفات جديدة تكشف تعاليم الوطن والالتزامية له، وفي قريب من الأيام، خاصة بعد اعتلاء مجلس الهندوسي الوطني عرش الحكومة الإدارية طلعت مخططات ومشروعات تدعم هذه الدعاية المحرجة، وأخيرا أفادنا خبر أعرب عن بشاعة الحكومة إثر انتقال الوزير السابق المركزي الهندي وعضو البرلمان فخامة الشيخ إي أحمد، وقد أثارت هذه العملية الجريحة موجة من الاحتجاجات والإنكارات كأن الفاشية ترفض حق الموت وترتدي حلة ملك الموت، ولكن الفاشية لم تلق أي نظرة نحو هذه المظاهرات والمسيرات سوى دمعة سالت وتمثلت بطلا يبكي ويضحك في المسرحيات المأساوية، وقد تغير مجرى الهند وابتعدت من مصفها الشامخ ورصيفها الأنيق، وبدت اتجاهات جديدة في منظور الديموقوراطية والعلمانية، واشتدت الخصومة والاستبداد بالرأي والتشبث في قشر المعاني، والفاشية في مسيرتها الزاحفة وهي تستهدف الأرواح والأطياف وتتوجه نحو الحضارة والعمارات، وهي تتسكع في عمق الدور والمدن وفي قلب المدني والبدوي، ولا تردعها المنحدرات والانعطافات، لأن عالم الإنسانية في مقاومة جديدة مضطرمة لا تطفى نارها، وهي تحارب عدوا يعشش في العظام النخرة واللحوم الفانية والأكفان والمقابر. وكأن نهايتها طلوعها وابتعاثها من مسقط رأسها حتى يكزها فأس محدد ويرجمها أصحاب العزة والسؤدد.