رحل عنا اليوم المفكر الإسلامي علامة الهند الأستاذ وحيد الدين خان بعد مسيرة حافلة بالخدمات الدعوية الجليلة التي أظهرت للعالم وجه الإسلام وبعد أن وقف حياته التي طالت ستة وتسعين عاما ليتحدي الجماعات المسلحة والأيديولجيات المتطرفة التي شوهت وجه الإسلام، ومما يؤسفنا للغاية إنه آخر عنقود العلماء الذين شهدوا الأحداث الوطنية الهندية.
واشتهر فضيلته في الأمتين العربية والإسلامية بمحاضراته وأفكاره التي بعثت ونفخت في جسد الأمة الإسلامية المنهكة روح النهضة العلمية، ورغم رصيد فكري هائل قدمه الخان للعالم الإسلامي لم يتحرر من إسار التهم التي وجهت إليه لا سيما بعد أن انحاز نحو الخيم الهندوكية و حتى لاقى جمهورا كبيرا في أوساط الهندوس بسبب رؤاه السلمية التي أزعجت جادة الأمة تضامنه الواسع مع مبادرات المنظمات الهندوكية وبسبب صمته المهيب تجاه الأحداث المأساوية التي تعرض لها المسلمون في الهند، ووقف بكل قوة في وجه الإسلام السياسي ورآه خطرا كبيرا يواجه العالم الإسلامي.
حياته ومسيرته
ولد وحيد خان سنة 1925 في مدينة أعظم جره بالهند، وتعلم في جامعة الإصلاح العربية الإسلامية ثم توجه إلى الدراسة باللغة الإنجليزية، وظل وحيد الدين يقدم حصيلة فكرة بعد دراسات عميقة. وفي البدء انتظم في سلك لجنة التأليف التابعة للجماعة الإسلامية بالهند وعمل سنوات معدودة، ولأسباب فكرية انفصل عنها ثم أمضى ثلاث سنوات مكباً على التأليف في المجمع الإسلامي العلمي التابع لندوة العلماء بلكناو ثم شغل رئيس تحرير الجمعية الأسبوعية في دلهي (1967) لمدة سبع سنوات حتى أغلقت المجلة من قبل السلطات الهندية، وفي أكتوبر سنة (1976) أصدر لأول مرة – ومستقلاً عن كافة الهيئات – مجلة (الرسالة)، ودأبت هذه المجلة الشهرية على الصدور حتى الآن، وقد نالت حظاً كبيراً من النجاح والقبول، كما ألف الأستاذ وحيد الدين عدة مؤلفات هامة، نذكر منها على الخصوص : (الإسلام يتحدى) (الدين في مواجهة العلم) (حكمة الدين) (تجديد الدين) (الإسلام والعصر الحديث) (قضية البعث الإسلامي) (الإنسان القرآني) (الإسلام) وقد ترجمت هذه المؤلفات إلى العربية، ومن المؤلفات الهامة التي لم تترجم له : (محمد رسول الغلبة) (ظهور الإسلام) (الله أكبر) بالإضافة إلى تفسيره القرآن الكريم (تذكير القرآن) إلى غير ذلك من المؤلفات التي تربو على خمسين كتاباً، وآلاف المقالات المنشورة وغير المنشورة، وهذه المؤلفات كلها خير دليل على اتساع ذهنيته وفكره وعمق رؤيته في القضايا المعاصرة التي تؤرق الأمة الإسلامية، وقد حاول الخان إظهار الإسلام الصحيح على ثوب العلوم الحديثة حتى لا يطول عليه الغربيون والمشككون في أصال التراث الإسلامي.
والميزة التي يمتاز بها وحيد الدين من بين أقرانه من مفكري العصر إدمانه القاتل على قراءة الكتب العلمية والفكرية باللغة الإنجليزية، ويمكن تقدير سعة اطلاعه وعمق دراسته من خلال مؤلفاته ذات المستوى العلمي الرفيع، والتي تظهر عمق ثقافته الإسلامية وتمكنه من ثقافة العصر،ناقش خان مسألة الجهاد في الإسلام من خلال كتبه؛ الجهاد والسلام والعلاقات المجتمعية في الإسلام، وأيديولوجيا السلام، وحاضرنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام
وحصل فضيلته على جوائز عدة تقديرا لجهوده الفكرية والعلمية لخدمة الإسلام والسلام العالمي، منها جائزة الحسن بن علي عام 2015م وفي نفس العام كان ضمن قائمة أكثر 500 مسلم تأثيرا في العالم، وحصل أيضا على جائزة بادما فيبوشان من طرف الحكومة الهندية تكريما لخدماته الاستثنائية المتميزة.ت